شنت الكاتبة الفلسطينية سحر خليفة التي تسلمت، أول أمس، جائزة محمد زفزاف للرواية العربية، في دورتها الرابعة في منتدى أصيلة الثقافي، هجوما كاسحا على عقلية التحكم الذكوري في المجتمعات العربية. واعتبرت تنامي هذه الظاهرة، في ظل الربيع العربي اليوم، علامة على أزمة اجتماعية تعيها هذه المجتمعات. وأكدت سحر خليفة أن النساء في العالم العربي يواجهن ربيعا عربيا متصحرا، وعقليات مهووسة بنموذج هارون الرشيد، التي تريد أن تعيد المرأة العربية إلى البيت، وتكرس منطق الحريم. وذهبت إلى أن قضيتها الأساسية تكمن هنا، أي في الدفاع عن حقوق المرأة العربية ودورها في البناء الاجتماعي، جنبا إلى جنب مع الرجل العربي، وأن حكاية «عودوا إلى البيت»، التي ترددت طويلا في المجتمعات العربية، لم يعد لها مكان اليوم، رغم صعود الكثير من التيارات التي تريد أن تعيد المرأة العربية إلى عصر الحريم. وقالت سحر خليفة إن تجاربها المرة مع عقلية التحكم الذكوري بدأت منذ مدة طويلة، ففي سنة 1967، سنة النكسة، قامت رفقة فتاة من بنات جنسها في نابلس، الواقعة تحت الاحتلال، بالتسلل، رغم الظروف الأمنية الصعبة، إلى مقر رئيس البلدية ومطالبته بتوفير الأكل والمأوى والأغطية لآلاف اللاجئين الفلسطينيين، إلا أن محاولتها ووجهت بالمنطق الخائف الوجل الذي يطالبها بالعودة إلى البيت رفقة رفيقتها، خوفا عليهما. وأكدت سحر خليفة أن هذه الواقعة علمتها أن لا تنصاع أبدا للأوامر التي تدعوها إلى العودة إلى البيت. كما ساقت واقعة ثانية حدثت معها، لما ذهبت بروايتها «الصبار» إلى ناشرها المصري، لكنه رفض نشر الرواية لأنها لا تحتوي على أي ملمس وأي ملمح من ملامح الأنوثة. وقال لها، وهو يضع أصبعه على اسمها في الغلاف: لو غطينا الاسم ما استطعنا معرفة أن الكاتب رجلا أم امرأة. وانتهت سحر خليفة إلى القول بأنها عاشت دائما وهي ترد على هذه الاتهامات وتحاول أن تثبت أنها كاتبة عن جدارة واستحقاق، وقالت: «عشت دائما متهمة في أنوثتي وأحلامي ومشاعري وهويتي»، مضيفة بسخرية «رغم أني لطيفة، وجميع من يعرفني يقول عني إني لطيفة». وخلصت الروائية الفلسطينية إلى أنها في مسيرتها الثقافية والأدبية هوجمت كثيرا، ثم كرمت، وهوجمت بعد ذلك، ثم كرمت، مؤكدة أن القضية الفلسطينية والنضال من أجلها ليس موروثا شرعيا حكرا على الرجل، فمنذ نكبة 1967 انهارت مثل هذه التمثلات، وأصبح الرجال والنساء في خندق واحد على حد سواء. على مستوى آخر، أكد رئيس لجنة التحكيم، الروائي الجزائري واسيني الأعرج، في تقديمه لتقرير لجنة التحكيم، أن اللجنة قررت منح الجائزة لسحر خليفة لاعتبارات، من بينها أن أعمالها الروائية تعبر عن معضلات العصر من حروب وهزات عنيفة، وقد مثلت القضية الفلسطينية كل هذا. وأضاف أن أدب سحر خليفة يعكس إحساسا بالحرية الإبداعية ودفاعا عن قضية المرأة العربية وعن القيم النبيلة كونيا. بالإضافة إلى ذلك، يحفل أدب سحر خليفة، حسب تقرير لجنة التحكيم، بالانتصار لقيم الحداثة والدفاع عن حرية المرأة ودورها التنويري، وحفاظها على استمرارية وحيوية منتجة، منذ أن أصدرت روايتها الأولى «لم نعد جواري لكم» إلى روايتها الأخيرة «حبي الأول»، وهي في كل ذلك لم تتوقف عن الإنتاج والعطاء. وحسب التقرير، فسحر خليفة تشارك الروائي محمد زفزاف، الذي تحمل الجائزة اسمه، خصائص الدفاع عن الحرية والكتابة والحياة. وفي الندوة التي أقيمت خصيصا لها، أكد السياسي الفلسطيني نبيل عمرو أن أدب سحر خليفة شكل دائما احتفاء بالظاهرة الفلسطينية المعطاء، وأنها عكست كل ذلك في أدبها وأرخت له، جاعلة منه نصا مليئا بالحياة والشهادة عن مسارات القضية الفلسطينية في إطار صراعها مع إسرائيل. وقال أحمد المديني، عضو لجنة التحكيم، إن منح الكاتبة سحر خليفة جائزة الرواية لم يكن لاعتبارات سياسية، بل لأسباب أدبية، وطرح في مداخلته عدة إشكاليات تتعلق بعلاقة الرواية بالحداثة والتجديد، منتهيا إلى أن الرواية الفلسطينية، المشغولة بالحفاظ على الوطن في الأدب وإدامته، لا يمكن إلا أن تكون رواية تقليدية، على النمط البالزاكي، لأنها تريد أن تتحول إلى وثيقة تاريخية أكثر من كونها نصا أدبيا. وهذا شأن أدب سحر خليفة في نظره. وأكدت الناقدة رزان محمد إبراهيم أن سحر خليفة كانت الشهيد الحقيقي عن فلسطين، كما أنها لم تقترب من خيوط الكتابة عن الجسد كما هو شأن الأدب النسوي، لأن مجال أدبها لم يكن ينصب على هذا الجانب، الذي يرتبط بظروف أخرى، تعتبر ترفا بالنسبة للكاتبة الفلسطينية. أما الكاتبة والقاصة المغربية لطيفة لبصير فأشارت إلى ما قاله نيتشه: «لولا الخيال لمتنا من الواقع». وتوقفت في سياق تحليلها عند القضايا الحلمية التي تحبل بها روايات سحر خليفة، مشيرة إلى أن هذه الروائية علامة فارقة في مسار الرواية الفلسطينية والعربية بشكل عام، وأنها عن حق ابنة القضية الفلسطينية والمعبر عنها.