في هذا الحوار يتحدث الكاتب العام لجمعية خريجي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث عبد اللطيف البودجاي، عن المطالب الآنية لهذه الجمعية التي تضم خيرة خريجي المعهد الوطني للآثار، في الوقت الذي ما يزال فيه البحث الآثاري في البلاد في بدايته، ويحتاج إلى استراتيجية وطنية حقيقية، لن تكون ذات جدوى إلا بإحداث الوكالة الوطنية لتدبير وتسيير التراث المادي وغير المادي، من أجل حماية القيم الثقافية الرمزية للمغاربة، وأيضا للوقوف في وجه مهربي التراث المغربي إلى الخارج والمتاجرين فيه، كما حدث في الكثير من المواقع الأثرية المغربية التي تعرضت للنهب الممنهج. - هل يحظى البحث الأثري في المغرب بما يكفي من العناية اللازمة، من قبل الجهات الحكومية والوزارة الوصية؟ < في نظرنا، إن البحث الأثري، الذي يظل من العلوم الفتية في المغرب، لا يحظى بالاهتمام إلا من طرف الوزارة الوصية ألا وهي وزارة الثقافة ولكن في حدود المجهودات التي تبذلها وفي حدود الإمكانيات المادية والموارد البشرية التي تتوفر عليها التي تظل في نظرنا جد محدودة ولا تستجيب للتطلعات والتي تخصصها للبحث الأثري من خلال المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث التابع لها ونسجل بعض الاهتمام مؤخرا من طرف بعض الجامعات المغربية التي بدأت تبلور برامج البحث الأثري بتعاون مع المعهد. - ضمن أي سياق جاء تأسيس جمعية خريجي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، وهل مطالبها تتوقف فقط عند الشق الاجتماعي؟ < لقد أسست جمعية خريجي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث مباشرة بعد تخرج الفوج الأول سنة 1990 بمبادرة من أفراده وشرعت في ممارسة عملها المدني سنة 1991، ومنذئذ وهي تشتغل مع مختلف شركائها في المحافظة على التراث الثقافي الوطني والدفاع عنه في أفق تنميته ليلعب دوره الطلائعي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية كما أن الجمعية تظل ذلك الإطار الذي من خلاله يتم الدفاع عن بعض القضايا الاجتماعية لأعضائها الذين تتنوع إطاراتهم من محافظي مباني تاريخية ومواقع ومتاحف وأطر تشتغل في القطاع الخاص وأطر تعمل لدى بعض المؤسسات العمومية وأساتذة باحثين، أما عن سياق إنشائها، فقد كان استراتيجا أكثر منه آنيا. لقد كان يهدف إلى خلق قوة اقتراحية للمساهمة في الحقل المعرفي المرتبط بعلوم الآثار بالمغرب واالتحسيس بضرورة المحافظة على التراث الثقافي والدفاع عنه وعلى العاملين به. ونقول استراتيجيا لأن هدف الجمعية هو النهوض بقطاع التراث الثقافي بشقيه المادي واللامادي باعتبار ما يمكن أن يحدق به من ترام. - ما الهدف من التشبث بمطلب إحداث وكالة وطنية تعنى بشؤون التراث الثقافي المغربي في شقه المادي وغير المادي؟ < إن التشبث بإحداث وكالة وطنية لتدبير وتسيير التراث الثقافي المغربي بشقيه المادي واللامادي هو من بين الأهداف الاستراتيجية لجمعيتنا. وقد عبرت عنه في الملتمس الذي رفعته الجمعية خلال شهر فبراير 2009 إلى الملك محمد السادس. إن إحداث هذه الوكالة، في رأي جمعيتنا، على غرار باقي الوكالات التابعة لوصاية الدولة والتي تتمتع بالاستقلال المالي والإداري وأجهزة الحكامة الفعالة والتي أحدثت لتسيير وتدبير قطاعات مجتمعية مهمة كقطاع التعمير وقطاع التحفيظ العقاري وقطاع التنمية الفلاحية، مؤخرا، يظل هو الإطار الأنجع لإنقاذ التراث الثقافي الوطني المادي واللامادي، أولا نظرا لضخامته وتنوعه وحساسيته وثانيا نظرا لعدد المتدخلين فيه وثالثا لهزالة ميزانية الدولة المخصصة له ورابعا لتحقيق مقاربة مندمجة وعصرية لتسيير تراثنا الثقافي الوطني. - هل بالفعل يمكن تحقيق تنمية ثقافية عبر بوابة الحضور الرمزي للمكون الأثري، وهل تجدون الجهات المتعاونة من مجالس بلدية وجماعات وجمعيات ومجتمع مدني؟ < إن تحقيق تنمية ثقافية واقتصادية عبر استثمار التراث الثقافي وبالأخص المكون الأركيولوجي تظل من بين القناعات التي نؤمن بها في جمعيتنا والتي نعمل من أجلها منذ إحداث الجمعية من خلال تبليغ خطابنا عبر أنشطتنا المختلفة. ونسجل هنا بداية الوعي بمسألة الارتباط بين التراث الثقافي وباقي الأنشطة السياحية والاقتصادية لدى العديد من المتدخلين (جمعيات، جماعات محلية، قطاعات عمومية...) إلا أن آليات أجرأة هذا الوعي لا تزال غير فعالة عكس ما تشهده بعض الدول الجارة في البحر الأبيض المتوسط. - كيف يمكن للوكالة الوطنية أن تقوم بإحداث فارق ما، في وضع قانوني ومؤسساتي صعب ولا يستجيب للتطلعات؟ < في نظر جمعيتنا، إن إحداث الوكالة الوطنية للتراث الثقافي يستدعي بالضرورة استحضار التجارب الوطنية. فإذا سبق وأن أحدثت وكالات وطنية للعديد من القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية من منظور شمولي، وتم اعتبارها مؤسسات عمومية تحت وصاية الدولة ومتمتعة بأجهزة ديموقراطية تضمن الحكامة الجيدة للمال والمورد العمومي، فلماذا نأتي عند قطاع التراث الثقافي ونجزئه ونكتفي فقط بإحداث «مؤسسة وطنية للمتاحف» ونترك جانبا باقي أصناف التراث الثقافي من مواقع أثرية ومباني تاريخية وتراث لا مادي بكل تجلياته؟ و لماذا لم تتم الإشارة إلى المرجعيات القانونية لإحداث هذه «المؤسسة» حسب مشروع القانون الذي اطلعنا عليه؟ و لماذا لم تتم الإشارة بصريح العبارة إلى الجهة الحكومية الوصية عليها ولم يتم إشراك الهيئات التمثيلية لمحافظي المباني التاريخية والمتاحف؟. إننا في جمعية خريجي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث مع مبدأ عصرنة تسيير قطاع التراث الثقافي، الذي نعتبره سياديا، لأنه ملك لجميع المغاربة، لكن شرط أن نضع كل الشروط الضامنة حتى نكسب إطارا مؤسساتيا ناجحا وشاملا. - هل توجد لوبيات ما تتهدد الآثار في المغرب، عبر تهريبها إلى الخارج، وكيف يمكن لكم كجمعية أن تجعلوا من المواقع الأثرية مواقع محصنة، وبعيدة عن أيدي اللصوص؟ < نظن في جمعية خريجي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، أن ما يهدد أكثر التراث الأركيولوجي والتراث الثقافي الوطني في المغرب هو الإهمال الذي يطاله. وفي هذا فتح المجال لكل الاحتمالات. لذا، إذا كان صعب على الحكومة حاليا ومن خلال وزارة الثقافة أن تضمن الحماية بشكل دائم وفعال لكل التراث الثقافي المغربي الذي يتميز بغناه وثراه وتحصنه من التلف والتهريب، فإن خيار إحداث وكالة وطنية للتراث الثقافي المادي واللامادي تتوفر على إمكانيات مادية وبشرية كافية ولا تفصل بين التراث المتحفي وباقي المكونات يظل في نظرنا الخيار الاستراتيجي الذي عبرنا عنه في الرسالة المرفوعة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس خلال شهر فبراير 2008. - هل يتلقى الخريجون دورات تكوينية مستمرة في الخارج، وهل تربطون شراكات مع مؤسسات البحث الأثري الدولية الرائدة في مجال البحث والتسويق الثقافي للمنتوج الأثري؟ < تجدر الإشارة إلى أن أغلب أعضاء الجمعية هم من أطر وزارة الثقافة، وبالتالي فهم يستفيدون من دورات تكوينية أو تداريب بالخارج في إطار عملهم من خلال اتفاقيات الشراكة والتعاون التي تربط وزارة الثقافة مع باقي الدول. أما بالنسبة للجمعية فقد قامت بتنظيم دورات تكوينية وأوراش ميدانية لفائدة أعضائها داخل المغرب حول مواضيع ذات الصلة بالتراث الأثري والمعماري. - لو طلبت منك أن تلخص مطالب الجمعية، ضمن أي زوايا تحددها؟ < إن جمعية خريجي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث التي يتكون أعضاؤها من مجموع خريجي المعهد المذكور والتي يغطي مجال اهتماماتها كل مجالات التراث الثقافي بحكم تعدد اختصاصات أعضائها أركويولجيا، انتروبولوجيا، تحافة، محافظة وترميم، تدبير التراث، وكما قلت لكم هم في غالبيتهم إما محافظي المباني التاريخية والمواقع الأثرية أو محافظي متاحف، لن تطلب غير النهوض بالتراث الثقافي وبالعاملين فيه وأن يبادلها أصحاب القرار رغبتها وهدفها في تحصين الهوية الحضارية المغربية من خلال الشروع في وضع لبنة مؤسساتية متفق عليها منذ البداية وإشراكها في كل مراحل إعداد مشاريع القوانين التي تهم التراث الثقافي حتى لا تتكرر حادثة الهيكلة الإدارية والتنظيمية الجديدة للوزارة سنة 2006 التي همشت قطاع التراث الثقافي في تمثيلياتها الجهوية وصعبت من دور تلك التي كانت قائمة.