لما كانت العائلة الاتحادية تجمع شمل «الشياع» الذين خرجوا من ورثة الاتحاد الاشتراكي، خرجت الوزيرة الحقاوي لتقول إن البلاد بها «معارضة الخشيبات». والمتابع لتصريحات الوزيرة ينتابه إحساس واضح بأنها أرادت أن ترجع بنا إلى مصطلحات مقاعد الابتدائي بعدما أتحفنا ذكور حزبها بمصطلحات الغابة ودكاكين العطارة؛ ومنذ وصولهم إلى كرسي السلطة، تفرغ إخوان بنكيران لصداع المعارضة، في وقت كان الشعب ينتظر فيه منهم التفرغ لخدمة مصالحه. وحين كان بنكيران ضيفا على البرلمان انسحبت فرق المعارضة. وفجأة، وجد رئيس الحكومة نفسه وجا لوجه مع جنده البرلمانيين. وهنا، أحس بنكيران بأن السياسة بلا أعداء طعامٌ مرٌّ... هو الذي اعتاد، في بناء تواصله السياسي، على مهاجمة من ظل ينعتهم ب«الحزب الأغلبي» و»فلول الاستبداد»... واليوم، انقلبت الآية؛ والظاهر أن بنكيران لم «يهضم» حتى اليوم أنه أصبح حزبا أغلبيا يمتلك السلطة. وإذا كانت المعارضة قد قررت ترك البرلمان، الذي سماه الراحل الحسن الثاني ذات زمن ب»السيرك»، فلأنها اكتشفت متأخرة أن بنكيران بلا معارضة في البرلمان يشبه كثيرا هاتفا نقالا بدون «ريزو»؛ والنتيجة أن أرقام متابعة نسبة المشاهدة أثبتت أن فرجة «السيرك» لم تستقطبْ وتستهوِ المواطنين. والحال أن الناس عندنا ملوا من سياسة الخرافات التي كان لها وقع شعبي في بداية اشتغال هذه الحكومة لما خرج بنكيران يصيح متهما العفاريت والتماسيح والحلاليف... لكن، بعد أن طالت «العشرة» مع هذه المخلوقات غيَّر المواطنُ المحطة، لأن الملل هو عدو السياسة؛ ولما يبني رئيس حكومة سياسته على خطاب التكرار يكون قريبا من المثل الشعبي القائل: «سيدي يحرث بلا سكة ولالة تغزل بلا فلكة والهم جا لعندنا وتكى». لكن الهمّ، الذي تشكو منه هذه الحكومة بعدما وصلت إلى الخلع السياسي بين شباط وبنكيران، يبدو همّا ثنائيا لا تصيب عدواه باقي مكوناتها. وإلى اليوم، لم نسمع وزراء، من أمثال الشرقي اضريس أو أحمد التوفيق أو إدريس الضحاك أو عزيز أخنوش، يشكون من عجائب المخلوقات؛ وحتى اليوم أيضا وطيلة عام ونصف من عمر هذه الحكومة، لم نسمع هؤلاء الوزراء يتكلمون علانية في وسائل الإعلام عن هذه الأزمة السياسية التي انتهت بلجوء حزب الاستقلال إلى الفصل 42 من الدستور الذي يستدعي تدخل الملك بصفته ضامن سير المؤسسات. وبنكيران، في كل ذلك، حين يفتخر بثقة الشعب فيه، والمعبر عنها عبر صناديق الاقتراع التي حملته إلى السلطة، لا يكشف هو الآخر هل هذا الشعب الذي يتكلم عنه يثق في حصيلته الحكومية بعد عام ونصف؟ هل نسي بنكيران أنه فاز بثقة المغاربة لأنه وعدهم ب3 آلاف درهم كحد أدنى للأجور؟ هل نسي بنكيران أن الشعب صوت لصالحه لأنه وعد بتخفيض معدل البطالة إلى حدود 8 في المائة؟ هل نسي بنكيران أنه لما أصبح في السلطة قال في حق المعطلين «إلى دخلو هوما نخرج أنا»، فقط لأن الذنب الوحيد الذي اقترفه أولئك الخريجون من أرقى الجامعات الوطنية أن لديهم محضر توظيف مباشرا من قبل عباس الفاسي أيدت المحكمة الإدارية قانونيته، فيما ذنب بنكيران أنه دخل الحكومة مثله مثل «الغادي للسوق بلا مال والغادي للبير بلا حبال وكالس وسط الجماعة وما رادش البال». وحين نقرأ سلسلة الحوارات اليومية التي تجريها «المساء» مع خالد الجامعي، يحق لنا أن نتساءل: كيف كان سيكون مشهدنا السياسي الحالي لو كان بجانب بنكيران وزير داخلية اسمه إدريس البصري؟ لأن السياسة هي التفاصيل، وإذا كان البصري قد قال إنه لو جمع المعارضين في المغرب في «كابين ديال التيلفون تشيط ليه البلاصة»، فلأنه كان يعلم بأن المعارضة في المغرب حتى لو وصلت إلى الحكومة فإنها لن تصل إلى الحكم. بنكيران وصل إلى الحكومة وشرب السلطة بعد عبور صحراء المعارضة، لكنه لم يخبرنا حتى اليوم بما إن كان قد وصل، فعلا، إلى الحكم. وقديما قال المغاربة إن من علامات العذاب «الشريب من فم القراب».