توصلت جريدة "لوفيغارو" الفرنسية إلى معطيات جديدة بخصوص تفجير القنصلية الأمريكية ببنغازي الليبية، وحسب المعطيات التي حصلت عليها الصحيفة، ففي لحظة شن التفجير، كان يتواجد نحو عشرين عنصرا ينتمون للوكالة المركزية للمخابرات داخل ثاني أكبر المدن الليبية. اليوم تتساءل الكثير من وسائل الإعلام عن المهمة الحقيقية لعناصر جهاز المخابرات الأمريكي، وسبب تواجدهم داخل المبنى الدبلوماسي، وطبيعة الأعمال التي كانوا يقومون بها، والتي جعلتهم عاجزين عن اكتشاف الخطر. بينما يستمر المعسكر الجمهوري في التلويح بما وقع أثناء تفجير السفارة الأمريكية ببنغازي، وذلك من خلال التنديد ب "أكاذيب" أوباما، والمطالبة بإنشاء لجنة مستقلة لأجل التحقيق بشكل مستقل ومعمق في حيثيات التفجير، تؤكد بعض المنابر الإعلامية الأمريكية بأن المعارضة تخطئ الهدف. وعلى أمل التمكن في أحد الأيام من فهم حيثيات هجمات الحادي عشر من شتنبر 2012 بليبيا، وظروف وفاة السفير الأمريكي كريس ستيفنز، التي لا تزال غامضة، فضلا عن ثلاثة موظفين ضمن فريقه، يتعين، حسب ما تقول نفس المنابر الإعلامية، تسليط الضوء على فاعل متستر، لكن دوره محوري في الأزمة؛ ألا وهو وكالة المخابرات المركزية. "وكالة المخابرات المركزية هي الفيل الذي لا يريد أن يراه أي أحد، الفيل الضخم والثقيل الذي يصطدم بكل ما يحيط به، حتى في الحالة التي يحاول فيها الجميع عدم التحدث عنه"، يؤكد، على سبيل المثال، كريستوفر ديكي، الصحفي المشتغل بالموقع الإخباري "دايلي بيست". "وكالة المخابرات المركزية أخطأت تقدير درجة الأخطار الأمنية ببنغازي وساهمت بشكل كبير في حالة البلبلة التي تلت الحادث"، يضيف الصحفي، وذلك من خلال توجيه المسؤولية للمدير السابق لوكالة المخابرات المركزية، ديفيد بترايوس، الذي نجح لحد الساعة في الإفلات من المتابعة. "لقد حان الوقت للتداول بشأن العملية السرية لوكالة المخابرات المركزية، التي هي في صلب فضيحة بنغازي"، يؤكد الصحفيان مايكل كيلي وجيوفري إنغرسول بالجريدة الإلكترونية "بيزنيس إنسايدر". قناة "سي إن إن" تشاطرهم الرأي نفسه: "الرأي العام في حاجة أكبر لمعرفة دور الوكالة، يؤكد جايك تابر. هذا لن ينقص في شيء الأسئلة المتعلقة بعناد البيت الأبيض في التقليل من شأن هذه الهجمة الإرهابية. لكن دور وكالة المخابرات المركزية، وإخفاقاتها الواضحة في مجال الاستخبارات، وعنادها في الدفاع عن الطرح الذي يقول بأن شريط الفيديو مسيء للرسول والمسلمين هو ما أدى إلى شن الهجوم، يستدعي القيام بالتحقيق بشكل أعمق فيما وقع". وبالنسبة للصحفيين، إذا كانت وكالة المخابرات المركزية قد نجت بفضل حيطة وحذر الجمهوريين والديمقراطيين، على حد السواء، فذلك لأنها كانت تنفذ مهمة استخباراتية حساسة، لا يود أي أحد الكشف عنها. الأمر الأول الذي يشير له الصحفيون بناء على مصادر من داخل إدارة أوباما والمعلومات المستقاة من جلسات الاستماع السرية داخل الكونغرس، هو أن عبارات "بعثة دبلوماسية" و"قنصلية"، التي استعملت منذ شهر شتنبر للإشارة للمباني الأمريكية التي تعرضت للهجوم شهر شتنبر ببنغازي من قبل متطرفين إسلاميين، موهت الواقع حول كون هذه المهمة قبل أي شيء آخر هي عملية لوكالة المخابرات المركزية، تحت غطاء دبلوماسي. وحسب موقع "بيزنيس إنسايدر"، فهذه العملية المحاطة بالسرية التامة، والتي استدعت مشاركة نحو 20 عنصرا من الوكالة، والتي تمت بداخل ملحقة تبعد بحوالي كيلومترين عن المبنى الرسمي للتمثيلية الدبلوماسية الأمريكية، تم الحديث عنها لأول مرة شهر أكتوبر، خلال جلسة استماع لتشارلين لامب، المسؤولة عن مكتب الأمن الدبلوماسي داخل وزارة الخارجية الأمريكية. الخبر أكده بعد ذلك مصدر رسمي لصحيفة "وول ستريت جورنال" شهر نونبر. وهذا ما يطرح سؤالا جليا؛ لماذا، في ظل التواجد الكبير لرجال المخابرات، لم تتمكن وكالة المخابرات المركزية من توقع حدوث الهجوم؟ ولماذا لم يتم طلب الاستماع للوكالة بخصوص هذه النقطة بالذات؟ وكيف، في ظل الظرفية المتأزمة للمرحلة، وفي ظل سلسلة الهجمات ضد المقرات الدبلوماسية، اعتبر السفير ستيفنز بأنه لا يوجد أي أمر يبعث على القلق يمنعه من التوجه إلى بنغازي بتاريخ 11 شتنبر، خصوصا وأنه يتزامن مع ذكرى هجمات القاعدة على أمريكا؟ ردع اختراقات المتطرفين لدى صحفيي "بيزنيس إنسايدر" و"دايلي بيست" تأويلاتهم الخاصة بخصوص ما وقع. وبالنسبة لهم، إذا تجنبت الوكالة الخضوع للمساءلة بفضل حيطة وحذر أعضاء الحزب الجمهوري والديمقراطي، فذلك لأنها كانت تنفذ مهمة جد حساسة، لا يرغب أي أحد في الكشف عنها. ما نعرفه على وجه التحديد هو أن الوكالة كانت تسعى إلى التصدي لخطر الإرهاب، وذلك من خلال ردع الاختراقات التي كان يقوم بها السلفيون من خلال استغلال حالة الفوضى التي كانت تعم في ليبيا. ونزولا عند رغبة هيلاري كلنتون، تكفلت وكالة المخابرات المركزية بالقيام باسترداد آلاف الأسلحة التي استولى عليها الثوار الليبيون من داخل مستودعات القذافي خلال فترة الحرب، لاسيما صواريخ أرض جو المضادة للطائرات. لكن موقع "بيزنيس انسايدر" يتساءل، كذلك، عما إن كانت الوكالة شاركت، لحظة وقوع الهجوم، في إمداد الثوار السوريين بصواريخ أرض جو انطلاقا من مدينة بنغازي. الجريدة الإلكترونية تؤكد أنه من الوارد مشاركة الحكومة الليبية الجديدة في إرسال 400 طن من الأسلحة إلى سوريا، بما فيها الصواريخ المضادة للطائرات، وذلك عبر ميناء يقع بجنوب تركيا. ومن المحتمل أن يكون عبد الكريم بلحاج قد شارك في تلك المفاوضات، بلحاج كان أهم شخص كان يتصل به السفير كريس ستيفنز من داخل صفوف الثوار الليبيين، أثناء حرب 2011. وفي هذا الإطار، يرى موقع "بيزنيس إنسايدر" بأن تواجد السفير الأمريكي يمكن أن يكون على ارتباط بتسهيل عملية إرسال الأسلحة، وليس لأجل تدشين المقر الثقافي، خلافا لما أشارت له الراوية الرسمية. من شأن هذه الفرضية أن تؤدي إلى زعزعة جميع المعطيات الجيوسياسية، إذا توفرت الأدلة التي تدعمها. فإدارة أوباما تعترض رسميا على تسليم الأسلحة للثوار السوريين. قضية بنغازي وفضيحة بترايوس خلال شهر أكتوبر 2012، انفجرت فضيحة من العيار الثقيل داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكان بطلها مدير وكالة المخابرات المركزية، ديفيد بترايوس. الفضيحة ارتبطت بشكل وثيق بتفجير القنصلية الأمريكية ببنغازي، حيث كشفت عشيقة بترايوس عن معطيات حساسة متعلقة بأسباب التفجير، ربما تساعد في فهم حقيقة ما جرى وأسباب التكتم الشديد حول دواعي تواجد عناصر من نفس الوكالة بكثافة داخل مقر التمثيلية الدبلوماسية، دون تمكنهم من صد الهجمات التي أودت بحياة السفير الأمريكي. فضيحة بترايوس بدأت تنكشف بعد تعرض جيل كيلي، صديقة المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، لمجموعة من المضايقات من قبل سيدة كانت ترسل لها التهديدات عبر البريد الإلكتروني. بعد تزايد المضايقات التي كانت تصلها من باولا برودويل، التي كانت في الآن نفسه تقيم علاقة حميمية مع بيترايوس، قامت جيل كيلي برفع شكاية في الموضوع. نفس الشكاية قادت مكتب التحقيقات الفيديرالي إلى إنجاز تحقيق أدى إلى الكشف عن العلاقة الحميمية بين بترايوس وبرودويل، مما أدى إلى استقالته من منصبه على رأس وكالة المخابرات المركزية بعد انتشار الفضيحة، واتضاح وجود رابط بين العلاقات الجنسية لرئيس جهاز المخابرات والمدعوة باولا برودويل. ففي ال 26 من أكتوبر 2012، قامت برودويل بإلقاء خطاب بجامعة دينفير، ولمحت خلال خطابها إلى أن الهجوم الذي حصل داخل القنصلية الأمريكية ببنغازي قد يعود سببه إلى قيام وكالة المخابرات المركزية باعتقال مجموعة من عناصر الميلشيات الليبية داخل أسوار القنصلية، ومحاولة عناصر أخرى من نفس الميلشيات تحرير إخوانهم من الاعتقال. أنكرت وكالة المخابرات المركزية هذا الأمر، محتجة بكون الاعتقالات تخالف السياسة الحقوقية التي اتبعتها إدارة باراك أوباما منذ سنة 2009. وفيما اعتبر بعض النقاد هذا الأمر خرقا محتملا لمعلومات سرية، رأى البعض الآخر أن الأمر فيه الكثير من الغرابة، خصوصا بعد إقدام قناة "فوكس نيوز" على نشر تقرير في الموضوع. علاوة على ذلك، يخالف هذا الأمر المنطق، فإذا كانت المعلومات التي جاءت على لسان برودويل خاطئة، وبالتالي لم يكن هناك أي معتقلين داخل مبنى القنصلية، فما الحاجة إلى جعل تلك المعلومة سرية؟