الهدنة تترنح بين إسرائيل وحزب الله    بقاء داري يقسم آراء النادي الأهلي    جريمة قتل مروعة بجماعة سيدي علي بنحمدوش بإقليم الجديدة    وجدة .. وكالة الحوض المائي لمولوية تعقد اجتماع مجلس إدارتها لسنة 2024    احتجاجات حاشدة في إسطنبول على سجن منافس أردوغان    اغتيال الصحفيين وافلات إسرائيل من العقاب    اتحاد جمعيات حماية المستهلكين يناشد الملك توجيه الحكومة لتسقيف الأسعار ومراجعتها    وزارة الأوقاف تعلن عن موعد مراقبة هلال شوال بالمغرب    خطب الجمعة: بين "تسديد التبليغ" وفقدان التأثير    أكثر من 1000 قتيل حصيلة ضحايا زلزال بورما وتايلاند    هيئة السلامة الصحية تدعو إلى الإلتزام بالممارسات الصحية الجيدة عند شراء أو تحضير حلويات العيد    على قلق كأن الريح تحتي!    أكاديمية الأوسكار تعتذر لعدم دفاعها وصمتها عن إعتقال المخرج الفلسطيني حمدان بلال    توقعات أحوال الطقس لليوم السبت    توقيف شاب متورط في التحريض على اقتحام سياج المدينة المحتلة    المنتخب الوطني لأقل من 17 سنة يواصل تحضيراته تأهبا لمواجهة أوغندا    رقمنة الإستفادة من تعويضات العلاج ل"CNSS".. هذه هي الخطوات الجديدة التي يجب اتباعها من قبل المؤمن لهم    الطالبي العلمي يرد على بركة: "ليس هناك 18 مستوردا وإنما 100 مستثمر في مجال استيراد الأغنام والمبلغ لا يصل إلى مليار و300 وإنما 300 مليون"    الصين تعتمد مخططا للتحول الرقمي للصناعة الخفيفة    الصين تدعو لتعاون عالمي رابح – رابح في مجال العلوم والتكنولوجيا    مسيرة تدعم الفلسطينيين في الرباط    إسرائيل تقتل 25 شخصا بقطاع غزة    ارتفاع الدرهم مقابل الدولار    العلمي: "ديون الضمان" ملف مصطنع .. ولا علاقة لحزب الأحرار ب"جود"    العلمي: لم أتلق ردا من المحكمة الدستورية بخصوص انسحاب الUMT من التصويت على قانون الإضراب    تحذير طبي.. خطأ شائع في تناول الأدوية قد يزيد خطر الوفاة    معنينو يكشف "وثيقة سرية" عن مخاوف الاستعمار من "وطنيّة محمد الخامس"    المعارضة بجماعة الجديدة تطالب بإدراج نقاط تتعلق بوضعية النظافة والصحة والثقافة في دورة ماي 2025    المغرب التطواني يعبر لدور ثمن نهائي كأس العرش    المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية بطنجة تُعلن عن أماكن إقامة صلاة عيد الفطر لعام 1446    وفاة شاب في أصيلة في ظروف مؤلمة.. والمعطيات الأولية تشير إلى اضطرابات نفسية    الوداد يتأهل إلى ثمن كأس العرش    الرميد يرد على لشكر: مهاجمة حماس وتجاهل إسرائيل سقوط أخلاقي وتصهين مرفوض    الساسي يُقيم مشروع المسطرة الجنائية    أوراق من برلين.. أوقات العزلة المعاصرة: اكتشاف الشعور الكوني    ترجمة "نساء الفراولة" إلى العربية    نقابات تطالب بحماية الموظفين خلال عملية توزيع الأعلاف.. وإشادة بمجهودات المديرة الإقليمية لوزارة الفلاحة بطنجة    لائحة الشركات التي تقدمت للإستفادة من الدعم المخصص لأضاحي العيد العام الماضي    حلويات "الفرّانْ" تتراجع بشفشاون    عبد الرحيم.. نموذج مشرف للأمانة يعيد عشرة ملايين سنتيم إلى صاحبها في سوق إنزكان .    تألق ليلة القدر في رمضانيات طنجة الكبرى: روحانية، تراث وتكريم لذوي الهمم    رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية    العامل المنصوري يبشر بمشروع "مدينة الترفيه والتنشيط" لتطوير إقليم تطوان وخلق فرص للشغل    محكمة الاستئناف ببرشلونة تبرئ اللاعب ألفيس من تهمة الاعتداء الجنسي    الديوان الملكي يعلن عن ثلاث تعيينات جديدة    عمرو خالد: هذه تفاصيل يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.. مشاهد مؤثرة ووصايا خالدة    بخصوص ما قاله الكاتب الأول عن فلسطين الآن!    إسبانيا تعلن عن ملف مشترك مع المغرب والبرتغال لتنظيم بطولة عالمية جديدة    السعيدية.. تسليط الضوء على الندوة الدولية حول تطوير الريكبي الإفريقي    وزارة الداخلية.. إغلاق 531 محلا ومصادرة 239 طنا من المنتجات غير القانونية    العرض ماقبل الأول لفيلم «مايفراند» للمخرج رؤوف الصباحي بسينما ميغاراما    مباريات كرة القدم للتأهل إلى المونديال إصابة أكرد تدمي قلب مشجع ستيني    عودة أسطورة الطرب المغربي عبد الوهاب الدكالي في عرض يعد بالكثير    كرة القدم لعبة لكنها ليست بلا عواقب..    سكان المغرب وموريتانيا أول من سيشاهد الكسوف الجزئي للشمس السبت    "الرزيزة" .. خيوط عجين ذهبية تزين موائد ساكنة القصر الكبير    رسالة إلى تونس الخضراء... ما أضعف ذاكرتك عزيزتي    السعودية تحين الشروط الصحية لموسم الحج 2025    









قصة مغربي عذبه بومدين وأوفقير إثر كشفه لمخطط خلق البوليساريو
نشر في هسبريس يوم 20 - 07 - 2010

في سن الثمانين من عمره لا زال التاوناتي محمد البطيوي يتذكر بأدق التفاصيل مساره ومسيرته كأحد رواد جيش التحرير في المغرب وفي الجزائر، لقد شارك في ملاحم بطولية إلى جانب أشقائه من المقاومين المغاربة وإلى جانب إخوانه من المسلحين الجزائريين في لي ذراع المستعمر الفرنسي وقصم ظهره على صخرة الكبرياء وحب الوطنين المغرب والجزائر والدفاع عن شرفهما والتضحية من أجلهما بالروح وبالدم وبقوة الحديد والنار.
إنها لفعلا ملحمة مشرقة كتبها هذا التاوناتي بمداد من الفخر والاعتزاز، ملحمة تمتد فصولها على مساحة أرض المغرب والجزائر كجزء مشترك يراد نسيانه من تاريخ البلدين، ولكن التاريخ لا ينسى الرجال الأفذاذ ما دام هم من يصنعونه ومن يكتبونه ويسطرونه بحروف بالبنط العريض على مجلدات التاريخ المكتوبة بمداد من ذهب.
محمد البطيوي في صورة بلباسه المدني المغربي وأخرى بزيه العسكري الجزائري
قائد بجيش التحرير الجزائري
"لقد توجهت عام 1956م ضمن قرابة مائة من عناصر جيش التحرير المغربي من مركز بوردود بمنطقة متيوة بإقليم تاونات صوب جبل العمور بالحدود المغربية الجزائرية الشرقية قبل الوصول إلى منطقة افلو بالجزائر حيث انخرطت ضمن صفوف جيش التحرير الجزائري" يحكي المقاوم محمد البطيوي عن البدايات الأولى لاتخاذه قرار التوجه نحو الجزائر للانخراط في جيش تحريرها وفي مقاومتها المسلحة، ويضيف البطيوي وهو يسرد كيف شارك في معركة ضارية بجبال افلو: "قضيت عامين هناك في فيافي الجبال بمعزل عن السكان لأجل مراقبة القوات الفرنسية بالمنطقة، حيث وقعت مواجهة عنيفة دارت بين جيش التحرير الجزائري وقوات فرنسية، مدعومة بطائرات و دبابات و قوات الحركيين، استشهد خلال هذه المعركة البعض من رفاقي المغاربة والجزائريين بساحة الشرف على أرض الجزائر".
بجبال افلو تقلد محمد البطيوي مهمة قائد خلية المقاومة المسلحة بمناطق افلو والغواط والجلفة، وكان محبوبا ومحترما من طرف كل عناصر هذه الخلية التي نفذت بفضل حنكته العسكرية في خوض حرب العصابات والمقاومة التي تمرس عليها بالمغرب، نفذت خليته بنجاح الكثير من العمليات العسكرية النوعية ضد المستعمر الفرنسي، وهي عمليات ساهمت في تقهقر القوات الاستعمارية واضطرتها إلى التخلي عن كثير من مواقعها لصالح خلايا جيش التحرير الجزائرية المدعومة من طرف عناصر مغربية.
بعد هذه المحطة انتقل محمد البطيوي إلى المنطقة العسكرية الخامسة التي تشمل بني اسمير وتانزارة و العمور، هنا سيصاب هذا المقاوم التاوناتي بجروح في يده اليسرى عقب خوضه ومشاركته خلايا جيش التحرير الجزائري في معركة حامية الوطيس ضد الجيش الفرنسي المدجج بأحدث الأسلحة، لكنه تمكن أن يفلت بجلده من أيادي الفرنسيين بفضل تمرسه على "الكر والفر" حيث نجا بأعجوبة من الاعتقال وعاد إلى قواعد خليته بجبال المنطقة.
ضابط بالجيش الشعبي الجزائري
بعد أن خرت القوات الاستعمارية الفرنسية أمام الضربات المتتالية لخلايا جيش التحرير الجزائري المدعومة بالخبرة و بعناصر مغربية أمثال التاوناتي محمد البطيوي، اضطرت فرنسا أن تعترف باستقلال الجزائر سنة 1962، حيث تم إلحاق محمد البطيوي بالجيش النظامي الجزائري و ترقيته إلى رتبة ضابط، لينقل حينها إلى منطقة كولمبشار على رأس كتيبة عسكرية قبل تعيينه بمنطقة السخونة و منطقة العبادلة.
"توجهت عام 1963 عبر مدينة جنيف السويسرية إلى مصر و قطاع غزة قصد استكمال تداريب عسكرية، قبل أن أعود إلى الكلية الحربية تشرشل بالجزائر، حيث اقترح علي مسؤلون بالجيش الجزائري منحي الجنسية الجزائرية بعد تعيني على رأس الفرقة العسكرية 28بسيدي بلعباس" يقول محمد البطيوي متحدثا عن جزء من سيرته بالجيش النظامي الجزائري التي أنهاها سنة 1967 لتبدأ مرحلة من المتاعب في مشواره وفي حياته التي ستنقلب رأسا على عقد بعد أن وجد نفسه في حيرة من أمره بين ولائه لوطنه الأم المغرب وعطفه على وطنه الثاني الجزائر.
البطيوي في إحدى اجتماعات قادة جيش الجزائر
ومن المعروف والمؤكد تاريخيا أن الجزائر كانت خلال هذه المرحلة من العقد الأول لاستقلالها تعيش على وقع الصراع بين عدة أجنحة لجيش التحرير للتفرد بالحكم، فكان الحاكمون في الجزائر يعمدون إلى تصدير هذه الخلخلة الداخلية إلى جيرانهم وخاصة إلى المغرب عبر إشعال فتيل صراعات وهمية معه من قبيل دق ناقوس الخطر فيما يتعلق بمطالبة المغرب بصحرائه الشرقية والتي ابتدأت جزئيا سنة 1963 بنشوب ما يعرف بحرب الرمال، أو عبر تحويل النزاع إلى صراع سياسي بين نظامين متناقضين، نظام جزائري يصنف نفسه ضمن محور الأنظمة الاشتراكية في مواجهة نظام مغربي ملكي دستوري متعدد الأحزاب اختار الرأسمالية نظاما سياسيا واقتصاديا، حيث كان الهدف الأساسي خلق جبهة داخلية موحدة ضد ما يصفونه بالخطر الأجنبي وإذابة الخلافات الداخلية على السلطة.
وكان في هذه المرحلة المخطط الجزائري يهدف إلى نقل الصراع مع المغرب إلى داخل كيانه عبر خلق ما يسمى بجبهة البوليساريو لإلهاء المغرب حول مطالبه فيما يخص أراضيه المغتصبة على الحدود الشرقية وإطالة أمد الصراع إلى ما لا نهاية.
"جاسوس" للمغرب بالجزائر
كان حكام الجزائر متأكدين بأن المغرب أصبح على مرمى حجر من استرجاع أقاليمه الجنوبية من يد المستعمر الإسباني، فبدؤوا يعدون العدة و الدسائس لمخطط المغرب المشروع في استكمال استقلاله منذ منتصف الستينيات من القرن الماضي، يقول محمد البطيوي الذي كان لا زال منخرطا بالجيش النظامي الجزائري: "كلفوني (أي الجزائريين) بتدريب قوات جزائرية للنزول إلى الصحراء المغربية غير أن رفضي لأمرهم دفعهم إلى عزلي من الجيش سنة 1967م".
"في هذه المرحلة اكتشفت بأن العسكر الجزائري يقوم بخلق جبهة مناهضة للوحدة الترابية للمغرب و أن له أطماع في التراب المغربي بالصحراء الشرقية، التي كان سكانها يقرون حين ذاك بمغربيتهم لجيش التحرير الجزائري، ففي استعراض عسكري نضم بعين صفرا احتفالا باستقلال الجزائر أحسست أن العسكر الجزائري يعد مخططا وقحا، حينذاك أدركت دماثة غدر الجزائريين لوطني الذي تركته حرا مستقلا لأجل مساعدتهم على استرجاع حريتهم" يضيف محمد البطيوي الذي ظل يعمل بحذر شديد ضمن جيش التحرير الجزائري وعينه على ما يخططون له من دسائس ضد وطنه المغرب إلى أن تم طرده من الجيش بعد أن رفض التعاون في طعن بلده من الخلف وبخناجر صديقة.
اتفق محمد البطيوي حينها بمعية رفيقيه محيو وحريث التوجه نحو السفارة المغربية بالجزائر العاصمة قصد اطلاع السفير المغربي هناك حول مؤامرة الجزائريين، غير أن السفير نصحهم بالتوجه إلى الرباط لإخبار السلطات المغربية هناك بالأمر، "وبمجرد أن وطأت أقدامنا مدينة وجدة اعتُقلنا من طرف الأمن المغربي قبل تسليمنا للجيش المغربي مكبلين بالأصفاد" يحكي محمد البطيوي بمرارة هذا الحادث الذي لم يكن يتوقعه بأن يجري كما جرى.
أوفقير يكشف البطوي للجزائر
بعد اعتقال البطيوي ورفيقيه من طرف الجيش المغربي بوجدة تم نقل المغاربة الثلاثة المعتقلين إلى الرباط وجرى عرضهم على أنظار الجنرال أوفقير ليبدأ مسلسل طويل من الاستنطاق وليتم إعادة تسليمهم إلى السلطات الجزائرية على الحدود مع مدينة وجدة حيث تسلمتهم قوات الأمن الجزائرية التي اتهمتهم بالتجسس لصالح المغرب ومحاولة اغتيال رئيس الجمهورية هواري بومدين، قالوا لنا يتذكر البطيوي "الجزائر لم تعد في حاجة إلى مساعدتكم"، وتم على وجه السرعة نقل المعتقلين الثلاثة نحو مدينة مغنية وهناك تعرضوا إلى شتى أصناف التعذيب والتنكيل حيث أسر أحد عناصر الأمن للبطيوي: "شوف كيف تدير مع أوفقير في الرباط" ففهم المعتقلون الثلاثة أن الجنرال أوفقير قد غدر بهم بعد أن أبلغ السلطات الجزائرية بفحوى الرسالة التي نقلوها إلى الرباط.
بعد مدينة مغنية تم نقل المعتقلين الثلاثة على تلمسان ومنها إلى مخفر الشرطة بالجزائر العاصمة حيث تم استنطاقهم والتحقيق معهم من قبل ضباط جزائريين قبل عرضهم على رئيس الجمهورية هواري بومدين معصبي العينين، تحدث له البطيوي قائلا: "نحن كلنا رؤساء، وأنا واحد من الأفراد الذين دافعوا من أجل استقلال الجزائر بعدما تركت أرضي وبلادي المغرب حرة ومستقلة".
بعد سنتين من التعذيب وبدون محاكمة وبعد إضراب طويل عن الطعام أحيل محمد البطيوي ومن معه على المحكمة العسكرية لسيدي الهواري في 27 يونيو 1970 بعد أن أوكلت له زوجته المقاومة التي كانت مستقرة بالجزائر محاميا لمؤازرته، وعند عرض البطيوي على المحكمة خلال جلسة الحكم النهائي، طالب البطيوي رئيس المحكمة بإعدامه جزاء له على جهاده في سبيل الجزائر، قائلا للقاضي "لا اقبل أن يحكم الجزائر مجرمون"، وكان البطيوي قد حاول قتل أحد عناصر المخابرات الجزائرية المزروعين في السجن بعد أن أقدم على إهانته واحتقاره.
وقد أصدرت المحكمة في حق محمد البطيوي حكما يقضي بحبسه لمدة خمس سنوات بتهمة التجسس لصالح المغرب وعدم الاعتذار لرئيس الجمهورية حين قال له في وجهه "نحن كلنا رؤساء"، و قد قضى العقوبة بسجن سيدي الهواري قبل أن يفرج عنه ويطرد في اتجاه المغرب مخلفا ورائه كل أملاكه من منزل وسيارة وأغراض شخصية راكمها بالجزائر، كل أملاكه استولى عليها الجزائريون بدون واجب حق بعد أن تنكروا لتضحياته الجسام في المساهمة والكفاح من أجل استقلال بلادهم بعد أن عارض مخططاتهم المغرضة لاستهداف المغرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.