سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بوانو: الحديث عن استنساخ التجربة التركية في المغرب مجرد عبث المختص في العلاقات المغربية التركية أكد أن حزب العدالة والتنمية يسعى إلى صناعة تجربة مغربية محضة
يوضح إدريس بوانو، الباحث في العلاقات الدولية والمختص في العلاقات المغربية التركية، في هذا الحوار، أهم الانتظارات من الزيارة التي من المرتقب أن يبدأها اليوم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى المغرب، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، وأيضا تأثير معطى قيادة حزب العدالة والتنمية للحكومة على تعميق العلاقات بين البلدين. المختص في العلاقات المغربية التركية، أكد ل«المساء» أن الحديث عن محاولة استنساخ حزب العدالة والتنمية المغربي للتجربة التركية هو مجرد عبث، على اعتبار أن لكل بيئة خاصياتها ومعطياتها التي تختلف عن معطيات الدول الأخرى، مؤكدا أن حزب المصباح المغربي سيسعى مستقبلا إلى الاطلاع على مميزات التجربة التركية للاستفادة منها، وأيضا على سلبيات تلك التجربة من أجل تجنبها.
- ما هي أهم الانتظارات من الزيارة المهمة التي يقوم بها رئيس الوزراء التركي إلى المغرب؟ هناك تأكيد من لدن كل المتتبعين والدارسين على أن النموذج الإصلاحي التركي، جرى في إطار ثورة سلمية صامتة، قادها حزب العدالة والتنمية التركي من داخل النظام وفي ظل ما تسمح به شروط اللعبة الديمقراطية، والزيارة الرسمية لرئيس الحكومة التركية، تأتي في هذا الظرف الدقيق لتدعم مسار الإصلاح الذي انتهجه المغرب، في ظل معادلة الإصلاح من داخل الاستقرار، وهي شبيه بما حدث في تركيا قبل سنوات. كما ينتظر من الزيارة الهامة التي يقوم بها رئيس الحكومة التركية، أن تضع لبنة أخرى في صرح بناء شراكة استراتيجية سياسية واقتصادية بين البلدين، إضافة إلى بعد اقتصادي للزيارة، حيث ينتظر أن يكون هناك تشاور بين مسؤولي البلدين، في أفق الرفع من حجم التبادل التجاري بين المغرب وتركيا. - هل تشكل قيادة حزب العدالة والتنمية للحكومة عاملا محفزا لتمتين العلاقات بين البلدين ؟ نعلم أن حزب العدالة والتنمية بالمغرب منفتح على مختلف التجارب السياسية، وتحذوه الرغبة للاستفادة من مقومات النجاح من كل التجارب، سواء المحيطة به أو البعيدة عنه، فهذا هو منهج الحزب، وهذه هي الإضافة النوعية التي يتمتع بها، فهو ليس حزبا منغلقا بقدر ما هو حزب مفتوح ومنفتح على التجارب الأخرى. وعبر السنوات الماضية، راكمت قيادته رصيدا من العلاقات مع قادة كثير من التجارب، وتبقى عملية استفادته من هذه التجربة أو من تلك غير مرتبطة بمدى القرب أو البعد الإيديولوجي، بقدر ما هي مرتبطة بحجم العلاقات التي تربط قيادة حزب العدالة والتنمية المغربي بقيادة هذه التجربة أو تلك، وأيضا ترتبط بالمساحة التي يمكن الاستفادة منها، لأنه في النهاية لكل تجربة بيئتها وتربتها وملابسات تكونها. واليوم من المؤكد أن جل المراقبين والمتتبعين يعتبرون التجربة التركية نموذجية، وحققت نجاحات مقدرة على جميع الأصعدة، وهي اليوم محط تقدير ورصد ومتابعة من لدن العديد من الدول، سواء بالعالمين العربي أو الإسلامي، وباقي المؤسسات البحثية والعلمية بالغرب والشرق. وبحكم العلاقة الجيدة التي تجمع قيادة هذا النموذج بقيادة حزب العدالة والتنمية المغربي، فسيكون هناك لا محال استثمار جيد لهذه العلاقة بما يفيد بلادنا ومجتمعنا، وقدر كبير من ذلك قد حصل منذ سنوات، من خلال الزيارات المتبادلة، وسيستمر خاصة في ظل الظرفية الحالية التي يتزعم فيها الحزبان مقاليد التدبير الحكومي. - كيف يمكن استغلال زيارة أردوغان لانتزاع مواقف سياسية داعمة للمغرب؟ الزيارة الرسمية اليوم التي يقوم بها رئيس الحكومة التركية لبلدنا تأتي في سياق دعم منهج التغيير الذي سلكته البلدان في ظل معادلة التغيير والإصلاح من داخل الاستقرار، وهو المنهج الذي كانت له نتائج مهمة، وتعلمون أن هناك شبه تطابق في مواقف البلدين من مختلف القضايا الكبرى، وهو ما عبرت عنه قيادة البلدين في المحافل الدولية، والمغرب ربما اليوم لا يحتاج إلى انتزاع أي موقف من الطرف التركي، فمواقف الأتراك تجاه قضايانا واضحة، وزيارة أردوغان اليوم هي لتعميق العلاقة التي تجمع البلدين، والرقي بها نحو شراكة اقتصادية وسياسية واستراتيجية. فالعناصر المشتركة التي تجمع البلدين، وتشابه موقع البلدين الجغرافي والجيو سياسي، يؤهل بلدينا للعب أدوار طلائعية على مسرح الأحداث الدولية، علما أن هناك سعيا حثيثا للاستفادة من المؤهلات والخبرات والمعطيات التي يتوفر عليه بلدانا من أجل الوصول إلى نموذج سياسي وتنموي رائد. - هل يمكن أن يراهن المغرب على تركيا كقوة اقتصادية صاعدة من أجل مساعدته على الخروج من أزمته الاقتصادية؟ تعلمون أن تركيا حققت خلال العشر سنوات الأخيرة، إنجازات اقتصادية كبيرة وهائلة منذ تولى حزب العدالة والتنمية التركي التدبير الحكومي عقب فوزه في انتخابات 2002، وقد ساهمت هذه الإنجازات الاقتصادية في اقتراب تركيا من التحول إلى قوة اقتصادية عالمية عظمى. وبفضل الوصفة الاقتصادية التي نهجها الساسة الأتراك، والتي تضمنت إجراءات صارمة مكنت البلاد من اجتياز مرحلة عصيبة شبيهة بما تمر به بلادنا اليوم، ويكفي أن نشير بلغة الأرقام إلى أهم الإنجازات التي حققها الاقتصاد التركي، حتى صار اليوم من أقوى الاقتصادات، ولم يكن ذلك إلا بفضل سياسة حكومية وضعت خطط محكمة جعلت على رأسها هدفا كبيرا وطموحا، وهو أن يصبح الاقتصاد التركي من ضمن العشرة اقتصاديات الأوائل في العالم خلال سنة 2023، وهو اليوم فعلا في طريق الوصول لهذا الهدف، وبلغة الأرقام يكفي أن نشير إلى ما يلي: يرتب الاقتصاد التركي في المرتبة السادسة على صعيد الدول الأوربية السبعة والعشرين، وفي المرتبة 17 من ضمن دول العالم، علما أن حجم التجارة الخارجية وصل فقط خلال عام 2012 إلى 389 مليار دولار، بدلا من 88 مليار دولار الذي كانت عليه خلال سنة 2002، وحجم الصادرات وصل خلال سنة 2012 إلى ما يناهز 152.6 مليار دولار، مقارنة ب 36 مليار دولار خلال سنة 2002، في حين أن الناتج المحلي وصل خلال سنة 2012 إلى ما يناهز 797 مليار دولار، بعدما كان لا يتعدى 180 مليار دولار خلال سنة 2002. معدل متوسط النمو خلال العشر سنوات الأخيرة عرف تقدما ملحوظا، إذ أصبح معدل متوسط نموها الأول على الصعيد العالمي بمعدل 5.1 في المائة، وخلال سنة 2011 حققت معدل نمو بلغ 8.6 في المائة، أما متوسط دخل الفرد فقد صل إلى 10973 دولار خلال سنة 2012، واحتياطي البنك المركزي خلال سنة 2001 وصل إلى 22 مليار دولار، ليقفز خلال هذه السنة إلى 124 مليار دولار، في حين أن حجم الاستثمار الأجنبي وصل إلى 122 مليار دولار، بعدما كان لا يتعدى سنة 2007 ما مجموعه 22 مليار دولار. أعتقد أن هذه الأرقام دالة على حجم التطور الاقتصادي الذي بلغته تركيا بفضل المجهودات الكبيرة والضخمة التي قادها حزب العدالة والتنمية، ونحن هنا لا ندعو إلى استنساخ النموذج التركي في بعده التنموي أو الاقتصادي أو السياسي، بل نؤكد على ضرورة أن نستفيد من جوانب التفوق الذي يتميز به هذا النموذج، ومحاولة إيجاد سبل التعاون المشترك لتحقيق ما نطمح إليه في بلادنا، ولعل مثل هذه الزيارات الرسمية، والزيارات البينية الأخرى على المستوى القطاعي، تتيح فرصة الاطلاع على هذا النموذج، كما تتيح فرص تطوير إمكانيات الاستفادة منه، وهذا ينسجم مع رغبة المسؤولين في بلادنا في تنويع شركائنا الاقتصاديين. هل يمكن لحزب العدالة والتنمية المغربي استنساخ التجربة التركية في المغرب ؟ هناك عوامل متعددة ساهمت في بروز النموذج التركي، فنحن من جهة أمام «مدرسة جديدة» في الفكر والممارسة السياسية، منبثقة من رحم ديمقراطية ناشئة ومتعايشة مع العلمانية، ولا تجد تعارضا بين تعاليم الإسلام وحقوق الإنسان. نحن اليوم أمام نموذج من الحكم، حريص على تحقيق التوازن بين الأمن وحقوق الإنسان والعدالة والتنمية للجميع، واستقلالية القرار الوطني وصناعة التنمية الذاتية، وترسيخ النظام الديمقراطي التركي بعيدا عن الانقلابات العسكرية، وأمام نموذج وضع مصلحة تركيا فوق أي اعتبار، وجعل الحاكمية للشعب والقانون، وليس للقوة مهما كان مصدرها. وقد يكون من العبث استنساخ هذه التجربة أو هذا النموذج، فلكل تجربة ملابساتها وتربتها وهواؤها الذي لا يمكن قطعا أن يتطابق مع بيئة تجربة أخرى، لذلك فحزب العدالة والتنمية المغربي لم يخطر ببال قادته، مهما بلغت علاقاتهم بقيادة حزب العدالة والتنمية التركي، أن يسعوا لاستنساخ هذه التجربة، فنحن لدينا تجربتنا التي صنعناها انطلاقا من رؤيتنا ومنهجيتنا، لكن ذلك لم يمنع من أن نستفيد من فرص النجاح التي عرفتها التجربة أو النموذج التركي، كما لن تمنع من الوقوف على مكامن القوة والتفوق داخل هذا النموذج والاستفادة منها، وأيضا التعرف على مكامن الضعف في هذا النموذج من أجل تجنبها. هذه طريقة اشتغال حزب العدالة والتنمية المغربي، وطموحه هو صناعة تجربة مغربية مستوعبة للإكراهات الداخلية التي تعرفها بلادنا، ومنفتحة على مكامن التفوق والتميز التي تميز التجارب السياسية والاقتصادية من أجل الاستفادة منها.