في نهاية السباق الدولي الأول في العدو الريفي الذي نظمه نادي الوفاق الرياضي الفاسي، والذي أشرف عليه البطل الأولمبي خالد السكاح، وبعدما انفض الجمع ظلت فاطمة بوعياد أرملة البطل العالمي المرحوم عبد السلام الراضي منزوية في مكان هامشي. «المساء» اقتربت من أرملة صاحب أول ميدالية أولمبية في تاريخ الرياضة المغربية، لتكتشف حجم معاناتها مع المرض ومع ظروف العيش بعد أن سحبت منها مأذونية سيارة أجرة، موردها الوحيد. قالت هذا الكلام بكثير من المرارة وهو ما دفعني لطرح مزيد من الأسئلة عليها تخص عائلة بطل أولمبي طواه النسيان منذ وفاته عام 2000 عن سن تناهز الواحد والسبعين سنة، فلم تمانع في البوح لنا بكل ما تحمله في دواخلها من مشاعر الغبن والاستياء من جراء ما تعرض له المرحوم عبد السلام الراضي في حياته من تهميش وإهانات وبعد مماته من ظلم ونكران للجميل. كيف يعقل - تقول فاطمة بوعياد - أن يتعرض بطل مغربي للنسيان في حياته، هو الذي رفض كل الإغراءات التي قدمت له من أجل خوض السباقات تحت رايات أجنبية فرنسية وبلجيكية، وهو الذي قال لكل من كان يساومه على جنسيته وهويته «أنا مغربي وسأظل مغربيا إلى أن أموت». عاد عبد السلام الراضي إلى وطنه ليتقاضى ألفا وثلاثمائة درهم كل ثلاثة أشهر من فرنسا كمعاش بعد تركه الخدمة في صفوف الجيش الفرنسي، الذي تطوع فيه عام 1950 ، ولم يكن يظن أن بلده المغرب سيتنكر له بهذا الشكل، بحيث سدت في وجهه بعد عودته من فرنسا جميع الأبواب وعاش فقيرا ومحروما من عدة أشياء كان يتمناها لنفسه وأولاده. تتذكر فاطمة بوعياد وقد اغرورقت عيناها بالدموع كيف أن زوجها جمع ذات يوم كل الميداليات والكؤوس التي كانت بحوزته وكان يؤثث بها خزانته المتواضعة في بيته المتواضع، وخرج ليعرضها للبيع في «الجوطية» ويعود بمبلغ 200 درهم من أجل توفيرعشاء ليلة لأولاده وأسرته في إحدى المناسبات الدينية. تقول فاطمة وهي تتذكر هذه الجزئية المؤلمة من حياتها الزوجية «كم بكيت في ذلك اليوم وكم عاتبته لأنه ما كان عليه أن يقدم على هذه الفعلة ويجهزعلى تاريخ بكامله ومشوار رياضي طويل من أجل 200 درهم». اشتغل عبد السلام الراضي في آخر أيام حياته بمصالح ولاية فاس براتب شهري هزيل جدا (تسعمائة درهم). وعن هذا الشغل الذي وفره له وال سابق، تقول زوجته «كان يحز في نفس المرحوم ويؤلمه كثيرا أن ينتهي به المطاف لحمل الصينية وتوزيع كؤوس الشاي على موظفي أقسام ومصالح الولاية وعلى المواطنين العاديين والضيوف الأجانب، وهو البطل الذي كان كل الناس في فرنسا يتهافتون عليه للحصول على توقيع منه على قميص أو على بطاقة بريدية، وكتبت عنه الصحف الفرنسية والبلجيكية والأوروبية عموما عدة مقالات وأجرت معه حوارات عديدة، خاصة في أعقاب فوزه ببطولة العالم للعدو الريفي لاختراق الضاحية بالعاصمة السكوتلاندية غلاسكو سنة 1960، وهو السباق الذي تحدى فيه كل منافسيه». ظل على هذا الحال يشتغل «شاوش» لمدة طويلة ويتجرع مرارة الإهانة قبل أن يتكرم عليه الوالي السابق لفاس محمد الظريف ذات يوم بمأذونية سيارة أجرة صغيرة «كريمة»، بعدما اطلع على أحواله من خلال تقرير توصل به عن الظروف المزرية، التي كان يعيش فيها هو وأسرته. لكن ما لم يكن يخطر على بال المرحوم عبد السلام الراضي، هو أن تعمد مصالح الولاية بعد وفاته إلى تجريده من هذا الحق وحرمان أسرته الفقيرة من هذا المورد الوحيد للعيش. كيف ذلك؟ تقول فاطمة بوعياد «بعد وفاة المرحوم تم تجميد صلاحية مأذونية سيارة الأجرة وسحبوها مني بعدما طالبوني بتقديم بعض الوثائق بدعوى تحويلها في إسمي الشخصي وقدمت لهم كل الوثائق المطلوبة ولم أتلق منهم أي جواب إلى يومنا هذا». حصل ذلك منذ خمس سنوات تقريبا ولا زالت لحد الآن تتردد على مصالح الولاية ولا أحد يعير اهتماما لقضيتها - كما تقول - ويمنعونها حتى من مقابلة السيد الوالي. ووجهت أرملة الراضي نداء تناشد فيه المسؤولين من أجل إرجاع هذا الحق المسلوب من أسرة المرحوم عبد السلام الراضي، والتسريع من وتيرة إطلاق سراح هذه «الكريمة». «لقد قيل لي إن الملف موجود حاليا لدى المصالح المختصة بوزارة الداخلية» تقول بوعياد بنبرة حزينة. وختمت فاطمة بوعياد (وهي أم لثلاثة أولاد وبنت) حديثها الدامع بقولها إن العبء قد أثقل كاهلها، فهي تكافح من أجل تنشئة أولادها الذين يكبرون وتكبر معهم مطالبهم، وترعاهم كي يصبحوا أبطالا رياضيين هم أيضا، وخاصة أن لديها حمزة وكريم (18 – 17 سنة)، اللذين يمارسان ألعاب القوى ضمن صفوف نادي الوفاق الرياضي، وهما «الأمل الوحيد الذي يتبقى لها بعد الله سبحانه» كما تقول، خصوصا أن ابنها البكر عزيز (23 سنة) عاطل عن العمل في الوقت الراهن.