كثُر الحديث عن الدعوة إلى إصلاحات دستورية تكون ممهدة لإصلاح مؤسساتي وسياسي شامل على الساحة الوطنية، لتجاوز المرحلة الحالية التي أُطلق عليها مرحلة «انتقال ديمقراطي»، وهي المرحلة التي بدأت مباشرة بعد تعيين الكاتب العام الأول للاتحاد الاشتراكي عبد الرحمان اليوسفي وزيرا أول سنة 1998، في إطار توافق بين القصر والمعارضة على التداول على السلطة. بيد أن المرحلة الانتقالية التي كان يعول عليها المغاربة، من أجل بناء مغرب يتوفر على مؤسسات دستورية تحظى بسلطات مستقلة، ما لبثت تمتد ولا يعرف أحد متى ستنتهي وإن كانت بدايتها أسست لها حكومة تناوب ترَأس نسختها الأولى الاتحاديون بعدما صوتوا على تعديل الدستور سنة 1996، رغم شُح تلك التعديلات التي لم تمس بجوهر الفصل 19 الذي يخول الملك صلاحيات تنفيذية واسعة، وهو ما يُفقد العمل الحكومي سلطة اتخاذ القرار والمبادرة، يقول متتبعون للشأن السياسي الوطني. ويضرب هؤلاء نماذج صارخة تبرز الدور المحوري للملك في عمل الجهاز التنفيذي على حساب باقي أعضاء الحكومة، ومنهم الوزير الأول، والذين تصبح أدوارهم مجرد تنفيذ ل«التعليمات المولوية» وليس تنفيذا لبرامجهم السياسية التي وعدوا بها الناخب المغربي؛ ويذكر هؤلاء بحدث «الإنذار» الذي ميز السنة الأولى من عمر حكومة عباس الفاسي، حين أراد هذا الأخير إلحاق وكالات التنمية الاجتماعية، التابعة مباشرة له، بصهره نزار بركة، الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالشؤون الاقتصادية والعامة، فكان رد القصر الملكي سريعا وصارما عندما أصدر ظهيرا ينص على عودة الوضع إلى ما كان عليه، ما جعل الفاسي يصرح بأن ما أقدم عليه كان «خطأ» فتدخل الملك لإصلاحه. هكذا، وبمبرر الصلاحيات التي يضمنها الدستور للملك، يتخلى رئيس حزب، جانبا، عن أحد أهم محاور برنامجه الانتخابي الذي وعد به الناخب، والمتمثل بالأساس في الإصلاح بكل تجلياته الإدارية والسياسية والدستورية. ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة إلى حليف الاستقلال في الحكومة والكتلة الديمقراطية، التي من بين أهم مبررات وجودها العمل على بناء مغرب قوي بمؤسساته الدستورية، حزب الاتحاد الاشتراكي الذي يبدو أن الرجة التي أحدثتها نتائج انتخابات شتنبر 2007 في صفوف مناضليه جعلت القيادة الاتحادية تدعو في مؤتمرها الثامن، في السنة الماضية، إلى ضرورة القيام بإصلاحات سياسية جذرية ومنها أساسا ضرورة أن يسود الملِك ولا يحكم، أو ما يطلق عليه في القانون الدستوري والعلوم السياسية ب«الملكية البرلمانية»، وهي الدعوة التي اعتبرها حتى الحلفاء في الحكومة، بل ومن داخل الكتلة نفسها، كلاما إنشائيا ومزايدة سياسية لا تقدم ولا تؤخر، مستدلين على ذلك بأن عبد الواحد الراضي الذي وعد قبل المؤتمر الثامن لحزبه بتقديم استقالته، في حالة فوزه بالكتابة العامة للحزب، من أجل التحضير لإصلاح شمولي داخل بيته الاتحادي استعدادا للإصلاحات الجذرية على الساحة، سرعان ما ارتد على كلامه بمجرد ما حظي ب«الثقة المولوية» حين استقبله الملك رافضا إعفاءه من مهامه كوزير للعدل.