في إطار الأنشطة الثقافية والفنية لمؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدارالبيضاء، يحتضن رواق المكتبة الوسائطية، إلى غاية 27 يونيو الجاري، معرضا فنيا يشارك فيه خمسة فنانين مغاربة عائشة عرجي رفقة اليعقوبي وبناني (أسعد) ويتعلق الأمر بعبد الله اليعقوبي، وعفيف بناني، ومحمد الشوفاني، وعائشة عرجي، وسلوى جانا. يشكل المعرض، الذي يحمل اسم "نساء زهور وطين" نقطة التقاء، بين الفنانين الخمسة، إذ تتقاطع من خلاله تجارب مختلفة لتمتزج وتتقارب في رحلة نحو فضاء زمني وجد فيه كل فنان، من خلال تكوينه الفني وحسه الإبداعي، غايات خاصة تربطه بتيمة من التيمات الثلاث المتكاملة في جوهرها باعتبار كل واحدة منها تمثل الحياة فالطين أصل الحياة، والمرأة أصل العطاء، والزهور أصل الأمل، الذي لا حياة من دونه إذ "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل". وفي هذا السياق، يقول محافظ المكتبة الوسائطية بوشعيب فوقار، في كلمة له حملت عنوان "مقارنة فنية لفهم الحياة"، "الطين مادة الحياة، والمرأة سر الحياة، والأزهار أمل الحياة... تلك هي الدعوة، التي يوجهها خمسة من الفنانين لكل متأمل يسعى إلى إدراك مصدر كينونته". تختلف توجهات هؤلاء الخمسة، حسب فوقار وتتباين الألوان، التي تشكل إبداعهم، بل وقد تتباعد اهتماماتهم الشخصية وانشغالاتهم الخاصة، لكنهم الآن يحققون فيما يقترحون علينا من لوحات جميلة، تكاملا يمس جوهر الحياة وعمقها. فهل يمكن أن ننسى أننا نرتبط بالطين لأنه المنشأ، ولأنه المستقر، وإليه المآل هل نستطيع أن نتجاهل أن المرأة هي مصدر كل جميل في الحياة؟ هل يمكن لنا أن نعيش دون أن يكون لنا أمل نستمد منه استمرار وجودنا، وتعلقنا بالحياة؟ وهل ثمة رمزية للتفاؤل أكثر مما ترمز إليه الأزهار بألوانها وطيبها ونسقها؟. لوحات هؤلاء المبدعين الخمسة، تستفز بطريقة جميلة ورقيقة أحاسيس المتأمل وهو يزاوج في تفكيره بين المحيط المادي الصرف وبين المقومات الروحية المتمثلة في تعلقه وشغفه وحبه لمصادر وجوده. ويضيف فوقار "موضوع جديد يتيح له رواق المعرض بالمكتبة الوسائطية لمؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدارالبيضاء أن يطرح للتأمل والمشاهدة، والقراءات المتعددة والمتزامنة مع حاجة الإنسان الملحة إلى الإحساس بجذوره واختبار قوة مصادره، لكي يتمكن من مواجهة كل ما هو مصطنع في هذه الحياة. وأعتقد أن المحاولات، التي تقوم بها هذه المؤسسة في توحيد مواضيع الإبداع لدى طوائف متعددة من الفنانين، قد تسهم إيجابا في الدفع بحركة النقد الفنية، التي لا يستقيم فهم المنتوج الفني إلا بتعددها. إن إقرار فكرة المعرض الجماعي، الذي يعالج موضوعا واحدا أو مشابها والذي تبنته هذه المؤسسة سيبقى إقرارا ساري المفعول إلى إشعار آخر". فبعد غيبة طويلة يعود الفنان التشكيلي المغربي، عبد الله اليعقوبي، إلى حضرة اللون والشكل. ففي تجربته الجديدة، التي اختار فيها أن يحتفي بأحاسيس المرأة، نجح في عرض لوحات مختلفة الأحجام، إلا أن الهاجس الكبير والتيمة الجلية، هو هذه التي ألفناها وألفتنا، ولا نستطيع بديلا عن فراقها، إنها الأم والأخت والابنة. بحس مرهف وبريشة خبرت عالم القماشة والصباغة، قدم اليعقوبي تجربة صباغية بأسلوب خاص، جسد فيه تلاوين الحياة والأمل والحرية، بل ذهب أبعد من ذلك حينما أبدع لوحة سماها الربيع العربي. ربيع أخضر بأزهار فياحة. إنه الأمل والفرحة الكبرى والتغيير، الذي تنشده الشعوب العربية من الماء إلى الماء. ثورة صباغية هادئة هي عنوان أعمال اليعقوبي، الذي طبع المشهد الفني المغربي، بميسم إبداع قل نظيره، وأسلوب تصويري يعز عن الوصف. وبخصوص الأعمال التي قدمها في المعرض قال يعقوبي إنه اشتغل عليها قبل انبثاق الربيع العربي، وأضاف أن إحساسه بهذه الثورة الربيعية كان في محله، واستجابت ذائقته الفنية لهذا الحدث، وكانت هذه اللوحات التي تعبر عن الأمل، وأوضح أنها تكريم، بطريقته الخاصة، للربيع العربي. وقال إن أعماله ذات توجه انطباعي تحمل قيما دالة ورسائل الحب والأمل والعيش الكريم. في تجربته الفنية الجديدة، يقدم عفيف بناني الحاصل على القماشة الذهبية، وميدالية الفنون أخيرا من باريس، توليفة من ألوان الأرض والسماء في تبدلاتها، من فضاء ومن ظلال هذا المغرب، الذي يعرف أسراره، التي استعصت على مدارس فنية وحركات تشكيلية، بناني يرسم بصدق الإخلاص وإخلاص الصدق، إنه أسلوبه. يضع بناني ذكاءه كما تجربته الكبيرة، وحرفيته، من أجل التواصل ومشاركة الآخر بنفس طويل لا يعرف النضوب، هو نفس يحمله إلى وطنه المغرب. بالنسبة للفنانة التشكيلية سلوى جانا، التي اشتغلت على الكمان وحمولاته الجمالية، رأت في المعرض المشترك، وهي تعرض رفقة أسماء كبيرة في المشهد الفني المغربي، فرصة للبروز والظهور، وقالت ل"المغربية" إنها متيمة ومسكونة بالعزف على الكمان، وأوضحت أن مقتربها البصري يحتفي في كل تجلياته بهذه الآلة، التي تدخل السكينة والاطمئنان على النفوس، مبرزة أنها تكن حبا جنونيا للكمان، ولا يمكنها الاستغناء عنه. عمق فني وحس مرهف هو المقترب البصري للفنانة التشكيلية، عائشة عرجي، التي تحتفي في أعمالها الأخيرة بالطبيعة والناس والتقاليد الأمازيغية. تصر عرجي في علاقتها مع الألوان على خلق جمالية الانسجام الفني والوجداني. انسجام تسافر وتعبر من خلاله الفنانة التشكيلية عرجي، إلى عمق الخيال والتعبير اللا محدود. أما محمد الشوفاني، الذي انخرط في تجربة تشكيلية جديدة، عمادها الأشكال الهندسية، يرى فيها سمفونية الأمل والحياة، فأكد أن أعماله الجديدة تصور جديد لحالات جديدة. وأضاف في تصريح ل"المغربية" أن هذه اللوحات لم يحدد فيها الموضوع الذي اشتغل عليه، وإنما خرجت عفوية، وفرضتها حالة نفسية غريبة، موضحا أن الفنان يجب ألا يعتمد على أسلوب واحد واتجاه واحد، خصوصا أن المشهد الفني العالمي دائم التجدد، وفي حركة متغيرة دائما.