لنتذكر قليلا، حين خرج سكان سيدي يوسف بن علي في مراكش، بأطفالهم ونسائهم وشبابهم وشيوخهم، إلى الشارع في دجنبر 2012 يشكون ارتفاع فواتير الماء والكهرباء، تمت مواجهتهم بشراسة أمنية غير عادية واعتقل من اعتقل منهم وخضع للمحاكمة. أكثر من ذلك، لما كان رؤساء الدول والمشاهير يقضون عطلة نهاية السنة في المدينة الحمراء ويتابعون انتفاضة السكان ضد «الحكًرة» وارتفاع تكاليف المعيشة، تقدم نواب العدالة والتنمية في البرلمان بطلب استدعاء العنصر، وزير الداخلية، للإدلاء بشهادته حول تلك المواجهات، بل إن فريق حزب بنكيران في البرلمان ذهب أبعد من ذلك حين طالب بتشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق في تلك الأحداث. لنتذكر أيضا، منذ اليوم الأول الذي تشكلت فيه حكومة بنكيران وهي تواجه انتقادات الصحافة والمعطلين والنقابيين بوصفهم تارة بالمشوشين وتارة بالمسخرين، حيث ظل، في كل تجمعاته العمومية، يردد في وجه رافعي الشعارات السلمية المنتقدة لسياسته قوله: «شكون مصيفطكم؟». وحين نشرنا في «المساء» تقارير إخبارية عن كون استمارات التسجيل في بطاقة «راميد» تعرف بعض الاختلالات في توزيعها بشكل مجاني على المواطنين، وزعت الحكومة الأدوار في ما بينها، حيث طالب العنصر مصطفى الرميد بمحاكمتنا، والأخير ضغط على الزر فاتهمتنا النيابة العامة، التي يعتبر وزير العدل والحريات، رئيسها الأول، أننا «نزعزع طمأنينة المواطنين»؛ وحين صدر في حقنا، كأول جريدة تتابع قضائيا في زمن حكومة الإخوان، حكم بأربعة أشهر حبسا موقوف التنفيذ، خرج بنكيران في البرلمان ليقول «من نهار جينا هادا غير صحفي واحد اللي تحاكم». اليوم حين تجتمع حفنة أشخاص في العيون وتنشئ غرفة عمليات في حي معطى الله متصلة بالقواعد العسكرية الجزائرية وقيادة البوليساريو في مخيمات تندوف تتوصل بالتعليمات والتكتيكات العسكرية، وتخرج لتجوب الشوارع عبر سيارات رباعية الدفع من آخر طراز وتنفذ مهمة زعزعة استقرار الوطن وإعادة رسم خريطة إقليمية جديدة للمنطقة من خلال الاعتداء على قوات الأمن وعلى الممتلكات العامة وتزرع الرعب وسط السكان وتنقل، بالصوت والصورة، مواجهاتها إلى الخارج لتقدم المغرب إلى الرأي العام العالمي كأنه سوريا جديدة في شمال إفريقيا،... تكتفي الحكومة بإعلان أنها تتحكم في الوضع وأنها على علم بوجود تمويلات مالية أجنبية لتلك ا لأحداث. لم نسمع، مثلا، أن بنكيران خرج في تجمعات خطابية «يكشكش» كما يفعل معنا نحن الصحافيين، لم نره يصف هؤلاء الانفصاليين بالمشوشين والعفاريت والتماسيح الذي يريدون أكل خريطة الوطن وتمزيقها وشطرها من النصف وتقديمها على طبق من الدماء إلى حكام الجزائر؛ لم نسمع بوانو، مثلا، يطالب بإخراج قانون العزل السياسي في حق هؤلاء الانفصاليين عوض تطبيقه على شباط والعماري وبنشماس... لم نسمع أيضا العنصر يطالب الرميد، كما فعل مع «المساء»، بفتح تحقيق قضائي في توصل أشخاص بحقائب مالية من الخارج لزعزعة استقرار المغرب، ولم نسمع بنكيران يقول لهؤلاء الانفصاليين «شكون مصيفطكم؟» كما يفعل مع المعطلين أو، على الأقل، يصفهم بالفلول كما يفعل معنا نحن،... حتى «التغوبيشة» التي ظل بنكيران يواجه بها منتقديه لم تظهر على محياه حين كان موالون للبوليساريو والجزائر يطوفون ب»الكات كات» في العيون يرشقون قوات الأمن بالمولوتوف ويمزقون أعلامنا الوطنية. لما نسمع تقارير الداخلية تقول إن مغاربة جندوا بمبالغ مالية تبدأ من 200 درهم لزعزعة استقرار المغرب انطلاقا من العيون، علينا أن نضع أيدينا على قلوبنا لأن الأمر يكشف لنا كيف أصبحت الخيانة عندنا بضاعة رخيصة الثمن ولا تؤدي بصاحبها إلى السجن، وكيف أصبح الوطن يباع ب «الديطاي»،... أما حكومتنا فقد أخطأت عنوان العفاريت وهوية التماسيح منذ اليوم الأول، والمغاربة قديما قالوا «اللي ربى الغراب ينقب لو عينو».