بشكل شبه سري وعلى نحو غامض وملتبس، انضمت إلى أعاجيب العالم السبع أعجوبة ثامنة هي قنطرة حي النسيم. وقد كان ممكنا أن يظل الأمر وما فيه مستورا لا يعلم به أحد لولا أن بعض جرائدنا المحلية تحدثت قبل أيام عن اصطدامات حصلت بين سكان الحي ورجال الأمن بسبب هذه القنطرة، ونجمت عنها اعتقالات، فخرج المستور إلى العلن. حي النسيم، لمن لا يعرفه، هو حي جديد يقع في الجنوب الغربي للدار البيضاء، وأنشئ نهاية القرن الماضي قصد إيواء سكان المدينة القديمة الذين «خرج فيهم بلان» التهيئة الحضرية لمحيط مسجد الحسن الثاني؛ وليست القنطرة التي يجري الحديث بشأنها سوى تلك التي انتهي من بنائها مؤخرا فوق خط السكة الحديدية الفاصل بين حيي النسيم وسيدي معروف، لتحل محل الممر السككي المحروس الذي سبق أن أودى بحياة العديد من العابرين والعابرات (وهو محروس، لو لم يكن كذلك لذهب بسكان المدينة جميعهم، بالتأكيد)، وكان من الضروري إغلاقه بالمرة. وجوه الإعجاز في هذه القنطرة متعددة وتصعب على الحصر وتلزمها ندوة دولية للإحاطة بمختلف جوانبها؛ ومع ذلك فإن مستعمل هذه القنطرة (وليس المراقب المتتبع من بعيد) لا يمكنه إلا أن يتوقف حتما عند أبرز تلك الأوجه التي يمكن القول، بكل فخار، إنها تؤسس لمدرسة معمارية جديدة تزري بكل ما تعلِّمه المدارس المتخصصة، وعلى رأسها مدرسة القناطر والطرق بباريس التي صار يتعين على خريجيها أن يأتوا إلى عين المكان للاستفادة من المدرسة الجديدة التي استطاعت أن تغني عالم المعمار وتطعّمه بتجربة تراثية هامة وغنية هي تلك المعروفة لدى عموم الناس ب»فين وذنك آ جحا؟». لقد كان الراجل العابر للممر السككي المحروس يقطعه في خمس ثوان، وهو زمن قصير جدا لا يعتد به، خاصة في مجتمع يتوفر على كثير من الوقت ولا يجد طريقة يوظفه بها، لذلك حرص «بناة» هذه القنطرة المعلقة فوق السكة الحديدية على تطوير هذا الزمن ليصبح خمس دقائق على الأقل، مبتكرين لهذا الغرض طريقة عجيبة تتمثل في الجمع بين الصعود والذهاب والإياب في مكان واحد، حيث يتعين على مستعمل القنطرة أن يدور ويلف في مكانه مرات عديدة قبل أن يجد نفسه فوق القنطرة ويسمح لنفسه بالقول: «هيا، انطلق يا كراندايزر». وعلى خلاف ما قد يتوقعه خريجو المدارس الأجنبية المختصة، فإن قنطرة «النسيم» لا تتوفر على «درجات»، بل هي عبارة عن امتدادات مسطحة، متكسرة ومائلة، يمكن استعمالها من قبل الراجلين العزّل كما من قبل مستعملي الدراجات الهوائية والنارية؛ مما يجعلنا أمام فرجة حقيقية ممتعة للنظر تجمع بين هدير محركات الدراجات النارية ودخانها وهي تستجمع قواها لصعود القنطرة وبين الراجلين الذين يهربون منها مرعوبين وهم يقرؤون اللطيف. وتبلغ الفرجة أقصى لحظاتها في أوقات الذروة حيث يلتقي فوق القنطرة مئات من العابرين في الاتجاهين وعشرات الدراجات النارية. وإذا علمنا بأن عرض القنطرة لا يتعدى مترا ونصف المتر، فلنا أن نتصور طبيعة المشهد «الحميمي» الذي سيرتسم أمامنا والذي لا يشوشه سوى تخوفنا، ونحن نضع أيدينا على قلوبنا، من أن تحصل حادثة أعلى القنطرة المعلقة فوق خط السكة الحديدية بين عابر عجوز ودراجة نارية، فلا نعرف هل نتصل برجال الشرطة أم بالدرك أم نتركهما معا جانبا ونتصل بالجن الأحمر، بحكم أن الحادثة وقعت «في الهواء»؟ مع ذلك، فإن هذا لا ينفي ضرورة قيام الجهات المعنية عندنا، وعلى رأسها وزارتا السياحة والتجهيز والنقل، بالمتعيّن، وهو تحويل قنطرة النسيم إلى مصدر للعملة الصعبة بإضافتها إلى قائمة المواقع الأثرية، عفوا، السياحية التي لا بد لكل من يسيح أن يزورها باعتبارها لا تختلف في شيء عن أهرامات مصر وسور الصين العظيم وغيرهما من الأعاجيب التي مازال يجود بها الزمان.