«قطار الديمقراطية لم يصل بعد إلى المغرب».. تلك كانت الخلاصة التي أجمعت عليها تدخلات مفكرين مغاربة نشطوا ندوة نظمها مركز الدراسات فكر وحوار بوكالة المغرب العربي للأنباء السبت 21 فبراير الجاري، تحت شعار «المغرب الراهن، المغرب المأمول»، وأدارتها الإعلامية مليكة ملاك. واعتبر عبد الحي المودن، أستاذ علم السياسة بجامعة أكدال بالعاصمة، أن المغرب يشهد تحولات مهمة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، غير أنه تساءل حول ما إذا كانت تلك التحولات «خطوة لتأهيل المجتمع نحو الديمقراطية بمفهومها الشامل أم هي مجرد لتكريس للوضع الراهن». بينما رأى محمد الساسي من جانبه أن المؤسسة الملكية لا تخشى التحولات كيفما كانت «باستثناء التحولات السياسية، وهي في سبيل ذلك مستعدة لاتخاذ جميع الخطوات، مثلما نرى حاليا في إنشاء حزب الأصالة والمعاصرة والأدوار المطلوبة منه». وفي نظر المودن فإن الوصول إلى الديمقراطية لا يعني الانتهاء من المشاكل بقدر ما يعني البدء عمليا في معالجتها بوضوح، وقال في مداخلته إن التعديل الدستوري مطلوب، مضيفا أنه «على الهيئات السياسية، في حال وجود شبه إجماع على نقاط معينة، المسارعة إلى تكريسها في تعديلات دستورية حتى نسرع وتيرة عملية الوصول إلى الديمقراطية». غير أنه لفت أنظار الحاضرين بقوله: «لكن المجتمع عليه أن يقتنع من جانبه بالديمقراطية وبعناصرها التي قد لا ترضيه» ضاربا مثلا على ذلك بحالة عباس الفاسي قائلا «الفاسي هو نائب برلماني منتخب ورئيس حزب منتخب، وتم اختياره وزيرا أول بعد احتلال حزبه للمرتبة الأولى في انتخابات 7 سبتمبر، لكن الواقع يقول إنه من أكثر الوزراء الأولين غير المحبوبين»! أما بالنسبة للباحث اليساري، الحبيب الطالب، فهو يرى أن المجتمع المغربي هو «مجتمع مخصي لا فاعلية له»، وركز في مداخلته على توجيه سهام النقد اللاذع إلى القوى اليسارية والتقدمية بقوله «إنها عجزت عن إعطاء الصورة الأمثل للتيار الجماهيري القادر على تبني مطالب المواطنين وحمايتها عبر آليات دستورية قانونية». وأبرز الطالب أن تلك القوى «تعاني حاليا من تراجع لدور الإيديولوجيا في تحريك دواليبها، إلى جانب معاناتها من سيطرة النزعة الفردانية والانتخابوية والمشاكل المرتبطة بالتهلهل التنظيمي»، داعيا في الوقت نفسه إلى إحداث «تغيير عميق في البنية الاجتماعية الوطنية بما يحقق نهضة طويلة النفس حتى إذا حصل تعديل دستوري فسيسمح بإظهار نخب جديدة غير تقليدية قادرة على التفاعل مع مطالب الجماهير وتحقيق التوافق السياسي». تحقيق هذا التوافق بين المؤسسة الملكية وأحزاب المعارضة اليسارية بقيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عام 1997، أكدت الدكتورة رقية المصدق، أستاذة القانون الدستوري، أنه مهد لحسم الصراع بينهما لفائدة الملكية وهو ما حدث في انتخابات 2002 بشكل حاسم ونهائي. وشرحت المصدق ذلك بقولها إن التناوب لم يكن ثمرة تعديلات دستورية تحترم التوازنات داخل النسق السياسي الوطني، مثلما لم يكن نتيجة صناديق الاقتراع الشفافة والنزيهة، بل كان مرادا للمؤسسة الملكية واستطاعت تحقيقه، مشيرة إلى أن عبد الرحمن اليوسفي نفسه كان يستعمل عبارة «التناوب الذي أراده الملك». وأوضحت أنه في الوقت الذي كان فيه الجميع ينتظر تطورا من التناوب التوافقي إلى التناوب السياسي المنتظم، حدث العكس، وتم التراجع عن العملية برمتها بعيد انتخابات 2002. الأحزاب التي فشلت في الاضطلاع بدورها في فرض التوازنات الدستورية والسياسية، يؤكد محمد الساسي من جهته أنها تبقى ضرورة للبلد برغم المشاكل الكثيرة التي تعاني منها. ويرى الساسي أن «الأحزاب المغربية تحولت في الوقت الحاضر إلى حزب نمطي وحيد، بسبب تشابه برامجها وخطاباتها وشعاراتها، حتى إنها لتؤكد في كل المناسبات أنها أحزاب ملكية يقتصر دورها على تأويل برامج الملك والمساعدة على تنفيذها». وفي نظر الناشط السياسي فإن الساحة السياسية تعرف ظهور لاعبين جددا هم الإسلاميون سواء اعترفت بهم الدولة (العدالة والتنمية) أو لم تعترف (العدل والإحسان مثلا). ويشرح الساسي أن الدولة لا تستطيع التساهل مع التغيرات السياسية، ولهذا فإنها تتبع كل السبل للتأثير في أساليب اشتغالها بما يضمن لها رجحان الكفة دائما، متحدثا في هذا المعنى عن العدالة والتنمية وتفاصيل قضية بلكورة متبعا ذلك بقوله «إذا لم ينتفض العدالة والتنمية ضد هذه التأثيرات فحتما سيفقد استقلاليته وبريقه». ومثله اعترف الدكتور نذير المومني بأن التاريخ الانتخابي المغربي لفترة ما بعد الاستقلال حكمته مسلمات سياسية من شأن التركيز على بعضها إهمال بعضها الآخر، وهو ما يهدد بإعطاء صورة ناقصة عن حقيقة النسق السياسي الوطني وتطوره عبر المراحل السياسية المختلفة. وقال في هذا السياق إن مسلمة «الانتخابات المزورة» مثلا والتي باتت لصيقة بالتاريخ الانتخابي الوطني وبرغم ثبوتها من الناحية القضائية والقانونية «إلا أنها لا يجب أن تنسينا أنه كانت هناك آليات أخرى تحكم الفعل الانتخابي في علاقته بين السلطة والأحزاب، ومنها آلية «الانتخابات المرتبة» حيث يتم التفاهم حول كوطا معينة لأحزاب محددة بغرض إحداث «توافق مطلوب للمرحلة السياسية التي يمر منها البلد». الطريف أنه في الوقت الذي كان يوضح فيه أحد المستشارين الوزاريين السابقين على أنه لا يجب التقليل من أهمية ما تحقق في المغرب، مثلما لا يجب تبخيس الدور الذي قامت به الأحزاب الإدارية وحالة حزب ساركوزي اليميني خير دليل على ذلك، كان أحد الحضور يقاطعه مبتسما من خلفه «قيادات حزب ساركوزي منتخبون، وساركوزي نفسه منتخب»..