تحوَّلَ تدريس أبناء المغاربة في المؤسسات التعليمية الخاصة لدى الآلاف من الأسَر المغربية، مؤخرا، إلى هاجس كبير بات يكبر يوما بعد يوم ككرة ثلج، لاسيما مع استمرار العديد من المؤسسات التعليمية في فرض زيادات سنوية تقريبا في واجبات الدراسة ورسوم التسجيل.. ويستغلّ المستثمرون في مجال التعليم الخصوصي فراغات قانونية تجعل الدولة ووزارة التربية الوطنية خارج مراقبة تلك الواجبات والرسوم، الأمر الذي يضع المواطنين المغاربة وجها لوجه مع نيران مصاريف التعليم الخصوصي، وتزداد حدة المعاناة لدى تلك الأسَر عندما تغيب المؤسسات العمومية عن محيط التجمعات السكنية أو تنعدم لأسباب أو لأخرى.. فوجئت آلاف الأسَر المغربية التي تدرس أبناءَها في المؤسسات الخصوصية، مع نهاية الموسم الدراسي الحالي، بإشعارها بزيادات مفاجئة جديدة في مصاريف تسجيل أبنائهم في تلك المؤسسات وكذا زيادات في الرسوم الشهرية لمتابعة الدراسة فيها خلال الموسم المقبل. والغريب في الأمر -كما أكد ذلك عدد من أولياء أمور التلاميذ- هو أنّ أغلب المؤسسات التعليمية الخصوصية التي زادت في السومة الشهرية وواجبات التسجيل لم تضف أيَّ جديد على مستوى البنيات التحتية لتلك المؤسسات ولم تأتِ بأي جديد في المجال البيداغوجي أو في طرق التدريس أو الأطر العاملة فيها، بل بلغ الأمر في عدد من المؤسسات إلى حدّ إلزام الأسر على أداء رسوم التسجيل الخاصة بالموسم الدراسي المقبل 2013 - 2014 مع نهاية الموسوم الدراسي الحالي «لضمان» مَقاعد أبنائهم في تلك حجرات المؤسسات الخصوصية. واعتبر عدد من آباء و أولياء الأمور الذين التقتهم «المساء» أن مؤسسات التعليم الخصوصي أصبحت «تصول و تجول» في جيوب أبناء الشّعْب دون حسيب ولا رقيب.. مستغلين خضوع القطاع لقانون العرض والطلب ونوعية الخدمات المقدَّمة من طرف تلك المؤسسات الخاصة، وعدم سماح القانون رقم 06 - 00، الذي ينظم قطاع التعليم الخصوصي، لوزارة التربية الوطنية بفرض رقابتها على الجانب المالي وتحديد أسعار التمدرس ورسوم التسجيل، إذ يقتصر دور وزارة التربية الوطنية في هذا المجال على التأطير والمراقبة التربوية ومراقبة جودة الخدمات، ومدى تقيد تلك المؤسسات بالمناهج والبرامج التربوية والكتب والمُعدّات التعليمية المُعتمَدة من طرف وزارة التربية الوطنية، دون أن تطال رقابتها الأثمنة التي تحدّدها المؤسسات الخاصة، سواء بخصوص رسوم وواجبات التسجيل، التي لا يعرف تفاصيلها سوى أرباب تلك المدارس، أو تعلق الأمر بالواجب أداؤه شهريا مقابل تدريس الأبناء. ويمكن المتتبع للشأن التعليمي أن يسجل مجموعة من المبادرات التي أقدمت عليها وزارة التربية الوطنية في عهد الوزير الاستقلالي محمد الوفا، عبر الإجراءات التي اتخذها لضبط عملية اشتغال نساء ورجال التعليم التابعين لوزارته في مؤسسات التعليم الخصوصي، واشتراط المذكرة 109 الصادرة في هذا الشأن مجموعة من الضوابط والإجراءات المحدَّدة التي تسمح بموجبها الوزارة لأطرها بالعمل في تلك المؤسسات لساعات محدودة خاضعة لاحترام مقتضيات تلك المذكرة، في أفق المنع النهائي لهذا الأمر مستقبلا.. وهي الإجراءات والتدابير التي خاض من أجلها الوفا «حربا» حامية الوطيس مع أرباب تلك المؤسسات والجمعيات الممثلة لقطاع التعليم الخصوصي، لكنه لم يتراجع عن قراراته، التي وُصِفت بالجريئة في هذا المجال.. كما يسجل المتتبعون للشأن التعليمي توجيه وزارة التربية الوطنية مراسلات إلى مدراء تلك المؤسسات تحذرهم فيها من استمرار بعض المؤسسات في «النفخ» في معدلات التلاميذ في المراقبة المُستمرّة، مُهدّدا إياهم بالتوقيف لمدة أربع سنوات في حال ثبوت جرائم «النفخ» المقصود في نقاط المراقبة المستمرة، التي تضرّ بمبدأ تكافؤ الفرص بين أبناء المغاربة الذين يتابعون تعليمهم في المدارس العمومية وإخوتهم في المدارس الخاصة. اليوم، وبعد الإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية الوطنية في القطاع الخاص بات من الضروريّ أن تدخل الحكومة على خط تنظيم القطاع وضبط موارده المالية وحماية المواطنين المغاربة من بعض أرباب المؤسسات التعليمية الذين يغلب هاجس الرّبح على مخيلتهم على حساب جودة الخدمات التربوية والتعليمية المقدَّمة لأبناء المغاربة. وبات من الضروريّ فتحُ هذا الملف وتقنينه وكبح جماح أصحاب التعليم الخصوصي، الذين وجدوا في القطاع مجالا خصبا للاستثمار غير المقنن، بدل ترك المجال حرا طليقا يفعل في جيوب ورواتب بسطاء الموظفين والمستخدمين ما يشاء.. لقد آنَ الأوان لأن تفكر الحكومة -ومعها وزارة التربية الوطنية- في وضع دفاتر تحمّلات صارمة لكل من يريد الاستثمار في قطاع التعليم والتربية، وسن ضوابط موحَّدة تجعل القطاع تحت سيطرة الدولة ورقابتها. كما يتعين على الوزارة إعادة النظر في القانون 06 - 00 الذي يعَدّ الوثيقة الوحيدة المنظمة للقطاع. وقد ذهب البعض إلى حدّ القول بضرورة وضع معايير صارمة من طرف الوزارة والحكومة بإمكانها تصنيف هذه المؤسسات الخصوصية ومنحها درجات و«نجوم» وفق جودة بنياتها التحتية وجودة خدماتها التربوية والبيداغوجية ومدى احترامها الضوابط ودفاتر التحمّلات، مع تشديد الرقابة من طرف الجهات المختصّة على أسعار التمدرس وكذا على رسومات التسجيل، مع سنّ قوانين زجرية في حق المخالفين لتلك الضوابط أو لدفاتر التحمّلات. ومن جانب آخر، اقترح عدد من الآباء والأمهات الضرب بقوة على أيدي بعض المسؤولين الذين باتوا «متخصّصين» في تفويت الأراضي التي تكون مخصصة لإقامة مؤسسات تعليمية عمومية نزولا عن رغبة ونزات أصحاب العقار، الذين أتوا على الأخضر واليابس في مجال العقار.. إذ أكد المتحدثون إلى الجريدة أنّ مجموعة من التجمعات السكنية في مختلف المدن المغربية لم تعد تتوفر على مدارس عمومية، مقابل منح تراخيص بالعشرات لتشييد مؤسسات تعليمية خصوصية في ها، الأمر الذي يضطر أغلبَهم إلى التسليم بالأمر الواقع وتسجيل أبنائهم في مؤسسات خصوصية، ضدّا عن رغبتهم، ليس حبّاً في التعليم الخصوصي، وإنما لعدم تواجد مؤسسات عمومية بالقرب من تجمعاتهم السكنية. ويأمل من تحدّثوا إلى الجريدة حول هذا الموضوع أن يفتح وزير التربية الوطنية محمد الوفا هذا الملف ويسعى إلى الدفاع عن أبناء المغاربة وحمايتهم من «نيران» واجبات التسجيل ورسوم متابعة الدراسة في المؤسسات الخاصة.