أعد هذا «السلفي» الذي تجرع مرارة الاعتقال على خلفية قصة يبدو أنها تقترب من «الانتقام»، إلى حد الآن أكثر من 10 طلبات للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان لكي يتمكن من الاستفادة من العفو والعودة إلى وظيفته، دون أن يتلقى أي جواب. يقول إن كل ما يتمناه هو أن يعود إلى وظيفته التي لا يجيد غيرها لإعالة أسرته بعرق جبينه عوض صدقات المحسنين بحيه الشعبي بفاس وخروج صغاره إلى العمل في كل العطل. في كل مرة يقال له إن صيغة طلب العفو الذي يتقدم به يجب أن تتغير، وفي كل مرة يعمل على تغييرها، دون أن يتحرك الملف. إنها محنة من المحن، يقول تقرير للجمعية المغربية لحقوق الإنسان إنه ينتمي إلى قائمة الملفات التي تحدث عنها الملك محمد السادس في حواره مع «إيل باييس» الإسبانية في معرض حديثه عن وجود خروقات واختلالات شابت الاعتقالات التي شنت ضد المشتبه في انتمائهم إلى ما يعرف بتيار السلفية الجهادية، بعد أحداث 16 ماي الإرهابية بالدار البيضاء. صراع مع رجل سلطة حسان سباعي، كان قبل اعتقاله وإدانته بسنتين حبسا نافذا، يشتغل منذ 1993 أستاذا للعلوم الفيزيائية بالثانوية الإعدادية الشهيد عبد العالي بن شقرون بحي لابيطا ظهر الخميس بفاس. كانت حياته عادية. يعيل أسرته الصغيرة ويرسل حوالة بريدية إلى والديه في بني ملال نهاية كل شهر، ويؤدي واجباته الدينية بشكل عادي. لكن إدراج اسمه في ملف لا يزال يلفه الغموض غير مسار حياة هذا الرجل ذي ال45 عاما. فقد فقد عمله ودفع الوضع بأطفاله الثلاثة، ابن وبنتان، إلى الخروج إلى العمل في أيام العطل المدرسية. أما أمه التي فاقت الستين من العمر، فقد فرض عليها تغير وضع معيل الأسرة إلى معانقة بيوتات بني ملال لمساعدة العائلات في إعداد الطبخ مقابل بعض النقود تسمح لها بالعيش ب«كرامة». يقول حسان السباعي إن صراعا مع قائد المقاطعة التي يسكن فيها حول ودادية سكنية شكل بداية ملف أدرج اسمه فيه دون أن تكون له به علاقة. السباعي يضيف أن ودادية النجاح بحي لابيطا كانت قبل سنة 2002 من الوداديات غير الفاعلة بالرغم من أنها أسست منذ سنوات الثمانينيات من القرن الماضي. «والبعض يشير إلى أنها كانت ورقة بيد السلطة تستخدمها متى تشاء وتجمد وضعها متى تريد». ولأن هذا الحي يعرف بكونه من الأحياء الشعبية، تغيب فيه النظافة ويكثر فيه الإجرام، فقد اتفق بعض ممن يشكلون «نخبته» على تفعيل الودادية. قائد المنطقة رفض تشكيلة المكتب الجديد للودادية ولم يسلم له وصل الإيداع. المكتب بدوره قام باتصالات «أرغم» القائد بعدها على إعطاء الوصل، لكن مع تغيير الرقعة الجغرافية للودادية بمبرر أن جل المنتخبين يرغبون في تأسيس ودادياتهم والسلطة لا يمكنها أن تقبل بودادية واحدة، يوجد فيها أعضاء من حزب العدالة والتنمية». مكتب الودادية يدعو إلى جمع عام استثنائي وينسحب أمام هذا المستجد، في حين وصلت الأزمة بين حسان السباعي وقائد المنطقة ذروتها. «القائد» لم يقبل أن يواجهه أي مواطن بهذا الحي الشعبي بضرورة تطبيق القانون والتعامل به. وهنا بدأت المعاناة جار لرجل تعليم له سوابق عدلية، أمضى أكثر من 10 سنوات رهن الاعتقال، يتهمه بالاعتداء عليه بتاريخ 23 يونيو 2002، فيما يذهب السباعي إلى أن هذا الأخير هدده بالقتل. النزاع بين الطرفين وصل إلى القضاء. «م. م» قال في شكايته إن السباعي ينتمي إلى «عصابة إجرامية للسلفية الجهادية»، ورجل التعليم اتهم «م.م» بالاعتداء عليه ومحاولة قتله، قبل أن يسحب شكايته بعد تدخل القائد لدى رئيس الودادية. ومقابل هذا التدخل عمدت الودادية إلى توظيف «م. م» كحارس ليلي مقابل راتب شهري يقترب من 2000 درهم. أما النيابة العامة، فإنها قررت متابعة الطرفين معا. بعد أحداث 16 ماي 2003، تجدد «التوتر» بين «الجارين». السباعي يقول إن «م. م» أراد ابتزازه من جديد وطلب منه مبالغ مالية، لكن الرفض دفع بالمشتكي إلى تقديم وشاية انتماء رجل التعليم، رفقة رئيس الودادية وأشخاص آخرين، إلى «عصابة إجرامية للسلفية الجهادية». وجاءت النتيجة، اعتقال السباعي بتاريخ 4/11/2003. ويقول إن موضوع استنطاقه أثناء إعداد محاضر الشرطة القضائية كان هو عدم امتثاله «لأوامر القائد». السباعي لم تفده رسائل تضامن رفاقه في المؤسسة التعليمية، سواء قبل الاعتقال أو بعده. كما لم تفده رسائل التضامن من عدد من عائلات الحي الذي يقطنه. صدر في حقه حكم ابتدائي يقضي بمعاقبته بخمس سنوات سجنا من أجل التهم ذاتها التي اتهم بها من قبل شخص يلف الشك شهادته وشكايته، وذلك إلى جانب جنح أدينت بها مجموعة «سلفية» اعتقلت بسنة قبل اعتقاله، واتهم بكونه المحرض لاحتجاج لها بقاعة المحكمة بعد صدور حكم بسجن أحد «السلفيين». في جلسة الاستئناف، تراجع «م. م» عما جاء في شكاية يقول السباعي إن القضاء اعتمدها على أنها للأب في حين أن المتحدث فيها هو الابن، كما أن التوقيع المدرج فيها ليس لا توقيع الأب ولا توقيع الابن. لمن إذن هذا التوقيع؟ ومن كتب هذه الشكاية التي كانت وراء محنة رجل التعليم؟ ولماذا لم يبحث القضاء في هذه التفاصيل؟ القضاء الذي لم يقرر متابعة المشتكي بعد تراجعه عن الشكاية، قرر تبرئة السباعي من تهم تكوين عصابة إجرامية والضرب والجرح بالسلاح ومعاقبته بجنح التحريض والإفتاء والاستنفار. والغريب في الملف أن اللجنة التأديبية لوزارة التربية الوطنية قررت عزله من وظيفة التعليم بناء على حكم ابتدائي يدينه بتكوين عصابة إجرامية وليس بناء على حكم نهائي يدينه بالتحريض والإفتاء والاستنفار. القرار تبناه وزير التربية الوطنية والوزير الأول، وفقد بسببه حسان السباعي وظيفته، في وقت تمكن أحد المدرجين معه في نفس الملف والمحكوم عليه بنفس المدة تقريبا من العودة إلى وظيفته كمدرس في التعليم الابتدائي.