حظي ريتشارد نكسون بمجده بفضل رحلته المخترقة للطريق إلى الصين، وخسر مجده حينما تم الكشف عن تتبعه وتنصته على خصومه السياسيين. وقد سار باراك أوباما هذا الأسبوع في طريق نكسون في الاتجاهين، فهو استضاف نظيره الصيني شي جين بنغ، وجهد لعدم الكشف عن مشروع تعقب الاستخبارات الأمريكية في الشبكة العنكبوتية وفي شبكات الهواتف المحمولة، الذي كشفت عنه صحيفتا «الغارديان» و»واشنطن بوست». ومن مزيد المفارقة أن لقاء القمة مع شي جين انعقد في ضيعة وولتر إننبيرغ، رب الصحافة الذي كان مقربا من نكسون وسفيرا له في لندن. كان نكسون الجمهوري محافظا وأمنيا، وانتُخب أوباما الديمقراطي باعتباره ليبراليا. لكن رغم أنهما جاءا من معسكرين سياسيين خصمين فإنهما سلكا سلوكا متشابها بعد أن وصلا إلى الحكم. وخشي كلاهما الأنباء المُسربة وألزما الإدارة بمكافحتها. أما عند نكسون فتنصتوا على أحاديث صحافيين منتقدين وموظفين اشتُبه في كونهم مصادر لهم؛ وفي أيام أوباما تم بدء تحقيقات أكثر مما كان عند أسلافه مع مراسلين ومُسربين للأنباء. وأراد نكسون أن يستخدم سلطة الضرائب على أعدائه في الداخل، وثار من جديد في أيام أوباما شك في أن الجهاز الضريبي استُغل للمطاردة السياسية. لكن «تريكي ديكي»، الذي توفي على شفا عصر الشبكة العنكبوتية، كان يستطيع أن يحلم فقط بالقوة التقنية التي يتمتع بها الرئيس الحالي. أرسل ناس نكسون مخترقين إلى مقر الحزب الديمقراطي في ووتر غيت للتنصت على عدد من خطوط الهاتف، وعرضوا أنفسهم لخطر ضبطهم متلبسين، وهو ما أفضى في نهاية الأمر إلى استقالة الرئيس. ولا يحتاج أوباما إلى هذه الطرق البدائية لأن استخباراته ذات صلة بعمال شركات الأنترنيت الكبرى وتسجيلات المكالمات عند مستعملات الهواتف المحمولة في الباب الرئيس من غير إعمال مداهمة تحت جنح الظلام. وقد تنصت نكسون على أفراد، أما أوباما فعلى مليارات. واستُعملت المعلومات الاستخبارية التي جُمعت من الشبكة العنكبوتية، كما نُشر في توجيه الرئيس الاستخباري اليومي. إن تقنية 2013 لا توجب التنصت على كل حديث بأمل سماع تفصيلات دامغة أو نمائم عن خصوم ومقربين. إن الأنترنيت والهواتف المحمولة وال»جي.بي.إس» وآلات التصوير التعقبية تُقدم الكثير جدا من المعلومات عن كل واحد وواحدة منا أكثر من الهواتف. كان عدو أمريكا قبل أربعين سنة قوة من القوتين العظميين. لكن العدو اليوم هو الإرهابي الفرد، الذي لا يتصل بالضرورة بمنظمة أو دولة عدوين. وفي هذه الحال، يكون كل واحد بمنزلة مشتبه فيه، إن لم يكن بالإرهاب فبإخفاء الضرائب على الأقل: إن كل إسرائيلي يفتح اليوم حسابا مصرفيا يُطلب إليه أن يعلن أنه ليس أمريكيا، وإلا تم إلزامه بأن يؤدي تقريرا عن مدخولاته هنا إلى السلطات في واشنطن. لم ينبع تشكك أوباما ونكسون من طبيعة إشكالية فقط، فقد واجه كلاهما تسريبات لم يسبق لها مثيل في سعتها وقوتها. في 1971، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» وثائق وزارة الدفاع الأمريكية التي كشفت عن الأكذوبة الكبيرة الكامنة وراء التدخل الأمريكي في فيتنام. وبعد بضعة أسابيع، أنشأ نكسون وحدة المراقبة في قبو البيت الأبيض وأرسلها لتجمع معلومات محرجة عن مصدر التسريب دانيال ألسبرغ. واحتاج أوباما إلى مواجهة إحراج برقيات «ويكيليكس» وإلى مواجهة الكشف عن وثائق الاستخبارات الآن. وقد كان الضرر الأمني في كل هذه الأحوال صفرا، لكن الإدارة ظهرت بمظهر المخترقة الضعيفة وأُحرج الرئيس على الملأ. إن الفرق بين أوباما ونكسون هو في مواجهة الكشف الإعلامي، فحينما ضُبط رجال نكسون في ووتر غيت حاول أن يشوش على التحقيق، وهو ما أسقطه في نهاية الأمر. وتعلم أوباما الدرس وسارع إلى تحمل المسؤولية عن أعمال التعقب الرقمية وتسويغها بمسوغات أمنية وقانونية، وهكذا اجتاز موجة الانتقاد الأولى. ويعِد غلين غرينفيلد صاحب المدونة من «الغارديان»، الذي كشف عن القضية، بكشوف صحافية أخرى لكن منشوراته ما زالت بعيدة عن توريط الرئيس بسلوك غير قانوني أو غير مناسب. ولا يتعرض أوباما لخطر ضرر سياسي باستمرار ولايته إلى أن يتم الكشف عن أشرطة مسجلة محرجة من الغرفة البيضوية، كما حدث لنكسون.