بمبادرة من عدد من الشباب المقاولين المهتمين بالفن التشكيلي بالمغرب، تعزز المشهد الثقافي عموما، والفني بشكل خاص، أخيرا، بتأسيس رواق جديد، بمواصفات عالمية، يحمل اسم" زاوية الفن" بمدينة الرباط. من أعمال المنصوري يحتل الرواق الجديد، من الناحية الجمالية، الذي يمتد على مساحة 235 مترا مربعا، موقعا متميزا في حي المحيط الواقع بجادة المقاومة، حيث يعرف الحي حركة دؤوبة لقربه من محطة "الترامواي"، ما يساعده على تقديم الخدمات اللازمة في المجال الفني في إطار الدينامية الصباغية، التي تعرفها الساحة الثقافية المغربية. وقال المشرفون على الرواق في بلاغ توصلت به"المغربية" بنسخة منه إن هذا الفضاء الفني الجديد يهدف إلى تشجيع الحركة التشكيلية بالمغرب، باحتضانه واستقباله مختلف التعبيرات والحساسيات الفنية الجديدة، لخريجي المدارس الجمالية والمعاهد الخاصة بالمملكة، كما سيقدم موازاة مع هذه العروض دورات تكوينية في إطار برامج تدعم هذه التجارب الفنية. كما يخصص "زاوية الفن" هامشا تربويا بتنسيق ومشاركة مع أعضاء النقابة الوطنية للفنون التشكيلية للفنانين الشباب المتحدرين من العاصمة الإدارية الرباط، والمناطق المجاورة، وتحديدا جهة الرباطسلا زمور، ويراهن المشرفون حسب البلاغ نفسه على اكتشاف المواهب والتنقيب على الفنانين العصاميين، وتنظيم معارض جماعية لتشجيعهم. وحسب البلاغ ذاته، فإن الرواق الجديد، الذي يدشن أنشطته الفنية باحتضان تجارب الفن المعاصر والنحت، والسيراميك، إلى جانب مختلف الإبداعات الإنسانية الحرة مثل الديزاين، روعي في بنائه الجانب الجمالي، سيعرض 30 لوحة صباغية زيتية تحتفي بفترة مفصلية في تاريخ الفن بالمغرب، تسلط الضوء على تجارب قوية في الحركات التشكيلية الكبرى ضمنها الاتجاه الانطباعي، والتشخيصي، ومختلف التأثيرات المتقاطعة الأخرى، للفنانين المعاصرين. وفي هذا السياق، سطر المشرفون على البنية الفنية برنامجا غنيا لاستقبال تجارب الفنانين التشكيليين الجادين والواعدين، إذ سيحتضن الرواق في افتتاحه الأول يوم 26 ماي الجاري، الأعمال الجديدة لثلاثة من ألمع الفنانين التشكيليين المغاربة هم لحبيب لمسفر، ابن شاطئ الجديدة، الذي منحه الراحل محمد خير الدين لقب "حارس التربة الوطنية"، لأنه منجذب للتربة المغربية بكل روعتها وللأبد، ومحمد المنصوري الإدريسي، الذي استهل مساره الفني بجائزة الفنانين الشباب المنظمة من طرف أكبر مؤسسة بنكية خاصة بالمغرب عامي1991 و1992، كما حصل على الميدالية الفضية للفنون من البرتغال سنة 2008، والميدالية الذهبية من الأكاديمية الأوروبية للفنون ببروكسيل ببلجيكا، وجوهرة الأطلس الفنانة المتألقة عائشة أحرضان الحاصلة على الميدالية الذهبية للأكاديمية الأوروبية للفنون سنة 2009. ويرى المسفر، الذي يستوحي أعماله من المشاهد المغربية، ويعتمد على ثنائية الحركة والضوء، أن المعرض، الذي سيحمل عنوان "حوارات وألوان من الألفية الثالثة" يشكل نقطة التقاء، إذ تتقاطع من خلاله ثلاثة اتجاهات مختلفة لتمتزج وتتقارب في رحلة نحو فضاء زمني وجد فيه كل فنان، من خلال تكوينه الفني وحسه الإبداعي، غايات خاصة تربطه بتيمة محددة، إذ يعمل الزمن على طبع بصمته التي لا تمحى. من جهته يقول الفنان محمد منصوري إدريسي، الذي تألقت أعماله في أكبر الأروقة العالمية من البرتغال إلى البرازيل ومن إسبانيا إلى أمريكا مرورا بفرنسا وبلجيكا، عن تجربته الصباغية، "إنه لا يؤمن بلوحة ترسم من أجل المتعة والديكور، حيث تزدحم الألوان والحركات والضوء، لتنقل محاكاة مشوهة عن واقع هو دائما غير قابل للإمساك، وإنما تستهويه لوحة تؤسس موضوعها الخاص، وتبني رموزها، وتنفتح على تأويلات شتى، بحيث يلتصق الأسلوب ببنائيته، وتتشكل البنائية من خلال أسلوبها". لذلك اختار المنصوري، الذي يتحمل مسؤولية رئاسة المندوبية الجهوية لنقابة الفنانين التشكيليين المغاربة بالرباط، الحوار غير المتناهي بين الإنسان والطبيعة، بين الجسد والطبيعة، إذ يفتقد الجسد كل خصوصياته الثقافية وكل مميزاته من لباس وسحنة، ورموز .. ويصبح أمام قدره غبارا للطبيعة. وتبعا لمقولة شارل باتو، فإن "المبدع الفذ هو الذي يعرف كيف يبدع ويعرض لعلاقات جديدة مع الطبيعة"، هذه الميثاق الجمالي مع الطبيعة بالنسبة للمنصوري، "قلق وجودي غذته اطلاعاته الواسعة على الفلسفة وعلى التصوف، كما غداه نداء داخلي ضد الزيف والتعالي وكل أشكال التهاوي بالحياة والحط من قيمة البشر". وعلى مستوى الاشتغال اللوني، لا نجد في لوحاته الأخيرة امتيازا لأي لون، حتى الضوء يتبادل الأدوار مع العتمة. ويرفض المنصوري الإدريسي أن يعبر اللون عن الحركة، لأن حركة اللون في اللوحة هي بحد ذاتها سكون في الشكل مهما جرى إبرازها. إلى جانب أعمال لمسفر والمنصوري ، يستقبل معرض"حوارات وألوان من الألفية الثالثة"، الذي يستمر إلى غاية 11 يونيو المقبل، لوحات الفنانة التشكيلية المغربية، عائشة أحرضان، التي تتميز أعمالها برموز وعلامات، كأنها عيون نسوة دامعة، وخطوط عنكبوتية منسوجة في ألف شكل وشكل، عبر مساحات شفافة تفصح عن عمق فضاء ممتد إلى عمق بصر. وتمثل العناصر المكونة للمنجز البصري للفنانة عائشة أحرضان كتلة متراكمة أحيانا ومتداخلة أحيانا أخرى، تخضع لمفهوم الانسياب حسب إيقاع خطي يستمد بعده التشكيلي من فنون الأرابيسك والتوريق، التي تستلهم من الطبيعة مواضيعها ومفاهيمها التشكيلية، التكوينية واللونية. ومن ثمة، فكل لوحة تبدعها أحرضان هي مشروع لعدة لوحات، ورغم الكثافة الشكلية والكتل التكوينية والغنى اللوني الشفاف فالمادة كمفهوم بنائي للوحة، عند أحرضان، يظل مبعدا، لأن مقتربه الفني يخاطب الوجدان، دون أن يضع حدا بين الجسد والروح، والتشخيص والتجريد.