ولدت الأميرة فوزية في العام 1921 بقصر رأس التين بالإسكندرية.. وصفت بأنها أجمل شقيقات الملك فاروق الأول، ملك مصر الأخير من أسرة محمد علي الذي أطاحت به ثورة يوليوز عام 1952، حتى أن السفير البريطاني في مصر السير مايلز لامبسون قال عنها حين وقعت عيناه عليها: «لقد رأيت بها أجمل نساء الأرض». بالرغم من جمالها كانت طبيعتها تميل إلى الحزن.. كانوا يصفونها بالأميرة العاقلة، قليلة الكلام، كثيرة التفكير.. كانت أكثر شقيقاتها (فايزة وفايقة وفتيحة) رصانة وأقلهن مرحا، حتى إن من يراها كان يعتقد على الرغم من رقتها وجمالها العذب أنها مصابة ببعض الاكتئاب. فقد كان عشقها الأول أن تختار مكانا هادئا نائيا عن الأعين لتجلس فيه مع نفسها أو بصحبة كتاب. وصفها أحدهم قائلا: «كانت رقيقة ناعمة، كطفلة لا تعرف من الدنيا إلا الأحلام، هامسة الصوت، ناعسة الطرف، ابتسامتها شمس إذا أشرقت، وضحكتها أمل لا يتحقق كثيرا». مصاهرة القاهرةوطهران في العام 1938 بدأت القنوات الديبلوماسية بين القاهرةوطهران تشتغل استعدادا للمصاهرة بين أكبر عائلتين في المشرق آنذاك، عائلة محمد علي بمصر وعائلة بهلوي بإيران. بدأ ترتيب زواج الشاب محمد رضا بهلوي بالأميرة فوزية، شقيقة ملك مصر والسودان فاروق الأول ولم يهتم ولي العهد بمشاعره كإنسان، ولم تعر العروس هذا الأمر التفاتا، فقد كانت فتاة «خام» بكل معاني الكلمة على الرغم من الأبهة الملكية التي كانت تحيط بها أينما ذهبت، كانت لا تعرف من الحب إلا اسمه، وبالتالي لم تكن تحلم بالزواج من رجل بعينه. يروي الملك فاروق في مذكراته بأنه هو أول من فاتحها برغبة شاه إيران رضا في مصاهرته، وأنه اختارها زوجة لولي عهده محمد رضا إذا وافقت. فكان ردها لشقيقها الملك: إن كنت تريد زواجي منه فليكن ما تريد، فلما أراد الملك أن يقنعها أكثر بفكرة الزواج قدم لها صورته لترى كم هو وسيم وجميل، فما كان منها إلا أن نظرت إلى الصورة نظرة قصيرة ثم قالت: أنا لا أعرفه ولا أعرف غيره، ولكنني أعتمد على رأيك وأعمل به. فقبلها وهنأها، وتم إبلاغ الشاه الكبير بالموافقة على الزواج. وكان ذلك بالتحديد في العام 1938 وتمت إجراءات الخطبة وأقيمت عدة ولائم، شدا في إحداها الموسيقار محمد عبد الوهاب بقصيدة مهيار الديلمي: أبي كسرى في إيوانه ليس في الناس أب مثل أبي قد ضممت المجد من أطرافه سؤدد الفرس ودين العرب امتلأت قلوب الأسرة الملكية الإيرانية بالغبطة والسرور بزواج ولي العهد محمد رضا بهلوي من الأميرة المصرية فوزية، وأقيم حفل زفاف مصر في 16 مارس 1939 حضره كبار القوم وعظماؤهم وتلاه حفل أقامته والدتها الملكة نازلي في قصر القبة يوم 29 مارس 1939 وكانت الدعوة مقصورة على السيدات أعضاء العائلات المالكة وقرينات الوزراء وبنات العائلات الكريمة وحضرته حوالي الألف منهن. تبارت المجلات والصحف الصادرة في ذلك الوقت في وصف مظاهر الحفل وتفاصيله الدقيقة، فمجلة الصباح الصادرة بتاريخ السابع من أبريل 1939، ذكرت: «ما كاد صاحب السمو الإمبراطوري محمد رضا يصل إلى القصر حتى صدحت الموسيقى بالسلام الإمبراطوري الإيراني، ووصل بعد لحظات صاحبا الجلالة الملك المفدى والملكة المفداة ، فحيتهما الموسيقى بالسلام الملكي المصري ونزلت الأسرة المالكة : جلالة الملك المفدى وجلالة الملكة فريدة وجلالة الملكة نازلي والعروسان الكريمان من القصر إلى السرادق وسارت إلى «الكوشة « بين تحيات المدعوات وبسماتهن وتهانيهن. وكان موكب العروسين يتألف من عشرين فتاة متوجات الرؤوس بالملابس البيضاء يحملن أبدع الورود،وأخذت الآنسة أم كلثوم تزف العروسين بنشيد «الزفة» المصري الذي أعده بديع خيري خصيصاً لهذه المناسبة، فكان في قوله ولحنه وحنانه مليئا بالروح القومية فياضاً باللون الشرقي الجميل، ثم قامت السيدة بديعة مصابني برقصة ريفية بارعة مع ست راقصات، مصحوبة بالغناء الريفي الجميل. ثم عادت أم كلثوم فغنت أغنية ساحرة من صوتها الأخاذ، وعادت بديعة فرقصت بصحبة فرقتها رقصة شرقية جميلة مصحوبة بالغناء، وقامت عقب ذلك الآنسة أم كلثوم بغناء قطعة كان لها أجمل وقعٍ في النفوس لمناسبتها الجميلة، وهي قطعة «على بلد المحبوب وديني» وما كادت تنتهي حتى تعالى صوت المطرب اللبناني محمد البكار بلحنٍ تقليدي وشاركه أعضاء النادي اللبناني في عدة رقصاتٍ وأغانٍ لبنانية بارعة فيها سحر الشرق والتغني بعظمته، صاحبها الأستاذ فاضل شوا بقيثارته الرائعة. وانتهت الحفلة والقلوب يفيض منها البشر والولاء والدعاء، واختلف الجميع إلى المقصف الفاخر الذي تفضل جلالة الملك بافتتاحه، بينما كانت الموسيقى تعزف والألعاب النارية تنطلق. وبعد سفر الأميرة فوزية إلى إيران تم الاحتفال بالزفاف مرة أخرى في طهران». يقول كريم ثابت، الذي كان مقربا من الأسرة المالكة في مصر عموما ومن الملك فاروق بوجه خاص،: الشاه - الوالد - رضا بهلوي أحبها حبا جما وأحاطها بعنايته وحنانه، وأنه بلغ من شدة تعلقه بها وخوفه عليها أن أضحى يتفاءل بوجودها بالقرب منه، ويحرص على أن تكون في مقدم الجالسين حوله إلى المائدة ساعة غدائه. حتى إنه لما دخل حجرة الأكل يوما وسأل عنها، وقيل له إنها متخلفة لوعكة طارئة قطّب حاجبيه واستغنى عن غدائه وعاد إلى مكتبه، ولم يهدأ له بال حتى أبلغوه أنها استردت عافيتها. وكأنما أراد أن يساعدها على التأهب لليوم الذي يخلفه فيه زوجها على العرش، فكان يقابل الوزراء أحيانا بحضورها، ويناقشهم في شؤون الدولة على مسمع منها. أما ولي العهد فقد كانت الدلائل تؤكد أنه في الفترة الأولى من الزواج كان يحب عروسه ويقدرها ويحترمها وأنه يبذل جهده لينسيها غربتها ويعودها على الحياة الجديدة في وطنها الجديد. حظيت الأميرة فوزية بحب الشعب الإيراني وزاد حبها حين أصبحت إمبراطورة وكانوا يلقبونها ب«قمر المشرق». الطلاق وأزمة ديبلوماسية بعد عامين من زواجها تقلد محمد رضا مقاليد الحكم في إيران بعد تنحي أبيه عن العرش مجبرا بعد أن أجبره غزو بريطاني سوفياتي مزدوج على ذلك بعد أن تبين ميوله نحو أدولف هتلر وأنجبت الأميرة الأميرة شاهيناز، وبهذا لم تحقق الأميرة فوزية ما كان متوقعا وتنجب وليا للعهد يتربع على عرش إيران، وظلت حقيقة السنوات التي تلت هذه الفترة يلفها الغموض... بين قائل إن الامبراطور وأسرته استاءوا من عدم إنجاب ولي للعهد. وبين قائل: إن تقارير سرية كانت تصل إلى الملك فاروق تخبره أن الأميرة المصرية الجميلة ليست سعيدة في إيران بسبب أخت الشاه التوأم الأميرة أشرف وحماتها تاج الملوك..وتوالت التقارير السرية على الملك فاروق مرة تقول: الإمبراطورة وقعت في غرام معلم الفروسية، وأنها تفكر في الهروب معه إلى مكان بعيد عن طهران، ومرة أخرى تقول: إنها مصابة بمتاعب نفسية وعصبية، ولم يكن أمام فاروق في ذلك الوقت إلا أن يفعل أي شيء ليطمئن على شقيقته، فكان أن فكر في أن يطلب من الشاه أن يسمح لها بزيارة مصر، لقضاء بعض الأيام، ولتهنئة شقيقتها الأميرة «فائزة» على زواجها من محمد علي رؤوف وكانت المفاجأة. أن الشاه وافق على الفور على الزيارة، بل وأرسل معها حاشية كبيرة إلى مصر ليحيطها بأكبر قدر من الإجلال والاحترام كإمبراطورة على عرش الطاووس. وجاءت فوزية إلى مصر، ونزلت ضيفة مع حاشيتها في قصر «أنطونيادس» بالإسكندرية. وعلى الرغم من أن كل الشواهد في ما بعد قد أكدت عدم صحة ما جاء في تلك التقارير السرية، وأن كل ما كانت تعانيه فوزية هو بعض الهزال نتيجة لإصابتها بالملاريا، فإن هذه الزيارة كانت بداية النهاية في علاقة الشاه بزوجته الأولى. الطلاق وأزمة ديبلوماسية تردد أن الملك فاروق نسج خيوط مؤامرة لطلاق شقيقته من شاه إيران لرغبته في طلاق الملكة فريدة وحتى لا يكون الملك المسلم الوحيد الذي يطلق قرر جر شاه إيران إلى نفس المصير. وتردد أن بداية السيناريو دعوة على العشاء في قصر رأس التين، وجهها الملك فاروق لشقيقته الإمبراطورة، ولا أحد يعلم بطبيعة الحال ما دار من حوار على مائدة العشاء، ولكن الرواية التي يرجحها «كريم ثابت» أن الملك فاروق ربما يكون قد نسج لها في حديثه علمه بأنباء مؤامرات تدبر لها في القصر الإمبراطوري في طهران، لأن هناك من يسوؤهم أن تكون امبراطورة إيران مصرية. ولما كانت فوزية تذعن لفاروق في كل آرائه فيبدو أنها صدقت ما قاله، وما أكده بأن هذه المؤامرات قد تقضي عليها في النهاية، وبالتالي فإن انفصالها عن الشاه أمر لا يجب التردد فيه، ويبدو أنه أيضا - بعدما خطط ودبر - قرر أن يبدأ التنفيذ على الفور. بالفعل وافقت فوزية على أن تبقى اعتبارا من هذه الليلة في قصر رأس التين، وأن تقطع أي اتصال لها بالحاشية الإيرانية التي جاءت معها. عزلة اختيارية انتهت قصة الزواج الأول للشاه بطلاق بمصر عام 1945 وبطلاق بإيران عام 1949 واستعادت الأميرة لقبها السابق وهو «الأميرة فوزية»، ولم يعد هناك ما يسبق اسمها بلقب امبراطورة.. بدأ في البحث عن عريس جديد للأميرة فوزية، فكان أن وقع الاختيار على إسماعيل شيرين ابن عمهم من العائلة، وبالفعل تم الزواج الثاني في حياة فوزية ونصب إسماعيل وزيرا للحربية في عهد فاروق وأنجبت الأميرة طفلين هما نادية عام 1950 وحسين عام 1955 ودخلت سريعا إلى دائرة النسيان في قلب شاه إيران الذي تزوج من ثريا اصفنديار، التي أحبها بجنون، واضطر لطلاقها بعد أن تبين عجزها عن منحه وليا للعهد ليتزوج للمرة الثالثة من فرح ديبا. بعد أن قامت الثورة ظلت الأميرة فوزية في مصر وبالضبط في الإسكندرية وبدأت تتوارى عن الأنظار شيئا فشيئا حتى انقطعت أخبارها، ولم يعدها إلى دائرة الضوء سوى زواج ابنتها نادية شيرين من الفنان يوسف شعبان، وهو الزواج الذي حظي بمعارضة شديدة وانتهى بالطلاق بعد أن أثمر فتاة. ظلت الأميرة مختفية ولم تظهر في جنائز باقي أميرات أسرة محمد علي ليسلط عليها الضوء مرة أخرى بعد أن أعلن عن نعيها ودفنها بناء على وصيتها في مقابر زوجها شيرين وليس في مقابر عائلة محمد علي وأن لا يقام لها عزاء لما تمر به مصر من أيام عصيبة ليسدل الستار على آخر أميرات مصر وأجملهن على الإطلاق.