بعد وصف الوزير عزيز الرباح السياسة في المغرب بكونها نزلت إلى الوادي الحار مع شباط، يليق القول إن السياسة عندنا دخلت عهد «الصولد». ومنذ اليوم الذي حملت فيه صناديق الاقتراع الإخوان إلى الحكومة، ظهر بنكيران منتشيا، مبتسما وفرحا أكثر من اللازم. ومن راجع صور بنكيران وهو خارج من مقر حزب العدالة والتنمية وفي يديه عباس الفاسي وامحند العنصر ونبيل بنعبد الله، سيظهر له أن بنكيران، الذي غطت الابتسامة محياه بعد أن وجد في حزب الاستقلال الحليف الأغلبي لقيادة الحكومة، نسي أنه اتفق مع عباس الفاسي في الوقت بدل الضائع من عمره السياسي، وأن شباط، الذي حل محله على رأس حزب الاستقلال، إنما جاء فقط ليهرب له بالفأس، وبنكيران في ذلك لم يضع في حسبانه مقولة المغاربة «جا يعاونو في قبر اباه ساعا هرب لو بالفاس». وبعد عام ونصف من عمر هذه الحكومة الباكية المشتكية، ظهر جليا أن قيادات حزب العدالة والتنمية نجحت في شيء واحد فقط، هو أنها أدخلت «الريجيم» إلى شعاراتها الانتخابية التي كانت عملة قابلة للصرف زمن المعارضة، وبعد أن وصلت إلى الحكومة تبين لها أن تلك الشعارات لا تصلح سوى ل»تبدال السوايع»؛ فبنكيران، الذي بحّ صوته وكشر عن أسنانه مطالبا بإسقاط الفساد والريع والاستبداد، أصبح يحارب الرشوة بالإشهار، والرميد، الذي أفنى عمره مدافعا عن حقوق الإنسان والمعتقلين السياسيين والإسلاميين وكان وجها عنيدا منتصبا في وجه الفساد ولم يفتأ يطالب باستقلالية القضاء، تحول هو الآخر إلى مجرد صوت حكومي أقصى ما يطالب به هو إلغاء مهرجان «موازين»، أما القيادي بوانو فبعد أن ظل يوصف بصقر العدالة والتنمية اختصر الطريق حين دعا إلى تفعيل قانون العزل السياسي للتخلص من وجع الرأس الذي يسببه بنشماس وإلياس العمري وإدريس لشكر وحميد شباط. وحين يستفيق المغاربة ويجدون مجموعة تخطط لقطع خريطة المغرب من النصف، بتنسيق مع قيادة البوليساريو وحكام الجزائر، في الوقت نفسه الذي يجد فيه بنكيران ويجتهد للكشف عن هوية «الوزير السكران» في اجتماع لزعماء الأغلبية، نفهم بسهولة لماذا تجد الجزائر والبوليساريو الوقت المريح للضحك علينا، نحن الذين لدينا حكومة تشتكي وتخاطب الجن وتمارس حتى المعارضة، وهم الذين يضعون أموال النفط والغاز ويخططون ويعيدون رسم خارطة ميزان القوى الإقليمية وفق أهدافهم الموروثة من عهد البلاشفة: مغرب ضعيف، منهك ومنشغل بالصحراء وجزائر قوية مسلحة تضيء بغازها أوربا ويشغِّل بترولها اقتصاد أمريكا. ما يقع اليوم لبنكيران ليس بسبب شباط أو التماسيح... إن وصول التحالف الحكومي إلى الوادي الحار يفيد بأن بنكيران لم يحسن اختيار أغلبيته، فشباط فهم، منذ تصدره زعامة حزب الاستقلال، أن عليه أن يكون رقما يحسب له حساب طالما هو الحزب الثاني في الانتخابات؛ وبنكيران، الذي تحالف واتفق مع عباس الفاسي وهو خارج منهكا من رقعة الملعب نحو تقاعده السياسي، أراد أن يلعب «العشرة» لوحده، والنتيجة عناد سياسي وطفولي أوصل البلد إلى «بويا عمر»، وحين حركت الجزائر والبوليساريو أذرعها في الداخل والخارج، لم تقم بذلك اعتباطا بل لأنها تعلم بشكل دقيق أن حكومة المغرب تائهة وغير منسجمة وتبحث فقط على «جنب الراحة»، وأن الوقت مناسب لتوجيه مزيد من الضربات الموجعة إلى بلد به حكومة في طور التعلم. غريب أن يعترف وزير الداخلية العنصر بأن جهات خارجية مولت أحداث العيون بينما لا نسمع عن تحقيقات قضائية، والأغرب من كل ذلك أن شباط حين يهدد بالخروج من الحكومة فإن قيادات العدالة والتنمية تستقبل ذلك بفرح واغتباط، كأن استقرار البلد في هذا الوقت بالذات مسألة مفرحة، لكن المؤكد في كل ذلك أنهم في الحكومة يعتنقون شعار «كلها وقبرو»، حتى الوطن أصبح له قبر، ف»لهلا يخيرنا في اضرار».