قال لي: الرجل العربي دكتاتور بطبعه.. هذا ما استنتجته بعد العراك والاحتكاك به في كافة مجالات الحياة وقراءة ماضيه. لا يؤمن بالحوار ويستلذ بقمع المرأة ويحب أن يبقيها دائما تحت يده.. لا يصلح للسياسة ولا يبحث عن النظام والتنظيم، مع العلم أن الحضارة تقف على هاتين الرجلين. وانظر من حولك إن شككت في ما أقول.. وانصرف مثل السهم من دون حتى أن يترك لي فرصة للدفاع عن نفسي وأنا العربي. بقي كل شيء في حلقي مثل تفاحة آدم... لم أقدر على بلع ما قال، دورت كلامه في رأسي وقلبته على جميع الأوجه وقلت لعله تعرض لوخز من أحدهم. في كل حال، أفواه الناس واسعة، تقول ما تشاء، وهو الذي يقول هذا الكلام، يمكن أن يفعل ما لا يخطر على بال، ولاشك أنه يفعل ذلك في عمله أو مع أسرته، وانصرفت أنا أيضا لحال سبيلي للكد من أجل لقمة العيش. لكن وأنا في الطريق، تذكرت نكتة بقيت عالقة في ذهني منذ أن سمعتها من تلك المرأة المسنة الحكيمة. قالت: "كان لأحدهم حمارين مربوطين، وذات يوم فك أحدهم عقاله وهرب، وتبعه مالكه للقبض عليه، واستعمل كل مجهوده وحيله، لكنه لم يظفر به، فعاد بعصاه وأخذ ينزل أشد العقاب بالحمار المربوط، فاجتمعت الناس حوله تعاتبه على فعله ذلك، قائلين له: "كيف تعاقب حمارا لم يفعل شيئا"، فأدار رأسه أكثر من مرة، وأشار إلى الحمار المربوط قائلا: "واوي هذا إلا تسِيّب غادي يفعل الفعايل". في الترومواي، لم يعجبني كلام أحد الأجانب الذي باح به، في إطار نقاش مع بعضهم البعض، قال: "الناس هنا ماكرون جدا، يستحيل أن تثق بهم.. الأمر غير ما هو عندنا"، وإلى جانبي، كانت امرأة خمسينية تحكي قصة لا يمكن أن يصدقها من لا يعيش في مدينة مثل الدارالبيضاء، كانت تقول للتي تجلس إلى جانبها: "تصوري أنه وضع عليها السكين على عنقها، وأمرها أن تعطيه "الساك" و"البورطابل"، وأخذ كل شيء ونزل في "البلاكة" على خاطرو ولا أحد نبس بكلمة.. الطوبيس كان عامر.. حنا فين حنا، في غابة". حين وصلت المحطة التي أنزل فيها في وسط المدينة، هبطت مع الهابطين، وقلت: لعل الذين يقولون فينا ما يقولون على حق. في المقهى، وبجواري كان صوت الرجل الجهوري يطغى على كل شيء، أزعجني كثيرا، لم يتركني أتناول فطوري "في راحتي"، كلما اعتقدت أنه سيتوقف، يتنحنح ويدفع صدره إلى الأمام ويحرك يديه إلى الأمام والوراء وكأنه في حرب، ويقول: "أقول لها (ويقصد زوجته التي ولد معها الأولاد)، واكلة شاربة، مشي شغلك فين مشيت ولا معا من مشيت ولا وقتاش جيت"، ويلتفت إلى أصحابه ليرى مقدار تقديرهم ل"بطولته"، ثم يؤكد: "المرا ضلعا عوجا المرا آمرا خاصها ديما تبقى تحت الصباط"، آلمني كلامه كثيرا في هذا الصباح، وتذكرت قول صاحبي: العربي ديكتاتور بطبعه، والغريب أن "عنترة" الذي كان يتحدث يبدو من خطابه أنه قاري تبارك الله.. أديت ثمن الفطور للنادل وانصرفت.. كان صوت الرجل لا يفارق أذني خطوة بخطوة، وفي الأخير وجدت نفسي أصيح: "أنت ديكتاتور، فلتسقط.. تسقط.." وسجل.. أنا عربي.