إلى حدود شهر ماي سنة 1956 كانت فرنسا ما تزال تسيّر دوريات داخل الشريط الحدودي مع الجزائر، بموجب ما أشيع على أنه اتفاقية تسمح بتواجد الجيوش الفرنسية في بوعرفة والشريط الحدودي لمدة 5 سنوات بعد إعلان استقلال المغرب. وفي الوقت الذي كان الجنرال محمد أوفقير يعمل في صفوف الجيش الفرنسي في عام 1956، كان شقيقه مولاي عمر يشغل مهمّة «شيخ» قبيلة «عين الشعير» ووفر الحماية لرجال جيش التحرير في معركة دارت رحاها في عين الشعير في ماي 1956.. ينقل لنا هذه الحكاية مولاي أحمد بن عمر بن أحمد أوفقير، الذي كان يملك مقهى في منطقة «المنكوب»، على بُعد حوالي 20 كيلومترا من عين الشعير.. يقول في حديث مع «المساء» إنه رغم حصول المغرب على الاستقلال فإنّ الدوريات العسكرية الفرنسية ظلت تتجه بشكل يوميّ من منطقة بوعرفة إلى جبال تانزارا، مرورا بمنطقة «المنكوب». ويوضح المتحدّث نفسه أنه كان يتعاون مع أعضاء جيش التحرير، ولهذا سرّب لهم معلومة تجول الدوريات العسكرية في المنطقة، ساعده في الحصول على هذا المعطى المكان الإستراتيجيّ الذي كانت تقع في المقهى، التي كانت تقع في تقاطع الطريق بين بوعرفة والمنكوب. ويصرّح بهذا الخصوص قائلا: «كنت وحدي أقوم برصد تحرّكات الجيش الفرنسي وأبلغها لأعضاء جيش التحرير، وأخبرتهم أنّ الجيش الفرنسي ما زال حاضرا في المنطقة ويتوجّه بشكل دوريّ من بوعرفة إلى جبال تانزارا.. حينها قال لي قبطان في جيش التحرير يدعى عسو أن أخبرهم حالما يعودون من جديد». هنا يحكي شاهد «المساء» أنه مساء ذات يوم وقفت شاحنتان تابعتان لجيش التحرير أمام المقهى التي كان يملكها، وطلب منه ركابها أن يدُلّهم على الطريق التي تسلكها دوريات الجيش الفرنسي، وهو ما استجاب له حينها.. وبعدها بيوم واحد، ولمّا مرت من جديد دورية عسكرية فرنسية، كانت تتكون من سيارة «جيب» وشاحنة فيها 8 جنود، أبلغهم أحمد بن عمر بن أحمد أوفقير، عبر الهاتف، بمرور الموكب باستخدام لغة الإشارات، «أبلغتهم بمرور موكب تابع للقوات الفرنسية بعد أن راقبتُ حركة الجيش الفرنسي عبر الحدود في المنكوب، ودقائق على وصول هذه الدورية إلى جبال تانزارا تعرّضتِ الدورية لهجوم من طرف عناصر جيش التحرير المغربي، الذين قضوا على الجنود الثمانية، في حين لاذ سائق سيارة الجيب بالفرار».. في اليوم الموالي أرسلت القوات الفرنسية تعزيزات عسكرية هائلة لتمشيط المنطقة والقضاء على عناصر جيش التحرير، ووقعت اشتباكات بين الطرفين في جبال تانازارا، على الحدود مع الجزائر، ما اضطرّ معه عناصر جيش التحرير إلى التراجع نحو الوراء، «وبعدما شكّت السلطات الفرنسية في تعاوني مع عناصر جيش التحرير، فاضطررتُ إلى الفرار، خصوصا بعد أن كانوا يريدون اعتقال أحد معارفي هو أحمد العروسي، بعد أن ظنوا أنه هو أحمد أوفقير، المتعاون مع أعضاء جيش التحرير.. ليقوم بتحذيري بعدها من العودة إلى المنكوب»، يقول المتحدث نفسه، مضيفا أنّ أعضاء جيش التحرير هربوا إلى الجبال ولجؤوا إلى إحدى الغابات، وكان عددهم حينها لا يتجاوز 70 عنصرا، بعد أن أعياهم القتال وأنهكهم التعب والجوع، ومنهم من تخلواعن سلاحهم، ما اضطرّهم إلى اللجوء إلى أقرب منطقة إليهم حينها.. ولم تكن هذه المنطقة سوى «عين الشعير»، التي لجؤوا إليها وأشرف بعض سكانها على تطبيبهم ومعالجة جراحهم بعد معركتهم ضد القوات الفرنسية.. يقول شاهد «المساء» في هذا الإطار إنّ شقيق الجنرال، وهو مولاي عمر أوفقير، شيخ القبيلة آنذاك، هو من أشرف على عملية توزيعهم على منازل سكان القبيلة وظلوا مع أهلها حوالي 20 يوما.. بعد مرور هذه المدة رغب عناصر جيش التحرير في التوجّه إلى الريصاني لأنها لم تكن تعرف تواجدا للجنود الفرنسيين، وأرادوا مغادرة عين الشعير بعد أن تمكّنَ منهم «الملل» من المقام فيها، لكن شيوخ القبيلة اعترضوا على خروجهم من عين الشعير، مخافة تعرّض القبيلة لهجوم من القوات الفرنسية، وطلبوا منهم ترك السلاح هم إن أرادوا المغادرة.. في خضمّ هذا الجدل باغتت القوات الفرنسية أهالى القبيلة وتمكنت من محاصرة قصبة «عين الشعير»، ومنحت أهلها قرابة ثلاث ساعات لتسليم عناصر جيش التحرير. وانطلقت الاشتباكات بين أهل القبيلة والقوات الفرنسية، ما أدى إلى مقتل 14 عنصرا من قبائل عين الشعير، في حين سقط العديد من الضحايا في صفوف الفرنسيين، وأسقطت طائرتان تابعتان للجيش الفرنسي.. في هذا السياق يذكر أحمد بن عمر بن أحمد أوفقير أنّ عدد الجنود الفرنسيين المشاركين في الحملة وصل إلى حوالي 400 جندي. وأضاف أن شراسة الحملة العسكرية الفرنسية وصلت إلى درجة تفجير قنبلة في عين الشعير، كما تم إحراق البيادر وتدمير المنازل من قِبَل الفرنسيين، مثيرا الانتباه إلى أنّ الجيش الفرنسي تكبّدَ خسائرَ فادحة في هذه الحملة العسكرية. أمام هذه المعارك حامية الوطيس، تدخَّلَ عدي أوبيهي، عامل تافيلالت، وطلب من السلطان محمد الخامس التدخّل من أجل مساندة أهل القبيلة، لكنّ الأخير رفض الدخول على الخط، وطلب منه تسوية المشكل بطريقة سلمية.. وهكذا وباقتراح من السلطان محمد الخامس توجّه عدي أوبيهي، رفقة القنصل الفرنسي وشيخ القبيلة، شقيق الجنرال محمد أوفقير، لمخاطبة الضابط الفرنسي المشرف على الحملة العسكرية، والذي رفض في البداية الانسحاب، لكنْ تحت ضغط القنصل رضخ لهذا المطلب.