قبل سنين كانت أضواء الكاميرا كلما سلطت على أحدهم إلاّ وأجاب: «كلشي زوين، كلشي مزيان، عاش الملك»، حتى أصبحت أغنية «كلو العام زين» شعارا مبتذلا لمشهدنا الإعلامي لعقد من الزمن، ومع بداية التسعينات وخصوصا بعد ظهور الفضائيات واكتشاف المغاربة لبرامج إخبارية قوية وأساليب أخرى في التقديم والنقاش والمساءلة، كان لابد لنا من بديل لشعاراتنا الزائفة، فأصبحنا نلمس بعض الصدق والحرية والمسؤولية في بعض البرامج الحوارية والإخبارية، إلاّ أن هناك بعض المسؤولين مازالوا يحنون إلى عهد ولىّ ومازالوا يعتقدون أنهم حينما يقطبون جبينهم ويشرعون في الكذب سنصفق لهم ونخافهم وننحني في حضرتهم، أشخاص ساديون كأننا أجرمنا في حقهم فنصبناهم مدافعين عن مصالحنا ليتنكروا لنا، ومنحناهم مفاتيح كنوزنا ليسرقونا، وقدمنا لهم أصواتنا ومستقبلنا وأحلامنا ورقابنا ليذبحونا. هؤلاء «المسؤولين» عن عذاباتنا حينما يقفون أمام كاميرا التلفزيون ينسون أن لنا عيونا ترى وآذانا تسمع وأرواحا تحتضر لأنهم رأس بلا عقل، خونة هذا الوطن ومرتزقته الذين وُكلت إليهم مهمة حفظه وتنميته وخدمته، فخدموا أنفسهم ومصالحهم وأرصدتهم وتركوا الوطن يغرق حفرا ومستنقعات وخرابا. لقد تابعت باهتمام وأسف كيف أصبحت نعمة المطر مصيبة كبرى حلّت بالبلد، وكيف تضرر الناس وهوت بيوتهم فوق رؤوسهم، وكيف تجمد الصغار في المدارس النائية وتعطلت دراستهم، أما الطرق فمن السهل أن نلمح الحفر والثغرات والسرقات بالعين المجردة، لا يحتاج ذلك إلى بحث أو لجنة تقص أو تقارير سرية، فيما يظهر أحد المسؤولين عن فضيحة الطرق بالعاصمة الاقتصادية الكبرى ليقول دون خجل ودون أن يتضرج وجهه حمرة أو يتلعثم لسانه أو يرشح عرقا إن سبب الحفر والتلف الذي أصاب الشوارع هو المطر، وقد باغتته صحفية القناة الثانية بسؤال ذكي ومنطقي مفاده أن المطر الذي ينزل غزيرا في أوروبا لا يتلف شوارعها، وأن الحفر لا تبرح طرقنا حتى في سنوات الجفاف، فأجاب بخبث وجبن وتآمر بأن عملية «الترقيع» جارية لا يعطلها سوى المطر «اللعين». هؤلاء المدّعون تفضحهم الطبيعة والزمن والتقارير الدولية والصحافة المكتوبة والمرئية، ورغم ذلك يأتون بحجج بليدة غير مكترثين بأحد، يظهرون بوجه بارد وعيون زائغة ولسان كاذب. من أمّنهم على هذا الوطن؟ تلفني الحيرة حينما أسمعهم يتحدثون بتهكم واضح ومقصود ويغالطون شعبا كاملا ويبتكرون أحدث أساليب الغش والتزوير والتلفيق والمراوغة والارتشاء.. حتى المطر لم يسلم من اتهاماتهم وتحرشهم، فقدرنا الجفاف أو الغرق. وأين الفرحة؟ أين الربيع القادم؟ زهور الياسمين والنرجس.. لقد اغتصبوا كل شيء، ومازالوا يوهموننا بأنهم في خدمة الوطن، مع أن الحقائق المرة نعيشها كل لحظة وفي كل مكان، لكن لن نتآلف معها أبدا مهما نغّصت أيامنا، لأننا لن نتنازل مطلقا عن حقنا في شوارع تليق بنا، ومدن وقرى تحضننا لا أماكن مجهولة نرتادها كالغرباء، لن نتنازل عن حق صغارنا في قليل من الدفء ليفرحوا ويدرسوا ويحلموا.. لن نتنازل عن حقنا في رؤوس بعقول تحترمنا.