خلال سنة واحدة منذ وصوله إلى كرسي رئاسة الجمهورية الفرنسية، عقد فرانسوا هولاند حتى الآن ندوتين صحافيتين، آخرهما انعقدت في قاعة في قصر الإيليزيه، وقف فيها هولاند يتصبب عرقا في منصة صغيرة أمام 500 صحافي فرنسي، لأن التقليد الديمقراطي الفرنسي يلزم رئيس الجمهورية بالمثول أمام وسائل الإعلام ليجيب عن تساؤلات رجال الصحافة والإعلام. وخلال سنة واحدة من الحكم، رأى هولاند مؤشرات اقتصاد بلده تتدنى والصحافة تنتقده يوميا والفرنسيين يشاهدون دمى تلفزيونية في برامج «لي غينيول» تسخر منه. وحتى كارلا بروني، زوجة ساركوزي، أخرجت مؤخرا أغنية ساخرة عن «البانغوان» السياسي، تشبِّه فيها هولاند بالبطريق الذي يحكم فرنسا. خلال عام من حكم هولاند، لم يسمع أحد في فرنسا أن الرئيس ينعت صحافة بلاده ومنتقدي سياسته بالمشوشين والعفاريت والتماسيح و«الحياحة»، كما يفعل رئيس حكومتنا. خلال سنة، لم يقل هولاند «مامسوقش» للرد على المختلفين معه في سياسته الحكومية حين طالب اليمين باستقالة الحكومة وإجراء تعديل وزاري بعد فضيحة اكتشاف حساب بنكي سري لأحد وزراء هولاند في الخارج؛ ولم يسمع أحد أيضا هولاند يقول للمعطلين في فرنسا «شكون مصيفطكم؟». عندنا، يتصرف بنكيران حتى الآن مع الدستور في شقه المتعلق بحق المواطن في المعلومة ليس بمنطق الحق بل بمنطق الصدقة. ولما يتعلق الأمر بالصحافة الأجنبية، يستقبل رئيس الحكومة موفديها في مقر إقامته الرسمية ويضع أمامهم كؤوس «البلار» وحلويات كعب الغزال، وحين يتعلق الأمر بصحافة بلاده يستل بنكيران السيف ويجيد لعبة «التمياك»، وحين لا تعجبه تغطية صحافية أو مقال رأي أو خبر، يقرر الخروج إلى «العيب» ويعتبر الأمر مخططا له ويصف الصحافيين بالفلول والموجَّهين من قبل جهات تريد إسقاط الحكومة. مرة، قال الإمبراطور بانبليون بونابارث: «أخشى 3 جرائد أكثر من 100 ألف بندقية»، وبنكيران حتى الآن لم يستوعب أن المرء حين يكون في السلطة عليه أن يقدم الحساب ويستمع إلى أكثر الآراء إزعاجا، وإن كان هناك شخص ما يضيق بالصحافة فعليه تغيير المهنة من السياسة إلى تربية الحمام؛ وقد أبدى بنكيران، حتى الآن، حساسية شديدة من الإعلام حتى إنه ينزعج كثيرا حين ترسمه الصحافة في رسومات الكاريكاتير، وحين يريد بنكيران تمرير رسائله يدخل خيمة الحزب ويخطب، فيما «يوتوب» يتكلف بالباقي. وحتى الآن، وصفة بنكيران في مخاطبة المغاربة هي استغلال أنشطة حزبية تكون مؤمنة من المفاجآت ليقول ما بدا له من كلام. وباستثناء مثوله أمام جلسات المساءلة في البرلمان، يعتقد بنكيران أن ما يجب على الصحافة أن تتوصل به ينبغي أن يكون طبقا مهيَّأ على شاكلة «الضيف ما يتشرط ومول الدار ما يفرط»، كما لو أن الصحافة في المغرب لو أرادت أن تتعرف على آراء رئيس الحكومة عليها أن تنتظر نهاية أحد الأسابيع يكون مبرمجا فيها نشاط حزبي للعدالة والتنمية حتى يظهر بنكيران وفي جعبته رسائل أصبحت منتهية الصلاحية موجهة إلى «البام» وشباط وباقي المخلوقات، أما بخصوص ما فعله لهذا الشعب حتى الآن منذ أزيد من سنة ونصف فيكتفي بنكيران، كما كان يكتفي من سبقوه إلى السلطة، بقوله: «إن الحكومة تحظى بثقة جلالة الملك». في المغرب وحده، يمكن أن تنتخب حكومة وتمضي سنة ونصف وهي تعمل بحكمة «نية العمى في عكازو».. حكومة تشكلت وتحالفت ليس لخدمة الشعب ورفع مؤشرات التنمية بل لتفريق «اللغى»، حكومة تمضي يومها في معاداة التلفزيون والمهرجانات والبحث عن الوزير السكران، حكومة ينتظر منها الناس تصريف شعاراتها الانتخابية وترجمة وعودها برفع الحد الأدنى للأجور إلى 3 آلاف درهم، فإذا بها حكومة يخرج رئيسها ليقول للناس «راني درت شويا ديال الفلوس في البنك»، فما أشبه اليوم بالبارحة لما قال المغاربة ذات زمن «ما درنا بلا شواشي عساك إلى درنا الشواشي».