تخلد الحركة الاتحادية الذكرى 53 لتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وهذا الحدث التاريخي يحيلنا مباشرة إلى أن جزءا من تاريخنا السياسي الراهن مازال في حاجة إلى البحث والتنقيب من طرف المؤرخين ، خاصة في الفترة ما بين 1956 و1999 التي شهد خلالها المغرب المعاصر تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية و ثقافية مهمة ، الشيء الذي يؤكد على أهمية دراسة تاريخ حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية (1959- 1972)، باعتباره حزبا سياسيا مغربيا لعب دورا أساسيا و مؤثرا في تاريخ المغرب السياسي الراهن عامة و الحقل الحزبي خاصة منذ تأسيس الحزب سنة 1959 . انطلاقا من هذه الفترة كان حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية فاعلا أساسيا في النقاش السياسي الذي عرفته الحياة السياسية المغربية بعيد الإستقلال, سواء قبل انشقاق مؤسسيه عن حزب الاستقلال أو حتى بعد انفصالهم عنه، وذلك في الجانب المتعلق بكيفية تدبير مرحلة ما بعد الاستقلال سياسيا واقتصاديا واجتماعيا . إضافة الى كل هذا, فإن أهمية الموضوع كذلك تتمظهر في كون الإنشقاق الحزبي الذي عرفه حزب الإستقلال يعتبر محطة أساسية أرخت لبداية ظاهرة بلقنة المشهد الحزبي في مغرب الإستقلال . لذا فإن دراسة مسار حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية ستظهر لنا طبيعة العمل السياسي الحزبي في المغرب و تشعباته السياسية و التنظيمية التي أفرزت لنا في الوقت الراهن مشهدا سياسيا يتسم بالتعددية الحزبية. تكمن أهمية دراسة تاريخ الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، لثلاثة أسباب جوهرية : 1- شكل تاريخ الإتحاد الوطني للقوات الشعبية خاصة و تاريخ الحركة الوطنية بصفة عامة ، موضوع اهتمام وطني خصوصا لإرتباط هذا التاريخ السياسي الحزبي بأحداث و تساؤلات الحاضر، و نظرا لطبيعة المرحلة الإنتقالية التي يعيشها المغرب سياسيا منذ 1990 و التي مازالت مستمرة إلى يومنا هذا ، فقد تبوأت قضية دراسة هذا التاريخ القريب لمغرب الإستقلال حيزا هاما ضمن اهتمام المؤرخين لفهم الواقع السياسي المغربي الراهن و حيثياته . 2- إن مكونات الاتحاد الوطني للقوات الشعبية نابعة من روافد الحركة الوطنية: الأحزاب السياسية الوطنية و المقاومة و جيش التحرير والتنظيم النقابي : الاتحاد المغربي للشغل ، لهذا من الضروري مقاربة هذا الموضوع تاريخيا لأن هذه المكونات تشكل المنطلق التنظيمي لميلاد هذا الحزب الجديد . 3- إن طبيعة مكونات الاتحاد الوطني للقوات الشعبية و مميزات مرحلة الإستقلال تشكل خلفية للأحداث التي ارتبطت بتاريخ هذا التنظيم الحزبي السياسي الذي وسم تاريخ المغرب من 1959 إلى الفترة الراهنة ، بل إن الأحداث التي نعيشها كذلك راهنا مرتبطة بطبيعة و تطور المكونات الحزبية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، و بالتالي نستطيع القول إن هذه الخصوصية خلقت دينامية متفاعلة في تاريخ المغرب الراهن على الساحة السياسية الوطنية لدرجة أن التنظيمات المتفرعة عن كيان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية منذ تأسيسه إلى يومنا هذا (الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية و حزب الطليعة الديموقراطي الإشتراكي ...) تعلن و بدون تردد و مواربة عن انتمائها للجذع الحزبي المشترك. من خلال دراسة تاريخ حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية و تتبع مراحل تأسيسه و مساره السياسي عبر محطاته النضالية المفصلية، يمكننا أن نجمل مجموعة من الخلاصات الأساسية هي : * إن بروز الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كقوة سياسية جديدة في مرحلة هامة و حاسمة من تاريخ المغرب الراهن و بداية تأسيسه كحركة سياسية جديدة في 25 يناير 1959 ، هو نتيجة للمخاض الصعب الذي عرفته الساحة السياسية الوطنية ما بين 1956- 1959 . * كان تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية نتيجة حتمية للنقاش السياسي و الخلاف الذي عرفه حزب الاستقلال على مستوى أجهزته و قواعده الحزبية حول كيفية تقييم مرحلة النضال من أجل الاستقلال ، وتحديد الأولويات ، الأهداف للمجتمع الجديد بعد الإستقلال، وتدبير المرحلة الجديدة سياسيا ، وكانت الفترة الحرجة الممتدة ما بين المؤتمر الإستثنائي لحزب الاستقلال في دجنبر 1955 و إعلان الحركة السياسية الجديدة في 25 يناير 1959 ، زمن تعارض الرؤى و المواقف ما بين أجنحة حزب الاستقلال وتبلور النواة الأولى للحركة الاتحادية . * تمرحل تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية تنظيميا عبر ثلاث مراحل ممتدة ما بين 25 يناير و 6 شتنبر 1959 : 1. مرحلة الجامعات المستقلة لحزب الاستقلال. 2. مرحلة الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال . 3. مرحلة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية . * تشكل حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالأساس من الأجنحة الثلاثة التي انفصلت عن حزب الاستقلال و هي : 1 . الجناح النقابي (الاتحاد المغربي للشغل ) : يمثله المحجوب بن الصديق و عبد الله ابراهيم . 2. جناح المقاومة و جيش التحرير: يمثله الفقيه محمد البصري. 3 . جناح الأطر السياسية لحزب الاستقلال : يمثله عبد الرحيم بوعبيد و المهدي بن بركة . تنضاف إلى هذه الأجنحة عناصر حزبية أخرى وشخصيات من حزب الشورى و الإستقلال و الحركة الشعبية و الأحرار المستقلين انضمت إلى الحزب لحظة التأسيس . * إن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كما تدل على ذلك التسمية التي أطلقت عليه أقرب في تشكيله الى مفهوم التيار الذي جمع بين مكونات مختلفة و متناقضة أحيانا ، إلا أن تأسيسه بهذه الطريقة جاء استجابة لحيثيات مرحلية ملحة ، و لم تساعد هذه المكونات السياسية الحزب على تقويته و تحويله إلى أداة سياسية و تنظيمية حقيقية ، بل إنه في العديد من الفترات السياسية الحرجة فرض على الحزب الإختيار الذي كان يسلكه . * نظرا لطبيعة تشكيلة الحزب و خصوصية المرحلة الممتدة من 1959 الى 1972، نهج هذا الأخير مسارا سياسيا غامضا لم تتضح خلاله هويته الإيديولوجية و السياسية منذ التأسيس وغاب وضوح الرؤية المذهبية و السياسية في العمل السياسي و غير السياسي ، مما دفع الحزب إلى تبني شعارات مرحلية : الإصلاح الزراعي، والتحرر الإقتصادي، و جلاء القوات الأجنبية، وبناء ديمقراطية واقعية ... لكن بدون وجود برنامج سياسي واضح و حقيقي و شامل لكل المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ، و بمقدوره تحقيق المشروع المجتمعي الذي كان يطمح إليه الحزب ، و قد طرح المهدي بن بركة خلال تقريره المعنون بالنقد الذاتي الذي قدمه خلال المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1962 ، و نشر فيما بعد تحت عنوان : "الاختيار الثوري" ، الأخطاء الثلاثة القاتلة و أبرزها هو الخطأ الثالث : "عدم الوضوح في مواقفنا الإيديولوجية وعدم تحديدنا لهوية حركتنا». * مرت علاقة الحزب بالنظام السياسي المغربي عبر ثلاث مراحل: 1- المرحلة الأولى : مشاركة بعض أعضاء الحزب المنتمين للجناح النقابي و السياسي في تدبير الشأن الحكومي في حكومة عبد الله ابراهيم في الفترة مابين 1958 إلى 1960 . 2- المرحلة الثانية : المواجهة الصدامية مع النظام السياسي الممتدة من 1960 إلى 1965 . 3- المرحلة الثالثة : القطيعة النهائية مع النظام السياسي و تهميشه للحزب سياسيا وامتدت من 1965 إلى 1972 . * تواكبت على الحزب خلال هذه الفترة الممتدة من 1959 - 1972 ثلاثة مسارات داخلية: 1- العمل السياسي : الطامح الى التغيير السياسي داخل البلاد من خلال المشاركة في اللعبة الديمقراطية و الإنتخابات و اعتبار البرلمان واجهة أساسية من واجهات النضال السياسي ضد النظام. 2- العمل النقابي المفصول عن العمل السياسي : الذي اتخذ سياسة الخبز ( الدفاع عن حقوق العمال و تحسين أوضاعهم ) ، و المطالبة بحكومة شعبية تتمتع بثقة الطبقة العاملة إسوة بتجربة حكومة عبد الله ابراهيم ، كشعارات مؤطرة لعمله النقابي مما خلق أزمات سياسية و تنظيمية داخل الحزب. 3- العمل المسلح : هو الاتجاه الذي بدأ في الظهور خلال أواسط الستينيات واتخذ الكفاح المسلح أداة للتغيير السياسي داخل البلاد و إسقاط النظام ، وهذا المسار نتجت عنه محاكمة مراكش الكبرى سنة 1971، وأحداث 3 مارس 1973 . لقد أثرت الوضعية الجديدة التي بدأ يعيشها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بداية من أواسط الستينيات على الوضع الداخلي للحزب، حيث أصبح يعرف ازدواجية في التنظيم ما بين جناح سياسي يريد المزاوجة بين العمل النقابي والسياسي، وجناح نقابي يشتغل داخل الحزب ويرفض تسييس الطبقة العاملة، ويريد إخضاع العمل السياسي والتنظيمي للحزب تحت مراقبته مما جعل التعايش بينهما مستحيلا داخل الحزب رغم محاولات الوحدة ، لينتهي الأمر في نهاية المطاف إلى انفصال الجناح السياسي بقيادة عبد الرحيم بوعبيد في 30 يوليوز 1972 و تأسيس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية . إن الهدف الأساسي من دراسة تاريخ الحركة الاتحادية ، هو تتبع و رصد المراحل التاريخية التأسيسية والمسارية لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كأحد الأحزاب الوطنية التي لعبت دورا أساسيا و فعالا في الحياة السياسية المغربية خلال فترة ما بعد الإستقلال، والتي ما زالت بدورها تحتاج الى المزيد من البحث و التمحيص و التنقيب التاريخي لفهم التحولات البنيوية العميقة التي عاشها الحقل السياسي الحزبي في المغرب ، كتجربة حزبية غنية بصمت بشكل جلي التاريخ السياسي المغربي الراهن . * باحث في التاريخ الراهن