سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
البخاري: أنا جمهوري وعلماني أتوق إلى مجتمع متحرر من سلطة الدين والتقاليد قال إن المجتمع المغربي مليء بالعنصرية واللاتسامح والفوبيا من المثلية الجنسية وكره الأجنبي
يصبح طبيبا.. هكذا ارتدى الوزرة البيضاء وعلق سماعة الطبيب لمدة سبع سنوات، و عندما حان موعد تقديم أطروحته لنيل الدكتوراه، قفز إلى الصحافة ل«معالجة» مواضيع الثقافة والسياسة والمجتمع، ولا يزال، إلى الآن، طبيبا مع وقف التنفيذ. على كرسي اعتراف «المساء»، يحكي كريم البخاري عن علاقته بعلي يعتة، القيادي الشيوعي ومدير جريدة «البيان» التي كانت أول جريدة يشتغل فيها، وكيف كان علي يعتة يؤدي رواتب الصحافيين ب«الكانزا» ودون عقدة عمل، دون أن يغفل الحديث عن رفض والده احمد البخاري لعمله الجديد ونعته الصحافة بكونها مهنة تافهة. ويقف كريم البخاري، أيضا، عند أقوى اللحظات في تجربتي «تيل كيل» و«لوجورنال»، وكيف اختلف مع بنشمسي في نشر ملف عن الأمير مولاي هشام؛ كما يتذكر علاقته بادريس البصري الذي كان يسمي البخاري «طاراس بولبا»، وحواره الذي لم ينشر مع هشام المنظري، ومفاوضاته مع عدد من رجالات الدولة؛ ويعترف، على كرسي البوح مع «المساء»، بأنه تدخل في كتابة مذكرات والده، فشطب على أمور وأعاد ترتيب أخرى، كما يستعيد المضايقات والتحرشات التي تعرض لها هو ووالدته. - قبل أن تتسلم إدارة «تيل كيل» من سلفك أحمد رضا بنشمسي صرحت لأحد المواقع العربية قائلا: «سوف ألعب دوري بشكل مهني، ولن ألعب دور المعارضة»؛ هل كنت ترى أن بنشمسي كان معارضا لنظام الحكم في المغرب أكثر منه صحفيا مهنيا؟ في المنابر الصحفية المشاكسة مثل «تيل كيل» و»لوجورنال» يحدث أن يكون هناك أحيانا حضور للذات، مما يؤدي إلى انحياز عاطفي إلى هذا الرأي أو ذاك. ما قصدته بقولي، قبيل تعييني مدير نشر ل«تيل كيل»، هو أنني سوف أبذل جهدا مضاعفا لكي أكون أكثر موضوعية، فإذا كان هناك ما يستوجب انتقاد نظام الحكم فيجب أن يُنتقد بموضوعية، أما الأساس فهو تغليب المهنية والموضوعية والحياد، طبعا مع الحفاظ على قناعاتنا الثابتة والمعروفة لدى الجميع؛ فمثلا، أنا لم أخف يوما أنني جمهوري ولست ملكيا، وأنني يساري بالمعنى الفكري وليس الحزبي، وأنني علماني أتوق إلى مجتمع متحرر من سلطة الدين والتقاليد. وكصحفي، أرى أن التعبير عن هذه القناعات لا يحتاج إلى شعارات بقدر ما يحتاج إلى المهنية والموضوعية. - لكنكم في «تيل كيل»، تتهمون بلعب نوع من المعارضة للمجتمع وقيمه وتقاليده.. هذا سؤال جوهري. في «تيل كيل»، كان كل واحد منا يحمل بذرة معارضة، سواء تجاه السلطة السياسية أو المجتمع. وكنا نعرف سلفا أن المنابر الصحفية المستقلة، وعلى رأسها «لوجورنال»، ركزت، بلغتك أنت، على ما يمكن تسميته ب»المعارضة السياسية» مقابل إهمال المجتمع. نحن في «تيل كيل» ثم في «نيشان» بدا لنا أن يكون منطلقنا اجتماعيا، لأن المجتمع المغربي فيه من الخلل والعقد ما سيقودنا، في حالة رصده والاشتغال عليه، إلى الوصول إلى انتقاد الحاكمين، وبالتالي فعلينا الانطلاق من المجتمع وليس من معارضته كما قلت أنت. لقد أظهرت لنا الممارسة أنك عندما تعارض الموقف السياسي، خصوصا إذا كان صادرا عن الملك، فإن ذلك يلاقي إقبالا وترحابا من طرف المثقفين والنخبة، وحتى من طرف عامة الناس الذين يتخذ ترحابهم غالبا طابعا صامتا. لكن عندما ننتقل إلى المجتمع ونقول عنه إنه محافظ ومليء بالعادات السلبية كالعنصرية واللاتسامح والفوبيا من المثلية الجنسية وكره الأجنبي.. فإننا نقول إن هذه العادات والسلوكات السلبية هي علامات تخص المجتمعات المتخلفة بقدر ما هي تراكمات تاريخية. - اشتغلت في «لوجورنال» وفي «تيل كيل». ما الأصعب: «معارضة» المجتمع أم «معارضة» السلطة؟ من قبل لم تكن هناك، بلغتك أنت، منابر إعلامية معارضة للمجتمع، إذا استثنينا تجربة «كلمة» (مجلة أصدرها نور الدين عيوش ما بين 1983 و1987). بعدها كان هناك نقد سياسي. وتجربتنا في «تيل كيل» توصلت إلى ضرورة الانطلاق من البحث عن اختلالات وتناقضات المجتمع. أما عما هو الأصعب وما هو الأسهل، فيمكن القول إن انتقاد الحاكم كان في السابق أمرا صعبا، لكن الأصعب الآن هو أن تختلف مع المغاربة وتنتقد سلوكاتهم. - آخر ملف أنجزه احمد بنشمسي قبل أن يغادر إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية كان عن الأمير مولاي هشام. ومع أن «تيل كيل» كانت دائما بعيدة عن الاصطفافات التي تموقعت فيها مجموعة من الجرائد: «مع مولاي هشام»/«ضد مولاي هشام»، فقد ربط عديدون بين هذا الملف واستقرار بنشمسي في أمريكا؟ كل واحد حرّ في أن يفهم ما يشاء، وهذا السؤال يجب أن يوجه إلى بنشمسي. أما عن تناول مولاي هشام صحفيا فقد كانت الفكرة واردة لدينا في «تيل كيل» قبل تلك اللحظة بأزيد من عامين، من منطلق أن مولاي هشام باعتباره أميرا وله آراء ومواقف خاصة في السياسة.. فمن المهم إنجاز مادة صحفية تكشف للناس كيفية عيشه وما يقوم به. وقد كان الزميل المهدي السكوري هو من اقترح إنجاز ملف عن مولاي هشام وليس بنشمسي أو أنا. أواخر سنة 2010، أخبرني بنشمسي بأنه سيسافر إلى أمريكا لغرض ما، واقترح أن ينجز على هامش هذه الرحلة روبورطاجا عن حياة مولاي هشام، لكن بما أن ذلك صادف مغادرة بنشمسي لمنصبه كمدير نشر ل«تيل كيل»، وهو المنصب الذي توليته أنا، فقد أعلنت تحفظي عن الظرفية التي سينجز فيها ذلك الروبورطاج وليس عن العمل الذي أعتبره جيدا من الناحية الصحفية لأنه سيحمل قيمة مضافة إلى القارئ، لذلك قلت إن التوقيت غير مناسب. - هل كان التوقيت غير مناسب بالنسبة إليك أنت تحديدا؟ -- رأيت أنه غير مناسب لي وللمجلة أيضا، لذلك اقترحت على بنشمسي أن ينشر الملف داخل المدة التي تبقت له على رأس «تيل كيل»، أي أنني قلت له: تحمل مسؤولية اختيارك، وذلك ما كان بالفعل. أما أنا فلو كان لدي الاختيار لنشرت الملف قبل ذلك الموعد أو بعده بأشهر عديدة. - لماذا غادر بنشمسي «تيل كيل»؟ هذا أيضا سؤال ينبغي أن يُوجّه إلى بنشمسي، لكن من وجهة نظري فإن المجلة مرت منذ المنع الذي تعرضت له سنة 2009 بموسم صعب، ودخلت في حالة عزلة، حيث وجهت إلينا العديد من الإشارات السلبية جدا؛ فمثلا، عندما كانت الدولة تريد أن تنظم ندوة أو كانت الأجهزة الأمنية تعتقل عصابة إجرامية كانت تتم المناداة على كل الصحف باستثناء «تيل كيل»، بل وصل الأمر إلى أننا عندما كنا نتصل بأحد المسؤولين في الدولة، حتى ممن كنا على سابق معرفة بهم، كان يعتذر عن الحديث إلينا مرددا: «تيل كيل..لا». لقد أصبحنا كمصابين بمرض مُعد يتطلب عزلنا. وبالموازاة مع هذا الضغط الخارجي، أصبح المساهمون في رأسمال المجلة يريدون بيع الشركة التي تُصدر «تيل كيل».