«أخشى 3 جرائد أكثر من 100 ألف بندقية»، نابوليون بونابارث. للمغاربة علاقة خاصة جدا بالصحافة،... أولا، يجب أن نعترف بأننا نملأ المقاعد الخلفية لنادي القراء في وطننا العربي، فيومياتنا مجتمعة لا تبيع، على كثرتها، ما تبيعه جريدة واحدة في تونس أو الجزائر، أما في مصر فالجريدة تُشترى مع الحليب والقهوة بتلقائية لم نصلها بعد نحن المغاربة الذين نفضل تسول الجرائد في المقاهي والقطارات والحافلات على شرائها. في فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية، اللتين تعيشان على وقع أزمة قراء، لازالت يومية «لوكانار أونشيني» الفرنسية تبيع 700 ألف نسخة يوميا، فيما الموقع الإلكتروني لصحيفة «نيويورك تايمز» يرتاده كل يوم قرابة 30 مليون قارئ، ومع صباح كل يوم يتلهف الملايين عبر العالم للاطلاع على ما جادت به الصحف... فقط لأنها سلطة مضادة تطيح برؤساء الدول والحكومات بنفس السهولة التي تسقط بها الطيور وهي تنظر في فوهات بنادق الصيد من أعلى شجرة. في المغرب، هناك من يريدنا -نحن الصحافيين- أن نكون أحسن من يُعلب الكذب ويقدمه إلى الناس في ورق أنيق كما تُعلب هدايا أعياد الميلاد. وكم كان الروائي الفرنسي الشهير بالزاك ذكيا وهو يقول: «الصحافة، مثل المرأة، كم تكون رائعة وهي تكذب، وكم تكون عنيدة وهي تتمسك بك حتى تصدق كذبها بكل الطرق الفنية، وقارئ الصحف في هذا كله كالزوج الذي يصدق دوما أكاذيبها». هناك بيننا من فضّل أن يصبح صحافيا حتى لا يقال عنه إنه سمسار،... لدينا صحافيون حين يتكلمون من الأفضل أن تحبسوا أنفاسكم حتى لا تزكمكم رائحة الثوم ... ولهذا السبب تشتم في كتاباتهم دوما رائحة «ضامة البنة» التي تعطي النسمات للحوم النتنة حتى يسهل أكلها وهضمها بكل السهولة الممكنة، وحتى لا يعافها القراء وهي بين أيديهم. الصحافة التي لم تعد تخيف من الأحسن لها أن تتحول إلى نشرة خاصة برسوم الأطفال كروايات «زامبلا» و«بليك لوروك» التي كنا نجلبها في أيام الصبا من «الجوطية»، والصحافة التي لا تسقط الرؤوس عليها أن تتحول إلى نشرة خاصة بالحلاقة والتجميل، جراء تخصصها في تقليم أظافر أولياء النعمة حتى لا تظهر مخالبهم للقراء وهم يأكلون أموال الشعب. نابوليون بونابارث، الإمبراطور الفرنسي الذي بسط سيطرته على كافة أوربا حتى مصر وبلغ عدد عساكره أزيد من 3 ملايين في بداية القرن ال19 (الجيوش الأمريكية لا تتجاوز حاليا مليونا ونصف المليون عسكري)، كان يردد دائما أنه «يخشى 3 جرائد أكثر من 100 ألف بندقية»،... فقط لأن الإمبراطور الذي كان يحلو له القول: «لقد أنجزت كل مشاريعي بأحلام جنودي النائمين»، كان يدري أن الصحافة يمكن أن تسقطه في الوقت الذي كانت فيه مئات الآلاف من البنادق ستعجز عن ذلك. في المغرب، هناك من يريد أن يحول الصحافة إلى ما يشبه فرقة «الغياطة»، تزعج فقط بالصوت وهي تتبع المواكب،... وليس بغريب أن أكثر وأسهل من يُنتقدون عندنا هم الوزراء في الوقت الذي ينعم فيه ولاة وعمالٌ وباشاواتٌ وحتى «مقدمين» ورؤساءُ مجالس منتخبة ب«تمياك» ليس مطلقا ببريء، فقط لأن الكثير من هؤلاء هم من يتولون اختيار المراسلين في مناطقهم وتوزيعهم من وراء ستار للعمل في الصحف. أكثر شيء يقتل الصحافة في المغرب هو الرشوة. وفي اليوم الذي تتنظف فيه المهنة، سيتزاحم المغاربة على شراء الصحف...، فقط لأن الجريدة ككأس حليب لا يشربه الناس إذا كان الذباب ساقطا فيه.