لأول مرة، يصدر كتاب باللغة الفرنسية في طبعة أنيقة عن الفنانين التشكيليين المغاربة بعنوان «100 فنان تشكيلي مغربي»، عن مركز الفن المعاصر بالصويرة، بدعم من وزارة الثقافة وبشراكة مع مجلة «ماروك بريميوم»، تم فيه تجميع عدد من الاتجاهات والتجارب باختلاف أجيالها المتعاقبة التي عرفها المغرب. تناول الكتاب في مقدمته أهمية هذا المشروع، من خلال نص لرئيسة تحرير المجلة المذكورة «ميشيل ديسموط»، التي حاولت اختزال الهدف من نشر هذا الكتاب، الذي اعتبرته قيمة مضافة لمحاولة تأريخ أهم المحطات التشكيلية المغربية بفنانيها الرواد والمعاصرين، الذين بصموا تاريخ الفن المغربي، ثم من أجل تحسيس المتلقي بأهمية هذه الإنتاجات الإبداعية، مع توجيهه ورسم معالم مضيئة يمكن الاعتماد عليها في تحديد المسارات الإبداعية لهؤلاء الفنانين بصفة عامة. من جهة أخرى، اعتبر الناقد الفني «مصطفى شباك»، في نص خصص لهذا الكتاب، كمدخل لدراسة تاريخ التشكيل المغربي عبر محطاته التسلسلية، بأنه امتداد لتجربة سابقة، تم فيها فقط تدوين عدد من التجارب الفنية من خلال دليل للفنانين المغاربة، من إصدار نفس المجلة ما بين سنة 2010 و2011، ليكون هذا الكتاب تكملة وإضافة على مستوى الكم والكيف معا لباقي التجارب، التي طبعت بحضورها المتميز المشهد التشكيلي المغربي في السنوات الأخيرة، إذ يقول: «إن هذا الكتاب يبحث فقط تقديم مشهد تشكيلي في حدود إمكانيات موضوعية للقارئ، فهو ليس بشامل أو نهائي.. بل فقط خطوة أولى، تستعيد باختصار الوقائع والمعطيات..». بعد ذلك، تناول الناقد دور الأروقة وقاعات العرض التي عرفت تزايدا في السنوات الأخيرة، ابتداء من سنة 2000 كظاهرة اجتماعية واقتصادية، مشيرا إلى أهمية ظهور المتاحف بالرباط، كالمتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر، ثم متحف بنك المغرب، ومتحف «لا بالموري» بمراكش، في انتظار افتتاح متحف تطوان، مدعمة بفضاءات عمومية نشيطة للعرض بالنسبة لكنيسة القلب المقدس بالدار البيضاء والمسالخ القديمة للدار البيضاء Abattoires، بالإضافة إلى أمكنة للمبادرة الخاصة، بما فيها «فيلا الفنون» بالدار البيضاء والرباط، ومركز الفن المعاصر بالصويرة. ثم انتقل مصطفى شباك للحديث عن دور بعض المؤسسات في تفعيل وترويج المجال التشكيلي كمؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية، ثم بعض الأبناك، إضافة إلى مبادرات بقيت فقط راسخة في جدول أعمال المحترفين والهواة من الفنانين، ولم تستطع أن تبصم إلا مواسم فنية محددة، من خلال تظاهرات كبيرة منها بيينالي مراكش والدار البيضاء الدولي.. ثم معرض «نظرات متقاطعة» الذي تم تنظيمه بعدد من المدن المغربية.. وبعنوان «الإبداع التشكيلي المغربي مكتسبات الماضي، تحديات الغد»، تناول الكتاب في جزء منه، مراحل من التشكيل المغربي، وعلاقته بما هو كوني، باعتبار أن الفن المغربي تراث عالمي، مستندا في مرجعيته على مصدر موثوق للكاتب الفرنسي «برنار دو سان أينيون» عن «نهضة الفن الإسلامي بالمغرب» الصادر سنة 1954، كشهادة تاريخية عابرة عن فترة محورية محددة، تحدث فيها عن مرحلتين، تتعلق الأولى بالفنانين العصاميين كأحمد بن ادريس اليعقوبي، محمد بن علال، محمد الحمري، ومولاي احمد الإدريسي، ثم انتقل للحديث عن فترة لاحقة خاصة بالفنانين، الذين تلقوا تكوينهم بالمعاهد الفنية كحسن الكلاوي، عبد السلام الفاسي، مريم مزيان، عمر مشماشة، فريد بلكاهية ومحمد المليحي، باعتبارهم روادا، مما سوف يحدد بصفة نهائيا توجه الفن التشكيلي المغربي المعاصر نحو خطين متوازيين، هما التشخيص والتجريد. ثم بعد هذه الفترة، وخاصة بعد الاستقلال، سوف يقوم هؤلاء الفنانين حسب قول الناقد مصطفى شباك، بالإضافة إلى فنانين آخرين كالمكي مغارة، كريم بناني، الجيلالي الغرباوي، سعد بن السفاج، أحمد الشرقاوي، وميلود لبيض.. بتحديد قدر الفن المعاصر المغربي، ومساهمتهم في التعريف به بالمحافل الدولية كبينالي الإسكندرية ومتحف الفن بسان فرانسيسكو سنة 1957، ورواق المغرب للمعرض الدولي ببروكسيل سنة 1958، وواشنطن ولندن وفيينا... باعتبارها خطوة رمزية للانفتاح على ما هو عالمي بروح سندها الهوية المغربية. بعدها قام مصطفى شباك في هذا الكتاب بجرد لدور الاتجاهات في تأصيل المشهد الفني المغربي، باعتبار أن التشخيص ضرورة تاريخية وثقافية وحتمية أنطربولوجية، قبل أن يكون ظاهرة سوسيولوجية، متحدثا عن تطور هذا الاتجاه وما أثاره من جدل حول إشكالية الصورة في المسيحية والإسلام، مستشهدا ببعض الوقائع التي تحدث عنها مؤرخ الفن الإسلامي «أليك كرابار» والمؤرخ الإيراني (أسد الله سورن مليكيان- شيفاني)، في محاولة لتبرير مشروعية التشخيص في كلا الديانتين. وخلص الناقد شباك، من خلال عنوان فرعي في الكتاب «تشخيصية جديدة وتشخيصية مفاهمية» إلى أن هذين الاتجاهين أثرا في عدد كبير من الفنانين المغاربة، باستثناء البعض ممن حافظ على اتجاهات كلاسيكية، تارة انطباعية كالحبيب المسفر، هبيشة، وكريش...، وتارة أخرى تعبيرية كطلال، بنعيش، قديد، الكهفاعي والكلاوي... بعد ذلك، تحدث عن رغبة القطيعة مع الماضي، حسب تأويله، من طرف فناني التسعينيات كجيل جديد يبحث عبر تقنيات ومواد وأساليب تعبيرية فنية حديثة لمساءلة الذات في علاقتها بالموروث الثقافي بعيدا عن الاستلاب، مع استئناف للرمز داخل فضاء ثقافي اجتماعي تمثل في الاستغناء عن الذاتية الفردية. ثم أنهى كتابته بالدور الفاعل الذي لعبته بعض الجهات على مستوى تحريك وإنعاش السوق الفنية حاليا، مقارنة مع السنوات الماضية، مؤكدا على ضرورة تطوير وإعادة صياغة المناهج بالمؤسسات التعليمية، ابتداء من الإعدادي، مرورا بالثانوي، ووصولا إلى الدراسات العليا، مع اقتراح تساؤلي حول إمكانية التفكير في إحداث أكاديمية ملكية للفنون الجميلة.