يرى الأستاذ الباحث في القانون الدستوري عمر بندورو أن المغرب بحاجة إلى ملكية برلمانية، ولن يتأتى ذلك إلا بإصلاحات جذرية تجعل الملك يسمو على الاعتبارات السياسية ويكون رمزا للوحدة الوطنية وحكما في نفس الوقت، مضيفا أن الغرفة الثانية للبرلمان يجب أن يشملها أي إصلاح متوقع ويتم إلغاؤها نظرا لأنها تضم فقط أصحاب المصالح، يقول بندورو في حواره مع «المساء»، ومكلفة لميزانية الدولة. - كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ضرورة القيام بإصلاحات سياسية؛ هل المغرب بحاجة إلى إصلاحات في هذا الشأن؟ < بالطبع، نحن بحاجة إلى إصلاحات دستورية وسياسية، لأن طرق ممارسة السلطة في البلاد تتطلب ذلك؛ فنحن بحاجة إلى نظام ملكية برلمانية تجعل الحكومة منبثقة عن أغلبية برلمانية وتملك السلطات اللازمة لإعداد برنامج حكومي يتلاءم مع الالتزامات الانتخابية للأغلبية البرلمانية، ولتسيير البلاد مع إمكانية محاسبة الحكومة وأغلبيتها خلال الانتخابات التشريعية اللاحقة. ويجب أن تشمل الإصلاحات كذلك وبإلحاح وضعية البرلمان والقضاء وتعزيز الحقوق والحريات. - كيف ترى تعاطي الأحزاب السياسية المغربية مع مطلب الإصلاحات السياسية؟ < يجب التفرقة أولا بين أحزاب الأغلبية الحكومية وبين أحزاب المعارضة اليسارية؛ فإلى غاية الانتخابات التشريعية الأخيرة سنة 2007 لم تكن أحزاب الأغلبية، بما في ذلك أحزاب الكتلة (الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية)، تطالب بإصلاحات دستورية مهمة، حيث كانت مطالبها تقتصر على تقوية وضعية الوزير الأول وتقوية سلطات البرلمان أساسا. ولكن منذ المؤتمر الأخير للاتحاد الاشتراكي، أصبح هذا الحزب يطالب بإقرار الملكية البرلمانية. أما أحزاب اليسار الديمقراطي الموجودة في المعارضة أي الحزب الاشتراكي الموحد والمؤتمر الوطني الاتحادي وحزب الطليعة والنهج الديمقراطي، فكلها أحزاب ظلت تطالب دائما بإصلاحات دستورية جذرية من شأنها إعداد الشروط الضرورية والملائمة للانتقال الديمقراطي. - أليست مسألة الإصلاحات هي مجرد شعار يرفع فقط مناسباتيا من طرف الأحزاب في غياب خطة واقعية وموضوعية لأي إصلاح؟ < من الأكيد أن هناك من بين الأحزاب من ترفع شعار الإصلاحات الدستورية فقط من أجل أن تقول إنها موجودة على خارطة المشهد السياسي، ولكن هناك أحزاب أخرى وجدت نفسها مضطرة إلى إيجاد أجوبة آنية عن عدد من الأسئلة المطروحة داخل أحزابها من طرف مناضليها، خاصة بعد نتائج استحقاقات شتنبر 2007، وتجلى ذلك في دعوتها إلى ضرورة إقرار إصلاحات سياسية. - إلى أي حد ترى أن الأحزاب المغربية جادة في مسعاها إلى القيام بإصلاحات سياسية؟ < فعلا هناك بعض الأحزاب التي ترفع مطلب الإصلاحات الدستورية لأغراض سياسية محضة حتى لا تكون منعزلة عن تلك الاقتراحات والمطالب، خاصة وأن هيئة الإنصاف والمصالحة نادت كذلك بهذا المطلب؛ ولذلك مثلا نجد أن مطالب الإصلاحات أصبحت بالنسبة إلى الاتحاد الاشتراكي موضع نقاش داخل الحزب إلى حد أنها أدت إلى ظهور تيارات داخلية تجعل من هذه الإصلاحات مسألة استراتيجية للحزب من أجل إعادة الاعتبار إليه خلال الانتخابات المحلية والوطنية المقبلة. - ما الذي ينبغي إصلاحه بالضبط على المستوى السياسي بالمغرب؟ < الإصلاحات الواجب إقرارها مرتبطة بوضعية السلطة التنفيذية والسلطة البرلمانية والقضاء والحقوق والحريات، بعبارة أخرى يجب إعداد إصلاح شامل وجذري لبنيات السلطات في المغرب؛ ففي هذا الإطار يجب إعادة هيكلة السلطة التنفيذية وذلك بجعل الحكومة المؤطر للبرنامج الحكومي والمسؤول الرئيسي عن تدبير الشأن العام، وذلك بتخويلها أهم السلطات التنفيذية، مما سيسمح لها بتخويل الملك، بالنتيجة، وضعية تجعله فوق كل الاعتبارات السياسية، حيث يكون رمز الوحدة الوطنية وأساس استمرارية الدولة وحكما بناء على السلطات المخولة لرؤساء الدول في الملكيات البرلمانية الحقيقية. - ما السبيل إلى ذلك؟ < يجب إعادة الاعتبار للبرلمان وذلك بتعزيز سلطاته في مختلف الميادين والتفكير في إلغاء مجلس المستشارين الذي يعتبر مؤسسة دون جدوى لأنها تمثل أصحاب المصالح أساسا ومكلفة ماليا لميزانية الدولة. وهناك وضعية القضاء كذلك، والتي تطرح بحدة، الشيء الذي يستدعي إصلاحا هاما يسمح باستقلالية تامة وحقيقية لهذه المؤسسة وجعلها سلطة حقيقية. ثم هناك الحقوق والحريات، والتي ليست مضمونة دستوريا بما فيه الكفاية؛ يجب إذن تعزيز هذه الحقوق والحريات والاعتراف بصريح العبارة بسمو المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان على القانون الوضعي الوطني. - هل الوقت مناسب للقيام بأي نوع من الإصلاحات السياسية، خاصة بعد مرور كل هذه السنوات على ما يسمى انتقالا ديمقراطيا؟ < نظرا لتعثر المسلسل الديمقراطي، تبدو الإصلاحات الدستورية ضرورية وملحة حتى يتم إعداد الشروط الأساسية للانتقال الديمقراطي، مما يسمح بإعداد نظام لملكية برلمانية قادرة على الاستجابة لكل الأسئلة المطروحة، خاصة في ظل ما نعيشه حاليا على مستوى الساحة السياسية نتيجة ما أفرزته انتخابات شتنبر من سنة 2007 من ضعف للإقبال على الاقتراع، وهو ما يطرح على الفاعلين السياسيين إيجاد جواب قمين بإعادة الثقة إلى هؤلاء الناخبين.