كان عبد الله إبراهيم مقتنعا بأن مهامه على رأس حكومة أصبح ينظر إليها على أنها حكومة الوطنيين لن يكون مرحب بها لدى كل الفعاليات، خصوصا من قبل بعض الاستقلاليين، الذين شكلوا ما عرف بالتيار التقليدي المحافظ، والذين سينضم إليهم الزعيم علال الفاسي، الذي كان يراهن على قيادة هذه الحكومة بعد أن اختاره الملك محمد الخامس. وقد ضمت حكومة عبد الله إبراهيم شخصيات استقلالية من الجناح الذي ينتمي إليه مثل عبد الرحيم بوعبيد، والتهامي عمار، والمعطي بوعبيد. بالإضافة إلى شخصيات أخرى محايدة أو محسوبة على القصر. وكان عبد الله إبراهيم قد قبل هذا المنصب بعد أن وضع أمام الملك مجموعة من الشروط، منها تمتعه بصلاحيات كاملة للعمل في كافة القطاعات الوزارية، وإعادة ممتلكات عائلة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، وتسريع إيقاع جلاء القوات الأجنبية، وتحرير الاقتصاد الوطني. لقد جاءت الحكومة الجديدة لتواجه عدة تحديات تتعلق بالأوضاع الداخلية المضطربة والمهددة لوحدة البلاد، والأوضاع الاقتصادية التي ازدادت خطورة إثر قرار الحكومة الفرنسية تخفيض عملتها بنسبة وصلت وقتها 20 في المائة. ولهذا كان قرار عبد الرحيم بوعبيد، وزير الاقتصاد في الحكومة، فصل الفرنك المغربي عن الفرنك الفرنسي، والخروج من منطقته، مع الاحتفاظ بالقيمة التي كانت للعملة المغربية. لم يكن القرار لينزل بردا وسلاما على الكثير من المتعاملين في المجال، فقامت ضجة ضد هذه السياسة المالية الجديدة، وبدأ البعض يصف التوجهات الحكومية في الميدان النقدي بأنها مغامرة قد تهدد مستقبل الصادرات المغربية والاقتصاد الوطني. وفجأة تحول جهاز حزب الاستقلال إلى أداة للدعاية ضد السياسة التي ينهجها أحد قادة الحزب البارزين، وأصبحت صحافة الحزب، وخاصة جريدة «العلم»، منبرا يردد الأطروحات الواردة في هذه الحملة المعادية لسياسة عبد الرحيم بوعبيد الاقتصادية. كما تزامن إعلان حكومة عبد الله إبراهيم مع ظهور حزب جديد في الساحة السياسية المغربية، هو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي كان تأسيسه يوم 6 شتنبر 1959 نتيجة عملية انشقاق داخل حزب الاستقلال قادها الجناح اليساري في مواجهة من وصفوا بالجناح المحافظ. وقد كان الخط السياسي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية واضحا منذ البداية، حيث رفع شعارات تطالب بالتحرر وجلاء الاستعمار، والتعبئة الشعبية، والدعوة إلى إتمام تحرير البلاد من خلال دعم جيش التحرير. كما ظل يطالب أيضا بدعم الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تقوم بها حكومة عبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد، خاصة بعد أن انعقد يوم 16 أكتوبر 1959 المجلس الوزاري برئاسة الملك محمد الخامس، الذي صادق على التدابير النقدية والمالية والاقتصادية، ومن جملتها ضرورة فصل العملة المغربية عن الفرنك الفرنسي، وإطلاق اسم الدرهم على الوحدة النقدية المغربية الجديدة، ومراقبة تنقل رؤوس الأموال، وتأسيس عدة صناديق وأبناك، مع الزيادة في الأجور. وقد تمثل دعم الحزب لهذه الإصلاحات الحكومية في إرسال الكتابة العامة برقية إلى الملك يؤيد فيها كل التدابير التي أقدمت عليها الحكومة والمرتبطة بالعملة المغربية. كما أرسلت الكتابة العامة في نفس الوقت برقية إلى الحكومة، تنوه فيها بالقرارات المتخذة وبالعمل الذي قام به عبد الرحيم بوعبيد. وعلى امتداد الفترة الفاصلة بين تاريخ قيام حكومة عبد الله إبراهيم، يوم 24 دجنبر 1958، وأكتوبر 1959، يوم إقالتها، كانت المعارضة الأساسية لسياسة الحكومة، خاصة في الجانب الاقتصادي، قد تولتها الصحافة الصادرة عن حزب الاستقلال، وهي جريدة «العلم» وأسبوعية «الاستقلال». قبل أن تتعزز هذه المعارضة إعلاميا بالأسبوعية الجديدة التي حملت اسم «جريدة ليفار»، والتي أصدرها أحمد رضى كديرة، صديق الأمير مولاي الحسن، وأحد المقربين منه. وهي التي ستنطلق في الصدور يوم 5 أكتوبر 1959. لقد كان تأسيس هذه الجريدة يندرج في سياق حملة المعارضة التي قادها الأمير مولاي الحسن رفقة بعض العناصر النافذة في القصر للإطاحة بحكومة عبد الله إبراهيم، وكانت جريدة «ليفار» أداة من أهم الأدوات التي استعملها ولي العهد لتحقيق هدفه، حيث قادت حملة إعلامية شرسة ضد الحكومة ورئيسها ووزير الاقتصاد عبد الرحيم بوعبيد. فيما كان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الحزب الوحيد الذي ظل يدعمها دعما سياسيا وإعلاميا. كما أن التحولات الاقتصادية والمالية، التي قامت بها حكومة عبد الله إبراهيم، ساهمت في التأثير على مصالح العديد من الأطراف السياسية المغربية، التي كانت ترى فيها توجها واختيارا اشتراكيا، فلم تترك أي فرصة تمر دون عرقلة هذه التحولات، حيث كان أهم طرف سياسي عبر عن موقفه المعارض لهذه التحولات هو حزب الاستقلال، الذي كان بدوره ينتقد التجربة الحكومية. وقد فعل ذلك من باب خلفية الانشقاق الذي حدث سنة 1959، والذي تزعمه التيار الذي يقود الإصلاحات الاقتصادية في نفس هذه الحكومة. إضافة إلى أن الكثير من القرارات مست بشكل كبير المصالح الاقتصادية للعديد من الفئات البورجوازية داخل الحزب. وهو ما أضر بمصالحها مع العديد من الأطراف الاقتصادية الأجنبية. لقد حملت حكومة عبد الله إبراهيم، رغم قصر عمرها، عدة توجهات وطنية في القطاعات الاقتصادية، بهدف فك الارتباط مع كثير من المؤسسات الفرنسية. غير أن المرحلة طغى عليها التحضير لانشقاق 1959 داخل حزب الاستقلال، والذي توج بالإعلان عن تأسيس الاتحاد الوطني للقوات القطيعة السياسية بين فصائل الحركة الوطنية، التي كان عملها يتسم بالوحدة والتنسيق في مواجهة الاستعمار الفرنسي، لكنها اختلفت في التعاطي مع رهانات بناء الاستقلال. وسيشمل تأثير ذلك الانشقاق عدة مستويات، إعلامية ونقابية واقتصادية وسياسية. وفيما كانت النخب السياسية تتصارع فيما بينها للاستئثار بنفوذ يؤهلها لترجمته إلى مكاسب سياسية، على الأقل في ما يتعلق بفرض السيطرة على الجهاز التنفيذي، ومن حوله، كانت أجيال الريف تشهد انتفاضة عارمة، غير منفصلة عن تداعيات حروب فصائل جيش التحرير والزعامات السياسية، ومظاهر التذمر الشعبي، مما أدى إلى إفسادها عبر استخدام القوة التي ارتبطت بظهور عسكري متشدد اسمه محمد أوفقير، سيطبع تاريخ المرحلة ببصماته في إقرار سياسة القمع لإخماد الأنفاس. لذلك سيجتمع ما هو سياسي وما هو اقتصادي لإسقاط حكومة عبد الله إبراهيم.