سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
طلال: انتشار الأروقة والمزادات ظاهرة صحية أنقذت الفنانين من العوز الذي عاشه الرواد قال بأن قلة معارضه بسبب اشتغاله على التيمات والمواضيع التي تعتبر الهدف في حد ذاتها
نظمت جمعية «مهن و فنون» يوم الخميس 2 ماي 2013 بالدارالبيضاء، معرضا تشكيليا جماعيا تحت شعار «الحق في الحلم»، تكريما لأحد الوجوه البارزة في الفن المعاصر، و هو الفنان الحسين طلال. أحرز هذا الفنان على جائزة الشتاء بالمغرب سنة 1965، و ميدالية الشرف من الأكاديمية الفرنسية، وجايل جل الفنانين المغاربة الأوائل، الأحياء منهم والأموات. ما يميز الفنان طلال، هو مواكبته المستمرة لتاريخ الفن، سواء بالمغرب أو الخارج، وهذا ما جعل أعماله تتكيف مع التحولات الحاصلة في المشهد الفني في شموليته، بقي وفيا للتشخيص، لكن في قالب حداثي و معاصر، ضمن اتجاه «التشخيصية الجديدة la nouvelle» «figuration، على حد قوله، فعمله لم يتوقف عند حدود إبداعية ذاتية، بل تجاوزها إلى تفعيل المجال البصري من خلال رواقه «ألف باء»، الذي يعتبر من بين الأروقة الأولى المؤسسة للتربية الجمالية بامتياز في المغرب. التقينا الحسين طلال خلال هذا المعرض وكان معه هذا الحوار: - ما هو سبب قلة معارضك، رغم غزارة إنتاجاتك الفنية؟ إن السبب في قلة معارضي، هو أنني أشتغل على تيمات محددة، وأول موضوع دشنت به علاقتي على مستوى العرض، كان بباريس سنة 1967 تحت عنوان «صور خيالية»، برواق «لارو» بحي سان جيرمان، وكان من النادر أن تصادف معرضا لإفريقي أو عربي في ذلك المكان، فكنت أول مغربي يعرض به، وهو رواق كان ينظم كل سنتين صالونا فنيا باسم «زيرو بوان «zero point» يشرف عليه مؤرخ فني كبير، ولا يعرض فيه إلا كبار الفنانين مثل بيكاسو.. فكنت محظوظا بحضور عدد من الفنانين والنقاد والزوار، رغبة وفضولا منهم في اكتشاف أعمالي في هذا المعرض الذي اتخذت له عنوانا فرعيا، هو «الساحرات الحمراء»، وهو عبارة عن صور نساء حليقات الرؤوس، فحقق نجاحا كبيرا على المستوى الإعلامي، ثم بعد ذلك، التقيت بالمعاونة السابقة للكاتب والشاعر «أندري بروتون»، صحبة شخصية معروفة باسم «مادلين روسو»، وعندما تمعنت في أعمالي، اقترحت علي أن أشتغل على النصوص العجائبية للكاتب «ألان إدكار بو»، فكانت بداية لتيمة أخرى، استعملت فيها اللونين الأسود والأحمر، محورها الأطفال واللعب، في علاقتها بكتابات هذا الكاتب، بعدئذ اشتغلت في سنة 1975 على تيمة «السيرك»، وشاركت في معرض دولي بفرنسا، فكانت مناسبة لكي أتوصل بمراسلة من «باكانيني»، محافظ متحف ميلانو، بعد مشاهدته أعمالي. رغبت في المساعدة على تنظيم معرض بإيطاليا، وللأسف لم يتم ذلك لظروف معينة، إلى أن نظمت معرضا سنة 2009 برواق «ميمو آرت» بالدارالبيضاء، بعنوان «الفنانون المسافرون بالليل»، اشتغلت فيه على شخصيتين فقط، بألوان اختزلتها في الرمادي بتدرجاته، بعد ذلك سيليه اشتغال آخر في نفس السياق، لكن على شخصيات وحيوانات معا (طيور، كلاب..)، إلى أن اتخذت من الفنان الفرنسي «تولوز لوطريك» موضوعا، كآخر محطة لتجربتي الشخصية، تكريما لحياته ومغامراته التي قضاها بملهى «مولان روج». ولهذا، ولكي أجيب على سؤالك، فأنا لم أكن مهتما بتنظيم المعارض، بقدر ما كانت التيمات و المواضيع هي الهدف في حد ذاتها، وكذلك بسبب قلة أعمالي، التي لا تتجاوز في غالب الأحيان عشرين عملا في كل تيمة. - ما هو سبب اختيارك للتيمات في أعمالك؟ لقد تم احتضاني في شبابي من طرف فنانين كبار عندما كنت بفرنسا، و كانت بالنسبة لي فرصة للتعرف والاحتكاك بالعديد منهم عن قرب، كما تعرفت على نقاد و مثقفين كبار، فكانت هذه المرحلة محطة أساسية في تجربتي الشخصية ومرجعا ثقافيا، فاستهوتني المغامرة للاهتمام بالقضايا التيماتية في أعمالي، استنادا للتراكم المعرفي الذي اكتسبته من هذه العلاقات. - يعتبر رواق «ألف باء» الذي أنشأته في أوائل الثمانينيات، من الأروقة الهامة في تاريخ التشكيل المغربي، فما هو السبب في قلة احتضان المعارض له؟ فيما يخص إنشاء هذا الرواق، فهو جاء نتيجة زيارة الفنان التشكيلي الفرنسي «موز» للمغرب سنة 1982، قصد العرض بمدينة المحمدية، وكان يرغب في رحلة سياحية لجنوب المغرب صحبة زوجته لفترة قصيرة، فطلب مني أن أساعده على تنظيم معرض بأحد الأروقة بمدينة الدارالبيضاء لمدة لا تتعدى يومين، فكان من الصعب تلبية طلبه لقلة الأروقة آنذاك، فاتصلت برواق معين، واقترحت على صاحبه الفكرة مع تحمل كل المصاريف المتعلقة بحيثيات التجهيز من ملصقات وافتتاح و إعلام..، لكن للأسف لم يتم ذلك، بحجة أن الرواق لا يعرض للأجانب، ثم أخبرت أمي الشعيبية بذلك، فكان اقتراحها هو البحث عن مكان لإنشاء رواق من أجل تلبية طلب هذا الصديق، الذي كانت تعزه بدورها و تحترم أعماله، فكانت فكرة إحداث رواق (ألف باء)، وبما أنني أعتبر نفسي فنانا لم يكن هدفي هو الربح من وراء هذا الفضاء، بقدر ما كان رغبة في تغطية العجز الحاصل في عدد الأروقة في فترة معينة بمواصفات ومقاييس تحترم أصول العرض فيما يخص الجودة، لهذا السبب كانت اختياراتي لنوعية التجارب تتطلب فسحة زمنية. - إذن من خلال تجربتك كصاحب رواق، كيف ترى وضع الأروقة الفنية بصفة عامة بالمغرب الآن، بالقياس مع السابق؟ أعتقد الآن، أن ظهور الأروقة ووجودها بجل المناطق المغربية ظاهرة صحية، إلى جانب إحداث الأمكنة الخاصة بالمزادات العلنية، التي ساعدت هي الأخرى على تحديد السومة الشرائية للأعمال الفنية و تثمين أصحابها، بفضل اهتمام ورعاية الملك محمد السادس، الذي كان من المقتنين والمشجعين للفن المغربي، ونتج عن ذلك ظهور عدد من الفنانين التشكيليين الشباب وانتعاشهم ماديا و معنويا، خلافا لما كان يجري سابقا مع المبدعين الأدباء والتشكيليين الأوائل، الذين عاشوا فترات عصيبة كالغرباوي.. نتيجة الفقر و الحرمان. - كيف هي الوضعية التشكيلية المغربية في نظرك الآن؟ إن التشكيل المغربي، باختلاف تعبيراته، يعيش حاليا في وضعية متطورة، سببها طبيعة المغرب كمنبع استلهام بضوئه وتربته، حيث افتتن بهما سابقا فنانون كبار من حجم ماتيس ودولاكروا... و نحن المغاربة خلقنا في هذه التربة المباركة بألوانها، فمن الطبيعي لهذه التربة أن تلد فنا أصيلا.