تحل اليوم الذكرى الرابعة والخمسون لانتفاضة 25 يناير 1959، لقد مر أكثر من نصف قرن عن بداية تأسيس حزب القوات الشعبية، ففي مثل هذا اليوم شرع في تأسيس الحركة الاتحادية القادمة من عمق الحركة الوطنية وحركة التحرير الشعبية ممثلة في المقاومة وجيش التحرير، ومن رحم حزب الاستقلال، بعد مخاض عسير، ونضال متواصل ... عندما عاد علال الفاسي من القاهرة سنة 1956 وجد حزب الاستقلال في يد تيار المهدي بنبركة, وذلك حسب ما كتبه عبد اللطيف جبرو في كتابه عن المهدي بنبركة، وحسب تصريح علال الفاسي الذي قال فيه: «لما عدت إلى المغرب اكتشفت أن المهدي هو كل الحزب ولا أتخيل حزب الاستقلال بدون المهدي بنبركة «. فحاول علال الفاسي أن يستعيد الحزب ويأخذ الزعامة، كما حاول المهدي أن يعقد مؤتمرا بمقر الغرفة التجارية بالرباط,ثم بدأ النقاش حول الانشقاق, فقال المهدي بنبركة: «أنتم تتحدثون عن الانشقاق في الحزب، وأنا من جهتي لا أرى ثمة انشقاقا إلى حد الآن، ولكن الموقف سيختلف إذا ما اتخذ سي علال موقفا مختلفا معنا، لأن موقف سي علال وحده نضعه في الاعتبار، أما الآخرون فأنا أعتبرهم هامشيين». لكن علال الفاسي التجأ إلى مدينة الرباط وأسس لجنة اليقظة المركزية، وبدأت الحرب الطاحنة بين الجناحين للاستيلاء على الإعلام الحزبي والفروع الحزبية والمفتشين في الأقاليم، ونجحت خطته وأصبح زعيما وقائدا سياسيا بعدما لم تكن له أي سيطرة على الوضع من قبل، لأنه كان يعتبر من قبل زعيما فقط, وأن أحمد بلافريج هو الذي كان يقود سفينة الحزب، كما نشر بلاغا يعلن فيه طرد عبد الله إبراهيم. سيعرف حزب الاستقلال تحولات تاريخية، حيث كانت تنظيمات حزب الاستقلال صيف سنة 1958 تعيش مخاضا سياسيا، في نفس السنة سيكتشف الشهيد المهدي بنبركة النزعة المحافظة لإدارة حزب الاستقلال من أجل السيطرة على جريدتي «العلم» و»الاستقلال»، وسيتم عزل المهدي بنبركة من جريدة «الاستقلال» التي كان يشرف عليها، وسيتم تعويضه بمحمد اليازيدي، وذلك لكون المهدي فتح صفحات جريدة «الاستقلال» للذين كانوا ينتقدون حكومة أحمد بلافريج آنذاك, كما أقدم على نشر نصوص صدرت عن جيش التحرير تقيم الفترة التاريخية للعمل المسلح الذي عرفه المغرب مابين 1952 - 1955، وقبل ذلك في أبريل 1958 كتب مقالا افتتاحيا بعنوان «نهاية إيكس ليبان « وهو لقاء بين الأطراف المغربية والفرنسية بفرنسا أسفر بعد نقاشات يوم 23 غشت 1955، ودامت خمسة أيام عن اتخاذ قرار تنحية ابن عرفة عن العرش وتشكيل حكومة وطنية مغربية تضم مختلف المكونات السياسية في أفق التفاوض مع الحكومة الفرنسية من أجل إدخال إصلاحات على نظام الحماية. كما ألقى محاضرة بقاعة الأفراح بالدارالبيضاء حول الأزمة الوزارية، التي أشار فيها إلى أن «...الأمر ليس تنافسا على المناصب وإنما تحملا للمسؤوليات. إنه سؤال مطروح علينا كمسؤولين في الحزب للبحث عن الرجال الصالحين للمكان الصالح... «. في 23 أكتوبر1958 بدأت فتن مصطنعة في الريف وناحية زمور كرد فعل على محاربة إعادة الوحدة بين جناحي حزب الاستقلال وهما: الجناح المعتدل برئاسة علال الفاسي و الجناح اليساري برئاسة المهدي بنبركة، في 10 يناير 1959 فشلت آخر محاولة للتوفيق داخل حزب الاستقلال، وبعد مؤتمر للتحكيم بين الجناح التقدمي والعناصر المحافظة في القيادة، الذي لم يحصل فيه أي توافق. ظهرت من جديد الحملات الصحفية المتبادلة بين جناحي الحزب، قام المهدي بنبركة بتقديم استقالته من اللجنة التنفيذية لحزب الإستقلال صباح يوم الأحد 25 يناير 1959، في هذا اليوم علق المهدي عن هذه الإنتفاضة قائلا: «...إن الأمر يتعلق بنقطة تحول في حياة الحركة الوطنية المغربية التي انطلقت نحو مرحلة جديدة من العمل المنظم الواعي المثمر الذي يلبي رغبة الجماهير الشعبية التواقة نحو مستقبل أحسن ...» وفي ذلك اليوم أيضا انطلقت انتفاضة على حزب الاستقلال، حيث عمل الشهيد المهدي بنبركة على تشكيل جامعات من طرف القاعدة الشعبية، ثم انعقدت تجمعات موسعة في مختلف المدن المغربية، و كذلك مؤتمرات إقليمية وانتخبت قيادات جديدة، وتحولت إلى تنظيم مؤقت سمي ب «الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال» تحت إشراف المهدي بنبركة. وتقرر إصدار أول جريدة يومية تحت اسم «التحرير» بتاريخ 2 أبريل 1959 بالدارالبيضاء تحت إدارة المرحوم الفقيه محمد البصري ورئاسة التحرير للأستاذ عبد الرحمان اليوسفي. بعد سبعة أشهر عن الانتفاضة، وبعد عقد المؤتمرات الإقليمية وانتخاب قيادات تقدمية، وتأسيس كتابة عامة «للجامعات المتحدة لحزب الاستقلال» حيث أسندت إلى رئيس المجلس الوطني الإستشاري آنذاك المهدي بنبركة مهمة التنظيم، و أسندت مهمة الشؤون السياسية للفقيه محمد البصري، كما أسندت مهمة الشؤون الصحافة والإعلام للأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، ثم بدأ التمهيد لتأسيس حزب القوات الشعبية في أول مؤتمر له يوم 6 شتنبر 1959. أما الفقيد عبد الرحيم بوعبيد و المرحوم عبد الله إبراهيم (كانا يتزعمان في تلك الفترة حكومة الإصلاحات الإقتصادية، التي سميت بحكومة الصراع من أجل الإصلاحات وبناء المؤسسات الإقتصادية والحريات العامة، هذه الحكومة التي جاءت بعد حكومة بلافريج، وهي التي خلقت الرعب في صفوف الطبقات البورجوازية وأصحاب رؤوس الأموال الذين كانوا يحاولون إفشال برنامج الإصلاح.