حضرت، يوم السبت الماضي، حفل قريبتي، التي دخلت قفص الزوجية، حيث اجتمعت نسوة العائلة من أجل إحياء عادة "الحْزامْ"، التي تقوم خلالها أم العريس بوضع الحزام لزوجة ابنها في اليوم السابع بعد إقامة حفل الزّفاف، إيذانا منها بانتهاء فترة "الفشوشْ".. عند حلول الساعة الرابعة مساء، توافد الأهل والأصدقاء من النسوة، فلا مكان للرجل هذا اليوم، حتى للعريس، حيث يغادر البيت، ليلتقي رفقاء عزوبيته، الذين غالبا ما يستضيفونه في المقهى لتذكُّر "أيام السّيبة والشّغب الشبابي"، قبل تسيلمه مفاتيح حياته ل"الدّاخِلية"، أيْ الزوجة.. توافدت النسوة تباعا، مهنئات أم العريس وأم العروس، وإن كانت هذه الأخيرة تحظى بتهاني أحرَّ بفعل نيلها شهادة الاستحقاق المجتمعي بكونها "فعلا أم"، أحسنت تربية ابنتها وأدّت رسالتها التي تفكّ رمز شفرتها ابتسامة العريس والحمرة التي تعلو جبينه جراء فرحته بتوفقه في اختيار ذات الحُسن والخلق، حتى من دون منحه دليلا على عذرية عروسه، بخلاف ما كان سائدا، حيث كانت النسوة "يرابطن" عند باب الغرفة في انتظار إطلالة العريس من وراء باب غرفة النوم ومدهنّ ب"السّروالْ"، لتتعالى الزغاريد والتهاني، التي تنهال على أمّ العروس، شأنها شأن من اجتاز مباراة للتوظيف بعد طول انتظار.. أعود إلى صميم "نبضاتي"، التي اخترت اليوم أن تتعدد "بطلاتها"، نسوة "حفل الحزام"، اللواتي قدّمنَ مقارنة رائعة تنضح برائحة "الزّهر"، الذي كانت أم العروس تستقبل به الزائرات، حيث تضعه في "مْرشة الفضة الحرة المطبوعة من فاس"، لتحيتهنّ، بينما يبادلنها بالزغاريد والتبريكات، ليجدن أصغر بنات الدار تستقبلهنّ -بدورها- بكؤوس الحليب المنسّم والتمر "المْعمّرْ باللوزْ". جلسن، وهن يرتدين أجمل ما لديهنّ من القفاطين. احتسين كؤوس الشاي المنعنعة والحلويات "المنسّمة بروح اللوزْ" وشرعن يتجاذبن أطراف الحديث، باحتشام في البداية، لتتصاعد وتيرته، بعد أن زادت أم العريس من "حرارته" فور تلقيها خبراً من ابنتها مفاده أن العروس ترفض تطبيق "العادة" بوصفها بالية.. لم تعلق ولكنها سلكت سبيل المقارنة بين الأمس واليوم بمزحة، وهي تصوب نظرتها صوب زوجة ابنها "إيوا حْزّموني ورزّموني ولا تعولو عليّ".. بادلتها ابتسامة باهتة، لتتدخل أم العروس وتهدّئ من روع الأجواء وتقول "بناتْ اليومْ مْحزمات من نهارهومْ في سْريولاتْ".. تعالت القهقهات والتعليقات بين مؤيّدة ورافضة، لتأخذ الكلمة سيدة في السبعين من عمرها، وتستحضر عادات الزّمن الجميل، المتمثلة في وضع العروس رزمة من الفواكه الجافة و"المسن" مرتدية قفطانا أبيضَ من دون حزام، بعد أن تضع الكحل في عينيها وترخيّ جدائل شعرها على كتفيها وتتقدّم موكبا نسائيا يتكون من"العْويتقاتْ" اللواتي يُغنين، يرقصن ويردّدن الأهازيج الشعبية، إلى أن "تتعب" العروس وتجلس على أول "حجرة" تتراءى لعينيها وتقوم من فوقها، في ما بعدُ، لتبدأ الفتيات في "البحث" تحتها، فإنْ وجدنَ حشرة سوداء اللون تدعى "البْخوشة" فستكون لها الذرية وإذا لم تجدها فإنها عاقر أو ستتأخر في الإنجاب.. ساد الصّمت وسط الجمع النسائي -وهن يُنصتن بإمعان في حنين إلى الأيام الخوالي- الذي لم يكسره غير "قصعة الرّفيسة بالدجاج البلدي"، التي أحضرتها أمّ العريس بعد أن أحضرت "حزاما" من شروطه أن يكون لسيدة "مْزوارة"، أي هي الأولى لدى زوجها و"ولود" ووضعته على خصر زوجة ابنها مُردّدة دعوات أثلجت بها صدرها، متمنية لها السعادة والذرية الصالحة، وأن تكون زوجة مثالية "قدّ فمّها في بيتها قدّ ذراعْها".. لتأخذ الكلمة والدتها وتضفيّ جوا من الضّحك على الجمّع النسائي في يوم "الحزام"، وتقول: "تكون لالة.. ماشي حْزّموني ورْزّموني.. وما تعوْلوشْ عْليّ"!..