يعلم الله كيف يقضى السي عبد الإله بنكيران أيامه، فرئيس حكومتنا، الذي ظل ينتشي بقولته الغراء «ما مسوقش» جوابا عن مطالب حليفه الاستقلالي شباط، لا شك أنه أمضى لياليه الماضية يقول لنفسه: «لُو كان ما خفت من الطلاق كون بقيت حتى يخلاق»، فقط لأن شباط قفز على حائط الأغلبية ومرّ إلى السرعة النهائية وأدخل البلاد في تمرين دستوري غير مسبوق بأن جمع برلمان حزبه وخرج بقرار «حدك تما» في وجه بنكيران الذي عليه إما أن يعيد «الضمصة» ويوزع أوراق اللعب من جديد أو يعلن خروجه هو الآخر من هذه التجربة بعد أن وضع حزب الاستقلال «ميسة» على الطاولة. وضع شباط، كزعيم استقلالي يقود ثاني أكبر حزب في المغرب بيدين متحررتين من الحقيبة الوزارية، يجعل منه كائنا سياسيا زئبقيا، يتموقع بحرية ويختار مطالبه بدون حرج. ولما اختار بنكيران قيادة الحكومة ووضع الدستور الجديد في الثلاجة، رأى شباط، في المقابل، أن أحسن شيء يمكن فعله هو تجريب وصفات الدستور الجديد، تماما كالذي دخل قاعة رياضة وأراد تجريب جميع الآلات. وفي الوقت الذي اختارت فيه حكومة الإخوان تجريب «الجاكوزي» وأرخت فيه أجسامها، قرر شباط الدخول إلى «الصونا» ورفع درجة الحرارة بأن جعل لبنكيران «الراحة على راس ليبرا». لكن أجمل رد على وصول تجربة الإخوان إلى طلاق الخلع مع حزب الاستقلال جاءنا من الخميسات؛ فبعد ساعات قليلة على إعلان شباط العصيان معلقا عمر هذه الحكومة بين الحياة والموت، برز نبيل بنعبد الله في صور «هزان الكتف» مع أحواش، حيث ظهر الوزير الشيوعي وسط «البنادر» بقميص مفتوح الصدر، ولم يُعلم ما إن كان بنعبد الله «يهز كتافو» احتجاجا أم شماتة لوصول «الماء والشطابة إلى قاع البحر». وإذا كانت «المحبة الزربانة مفرقة في نهار»، فنبيل بنعبد الله حولها إلى «مفرقة بالبندير». وحين كان المغاربة منشغلين بما وقع لحكومتهم وبمصيرها وتبادلوا في ما بينهم التكهنات والقراءات في المقاهي والأسواق والحمامات..، فإن التلفزيون عندنا كان له رأي آخر في مجريات الأمور، وعوض تسليط الضوء على ما جرى وتمكين المغاربة من حقهم في الخبر، طالعنا التلفزيون، الذي يشرف عليه الوزير مصطفى الخلفي، بتقارير إخبارية عن تقطير ماء الورد في فاس كمادة إخبارية مركزية. والواقع أن اختيار مسلك «التمياك» التلفزيوني عن أخطر منعرج سياسي تمر منه الحكومة، يستفاد منه أن النمل عندنا دخل مساكنه خشية من شباط وجنوده. وليس بغريب أن ينصب بنكيران نفسه، بعد إعلان شباط للعصيان، ناطقا أوحد باسم حزب العدالة والتنمية، لأنه حين عول على ابن النحوي في قصيدة المنفرجة وهو يقول «اشتدي أزمة تنفرجي»،... اتضح له الآن أن مقولة «مامسوقش» لم تجلب له سوى تقطير ماء «القطران» على بياض جلابة الحكومة. ومنذ أن أعلن شباط خروجه من بيت الزوجية، لم نسمع بنكيران ينبس بربع كلمة، اللهم دعوته لأنصاره إلى إقفال الأفواه وتركه بمفرده يدبر هذا المصاب الجلل. وإلى اليوم، لا زال بنكيران مختليا بنفسه في الطابق السفلي، فيما شباط أعتلى الطابق ال42 من الدستور الذي أوصله إلى التحكيم الملكي مباشرة. وهو الآن ينتظر استقبال الملك له بعد مهاتفته إياه. أما بنكيران فلا شك أنه غير متعود على لعبة «كابي يا» في السياسة،... لأن شباط، الذي فقد حزبُه المرتبة الأولى، دخل الحكومة آملا ظهور «الطرونفو». والآن بعد أن امتلك «الجوكير»، ترك لبنكيران «التشانك»، وهي الأوراق التي لا قيمة لها في لعبة «الكارطة». السياسة تشبه خيوط «لاستيك»، تتمدد وترتخي لوجود قوة فيزيائية، وأقصى ما تصل إليه هو «التقطاع». شباط، بذكائه، جر الخيط وأرخاه؛ لكن بنكيران بقي متمسكا به، و«اللطمة» كانت قوية و«الزروقية» ظهرت الآن على وجه الحكومة.