وأخيرا وجد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مخرجا حتى وإن كان ضيقا، لإعفاء وزيرة العدل، رشيدة داتي، من مهامها تلبية للدعوات الحثيثة من بعض الدوائر السياسية والإعلامية النافذة التي تحاملت عليها بشدة، واعتبرتها غير مؤهلة لتدبير شئون القضاء. وبرر الرئيس ساركوزي قراره بكون وزيرة العدل المنحدرة من أصول مغربية «ستترك الحكومة العام الحالي لتخوض الانتخابات الأوروبية» المقررة في يونيو القادم، وهي الانتخابات التي رفضت وزيرة حقوق الإنسان، راما ياد، خوضها بعد أن طلب منها رئيس الجمهورية ذلك. ويمثل خروجها من الحكومة، بعد عامين فقط من توليها لمنصبها انتكاسة شخصية لرشيدة، وكذبة مكشوفة للرئيس ساركوزي الذي ظل على امتداد الشهور يتباهى في مجالسه الخاصة والعامة ب»ذكائها الثاقب» وكفاءتها وأيضا اندماجها الناجح في النسيج الاجتماعي الفرنسي حتى اعتبرها «رمزا للتعددية الثقافية» في فرنسا. وفي معرض ردها على قرار ساركوزي، قالت رشيدة: «حينما يكون المرء رجل سياسة فهو لا يملك لا منصبه ولا مدة الدوام في منصبه. ولذلك فإنه من بواعث الشرف أن عينت وزيرة للعدل ومغادرتي الوزارة اليوم تندرج في سياق مساري السياسي». وتعرضت داتي منذ شهور إلى حملة إعلامية غير مسبوقة من قبل الهيئات السياسية والقضائية والإعلامية بفرنسا التي طالبت دفعة واحدة برأسها، بعد أن كانت قبل عشرين شهرا من وصولها إلى مبنى وزارة العدل، بساحة فاندوم الشهيرة، موضع توقير من الجميع بسبب قربها من الرئيس الذي غمرها بحماية آنية خاصة. وذهبت الحملة الممنهجة على وزيرة العدل إلى حد أن وسائل الإعلام رأت في عودتها إلى العمل بعد خمسة أيام فقط من ولادة طفلتها، خوفا واحتراسا منها من أن تضيع منصبها الوزاري. وقد أكد ساركوزي أن داتي ستمثل حزبه «الاتحاد من أجل حركة شعبية» في الانتخابات البرلمانية الأوربية التي لا تحظى عادة باهتمام كبير. وستأتي في الترتيب الثاني على قائمة مرشحي الحزب في منطقة باريس، بينما سيأتي وزير الزراعة ميشيل بارنيي في الترتيب الأول. والأسماء المتصدرة لقوائم الأحزاب لها في الغالب حظوظ وافرة للفوز في هذه الانتخابات. وقال ساركوزي إن داتي لن تكون قادرة على الاحتفاظ بمنصبها كوزيرة لأن «القاعدة تقتضي أن يشغل المرشحون الذين سينتخبون في البرلمان الأوربي مقاعدهم هناك». وداتي هي أول شخصية من أصول مغربية تصل إلى واحد من أعلى المناصب الحكومية بفرنسا، الشيء الذي أغاظ الكثير من خصومها الذين اتهموها أحيانا بالاستعلاء والميل على غرار ساركوزي إلى الترف والبذخ والظهور بفساتين «ديور» في وقت يتزايد قلق الفرنسيين من تدني قدرتهم الشرائية، وأحيانا أخرى بالتعامل بقسوة مع مساعديها وبمحدودية مهنيتها في التعامل مع الكثير من الملفات القضائية.