شكل الوقوف على مضامين مشروع القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة، ومدى تنزيله لجوهر الفصل 27 من الدستور، وكذا الرهانات المطروحة على الديمقراطية التشاركية، محور النقاش الذي عرفته المائدة المستديرة التي نظمها، مؤخرا، فريق تقييم السياسات العمومية بكلية الحقوق بسلا، إسهاما منه في النقاش العمومي الذي سيثيره هذا المشروع. وتستعرض هذه الورقة أهم الملاحظات والانتقادات الموجهة إلى مشروع القانون الجديد. عندما أعدت حكومة بنكيران مشروع القانون 31.13 المتعلق بالحق في الوصول إلى المعلومة، كان الكل يأمل في أن يشكل هذا المشروع قفزة نوعية في مجال التشريع المغربي وتنزيلا فعليا لمضامين الدستور، لكن عندما تمخض الجبل ولد فأرا، فقد جاء مشروع القانون الجديد بجملة من الاستثناءات التي جعلت منه «مسخا» تشريعيا لا يرقى إلى ما هو معمول به في أكثر البلدان تخلفا.
ملاحظات وانتقادات بالجملة وجه خبراء وباحثون مغاربة انتقادات شديدة لمشروع القانون المتعلق بحق الولوج إلى المعلومة، متهمين الحكومة بافتقاد الجرأة اللازمة لتنزيل مبادئ الدستور بهذا الشأن. وأجمع هؤلاء على أن مشروع قانون الحق في الولوج إلى المعلومة محتشم للغاية ولا يرقى إلى ما هو معمول به في بلدان أقل تطورا من المغرب، موضحين أن المعلومة هي أوكسجين الديمقراطية، على اعتبار أنها تحفز المواطن على المشاركة في مسلسل اتخاذ وتتبع القرار العمومي وتقييمه، كما تؤمن انفتاح الفاعل العمومي على محيطه وتكرس الشفافية من خلال سيادة منطق المساءلة. ووقف الأستاذ الباحث بكلية الحقوق سلا اضريف عبد النبي، على مجموعة من الملاحظات حول مشروع القانون الجديد، حيث سجل عدم وضوح المادة الثانية المتعلقة بمن له الحق في الحصول على المعلومات، وذلك بخصوص استثناء الأجانب من هذا الحق، و لم يتم الحديث عن حق الأشخاص العامة . كما عملت المادة 13 على تحديد مدة 15 يوما للإجابة على طلب الحصول على المعلومات ويمكن التمديد إلى 15 يوما إضافية، لكن لم يتم، حسب اضريف، توضيح الحالات المستعجلة التي تتم فيها الاستجابة داخل أجل يومين وذلك من خلال ما جاءت به المادة 14. وفي الوقت الذي حددت فيه المادة 17 أجل التظلم الرئاسي في 30 يوما بالتوجه صوب رئيس الهيئة المعنية بتقديم المعلومات عندما يكون مقدم طلب الحصول عليها غير راض عن كيفية التعامل مع طلبه وقبل اللجوء إلى اللجنة الوطنية المعنية بضمان حق الحصول على المعلومات، لم يتم استثناء الوثائق البسيطة. وأشار الأستاذ اضريف إلى الصعوبات التي يطرحها القضاء الإداري أمام إمكانية الطعن أمام القضاء عند عدم الرضا عن كيفية معالجة اللجنة الوطنية لشكايته (المادة 18 )، على اعتبار أن المسطرة كتابية وما لذلك من تبعات، فضلا عن كون المحاكم الإدارية لا تغطي كافة التراب الوطني. وبالنسبة للهيئة المعنية بضمان حق الحصول على المعلومات، نصت المادة 23 على إحداث لجنة وطنية لهذا الغرض، دون التنصيص بالموازاة مع ذلك على إحداث اللجن المحلية، على اعتبار أن الأعضاء الذين ستتشكل منهم اللجنة الوطنية لن يتجاوز عددهم 11 عضوا (المادة 24)، مما يطرح، حسب اضريف، التساؤل حول قدرة هيئة بهذا العدد في مواجهة عبء الشكايات التي سترفع إليها ودون التنصيص على استقلالية اللجنة ومنحها السلطات الكافية للقيام بعملها. وفي نفس الاتجاه، سجل الأستاذ الباحث الإشكالية التي تطرحها المادة 36 والمتعلقة بمدى استقلالية ونزاهة الأعوان المكلفين بإنجاز المعاينات والتقارير، الذين يجب أن يكونوا محلفين ومتمتعين بالصفة الضبطية، لاسيما أن العقوبات المالية المقررة في المادة 33 ستصدر بناء على هذه المعاينات والتقارير، مع العلم أيضا أن العقوبات المقررة تظل ضعيفة مقارنة مع طبيعة المخالفات والآثار التي ستترتب عنها. كما لم يتضمن مشروع القانون إشارة إلى المؤسسات المطالبة بالنشر الإجباري للمعلومة مثل المقاولات التي تضر بالبيئة، والجرائم التي تمس بحقوق الإنسان. قانون غير واضح ومفاهيم مطاطية من جهتها، استندت الأستاذة جميلة دليمي على مؤشري الوضوح والشمول في تقييمها لمضامين مشروع القانون رقم 31.13 حول الحق في الحصول على المعلومات، حيث رصدت بخصوص المؤشر الأول كون مضمون المادة 6 من الباب الثاني المعنون ب «حق الحصول على المعلومات» يتعلق بمجال مسطرة الحصول على المعلومات الذي خصص له باب مستقل ألا وهو الباب الرابع، مما يتطلب ضرورة إزاحة مقتضيات هذه المادة إلى الباب الرابع. وفيما يتعلق بترتيب الأبواب، فالباب الثاني يرتبط بالمبادئ المؤطرة للحق في الحصول على المعلومات بطلب، والباب الثالث يتعلق بتدابير النشر الاستباقي لتعزيز الحق في الحصول على المعلومات، وفي الباب الرابع نعود إلى مسطرة الحصول على المعلومات بطلب، مؤكدة على أن يظل موضوع كل باب مستقل بذاته، محققا بطبيعة الحال تكامل وتناغم مقتضيات النص ككل. ولعل ما يثير الانتباه أيضا في هذا المشروع، حسب الأستاذة الباحثة بكلية الحقوق بسلا، اعتماد مصطلحات مطاطية وفضفاضة كمصطلح المصلحة العامة الوارد بالمادة 3 الذي يظل في حاجة إلى توضيح وتدقيق. وبخصوص وسائل النشر المتاحة (المادة 7 )، أوضحت دليمي أن صاحب المشروع وضع جل وسائل النشر في سلة واحدة، فالجريدة اليومية أو الأسبوعية هي وسائل للنشر كما تعد المواقع الالكترونية وسائل للنشر، وهنا يطرح السؤال هل عمر الجريدة هو نفسه عمر الموقع الالكتروني؟ فعمر المعلومة المدرجة بالمواقع الالكترونية هو أطول من عمر المعلومة المنشورة بالجرائد، كما أن اللجوء إلى المواقع هو أقل تكلفة من التعامل مع الجرائد. لذا، ترى الأستاذة الباحثة أنه على النص القانوني أن يفرض على جل المؤسسات خلق وتطوير مواقعها الالكترونية، إضافة إلى استغلال الفضاء السمعي البصري بالنسبة للمواطنين الذين لا يتقنون القراءة والتعامل مع المواقع الالكترونية، لتوسيع رقعة وصول المعلومات إلى أكبر عدد ممكن من المواطنين لضمان مشاركتهم الواسعة. كما اعتبرت أن عبارة حسن النية المنصوص عليها في المادة 39 ليس من اليسير ضبطها والحسم فيها. وعلى مستوى مؤشر الشمول الذي يفيد تعامل المواطن مع وثيقة واحدة تضمن وتحمي حقه الدستوري في الحصول على المعلومات، وأن تتم المصادقة على هذه الوثيقة من قبل المؤسسة التشريعية، أبرز المصدر ذاته ، أن مشروع القانون لم يشمل عددا من المجالات الحيوية والأساسية بالتنظيم، من قبيل تشتت النصوص المنظمة للحق في الحصول على المعلومات، حيث تقترح مقتضيات المواد 11- 13 – 17 تحديد كل من نموذج الطلب ووصل التسليم ومضمونهما، ونموذج الرد على الطلب ومضمونه، ونموذج الشكاية ومضمونه بنصوص تنظيمية، وهذا ما يضعف من الشفافية، فينبغي أن تحدد هذه النماذج المذكورة كملاحق بالنص التشريعي المنظم للحق في الحصول على المعلومات بدل من تحديدها بنص تنظيمي. أما في ما يخص مصادر المعلومات، يلاحظ أن مقتضيات الفصل 27 من الدستور أكدت على حمايتها، إلا أن مشروع القانون لم يمسها بالتأطير والتنصيص. فلتعزيز الديمقراطية التشاركية مداخل متعددة منها، حسب جميلة دليمي، تحسين البيئة القانونية لجمعيات المجتمع المدني فيما يتعلق بالذات التنظيمية والذات الوظيفية، بالإضافة إلى إعداد المناخ الملائم لتفعيل الديمقراطية التشاركية، التي يعد أحد مكوناتها التوفر على نص قانوني يحمي ويضمن التمتع بالحق في الحصول على المعلومات. استثناءات وطابع «محتشم» على صعيد آخر، أكد الأستاذ محمد حيمود على أهمية المعلومات على اعتبار أنها تحفز المواطن على المشاركة في مسلسل اتخاذ وتتبع القرار العمومي وتقييمه، كما تؤمن انفتاح الفاعل العمومي على محيطه، وتكريس الشفافية من خلال سيادة منطق المساءلة، وبشكل عام تفعيل ثقافة الحكامة بمختلف مقوماتها دعما لأسس دولة الحق والقانون. وتطرق الأستاذ الباحث بكلية الحقوق سلا إلى المعايير الدولية في مجال الحق في الوصول إلى المعلومات وتحديدا معيار محدودية نطاق الاستثناءات، حيث يتعين أن يجتاز كل استثناء ثلاثة اختبارات، حسب منظمة المادة 19، لكي لا يتعارض مع فلسفة الحق في الحصول على المعلومة. ويتمثل الاختبار الأول في كون الاستثناء يتعين أن يتعلق بهدف مشروع مذكور في القانون، بحيث ينبغي أن تكون قائمة المبررات واضحة ودقيقة، وأن يكون الاستثناء مبنيا ليس على طبيعة الوثيقة، ولكن على مضمونها، وأن يكون محددا في الزمن. أما الاختبار الثاني بأن يكون الكشف عن المعلومات سيهدد بإلحاق أذى كبير لهدف مشروع، إذ لا يكفي أن تندرج المعلومة المحجوبة ضمن أحد الأهداف المشروعة المنصوص عليها قانونا، بل على الهيئة العمومية المعنية التدليل بأن الإفصاح عنها من شأنه إلحاق ضرر بالغ بهذا الهدف. بينما يتحدد الاختبار الثالث في أن يكون أي ضرر يلحق بالهدف المشروع أكبر من مصلحة الجمهور في تلك المعلومات، أي ضرورة استحضار العلاقة بين الضرر والمصلحة العامة. وفي الوقت الذي تستجيب العديد من التطبيقات المقارنة في مجال الاستثناءات على حق الحصول على المعلومات للمعايير الدولية مع بعض الاختلافات في بعض التفاصيل دون الجوهر الضامن لحق الحصول على المعلومة، سجل، محمد حيمود، بأن مشروع القانون المغربي المتعلق بهذا المجال لم يستحضر، بشكل جلي، معيار محدودية نطاق الاستثناءات باختباراته المشار إليها، وهو ما يمكن التدليل عليه من خلال مضامين الباب الخامس من مشروع القانون رقم 31.13 المتعلق بحق الحصول على المعلومات والمخصص لمجال الاستثناءات، بل لم يستطع حتى مجاراة بعض الدول العربية في هذا المجال كاليمن أساسا. وأشار الأستاذ حيمود إلى أن المادة 19 تتحدث عن المعلومات المستثناة من الكشف حيث تم التمييز بين معلومات يطالها الاستثناء لذاتها، وأخرى مرتبطة بالضرر المترتب عن الكشف عنها، مع الاقتصار على مدة 15 سنة بالنسبة لرفع الاستثناء عنها، فضلا عن الطابع « المشوش» للعبارة الواردة بالمادة 21 (ما لم تنص القوانين الجاري بها العمل على آجال خاصة). فالتدقيق لم يشمل جانبا من مضامين المادة 19 من مشروع القانون المغربي حول الحق في الحصول على المعلومات كتلك المرتبطة بالدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي والحياة الخاصة للأفراد... نفس الإخفاق، سجله الباحث بكلية الحقوق سلا، بخصوص مضامين أخرى من المادة 19، حينما أشارت إلى الامتناع عن الإفصاح عن المعلومات التي يؤدي الكشف عنها لأضرار تهم تدبير السياسة النقدية والاقتصادية والمالية وحتى السياسات العمومية قيد الإعداد والتي لا تتطلب استشارة المواطنين، وهي عبارات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها فضفاضة وتفسح المجال للتأويل وتحول دون تثبيت الرغبة في إشراك الجميع في صناعة هذه السياسات ولو من باب القوة الاقتراحية. وخلص الأستاذ حيمود إلى أن المادة 19 من مشروع القانون المغربي رقم 31.13 هي استنساخ للفقرة الثانية من الفصل 27 من الدستور، وهي الفقرة ذاتها التي اختتمت بعبارة المجالات التي يحددها القانون بدقة، وهي الدقة التي غابت عن هذا المشروع الذي يفترض فيه ترجمة وتنزيل وكذا التفصيل في فلسفة الحق في الحصول على المعلومة التي لا يؤطرها فقط الفصل 27، بل العديد من فصول الدستور ذات العلاقة.