يحتفل الشعب المغربي، وفي مقدمته أسرة المقاومة وجيش التحرير، مطلع شهر أكتوبر الجاري، بالذكرى ال 54 لانطلاق عمليات جيش التحرير بشمال المملكة، التي تجسد منعطفا حاسما، ومحطة بارزة في مسار الكفاح الوطني، الذي خاضه العرش والشعب في سبيل الحرية والاستقلال، والدفاع عن الوحدة الترابية، والذود عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية. إن أبناء أقاليم بولمان، وتازة، والحسيمة، والناظور، أعطوا بانطلاق عمليات جيش التحرير الأولى المثال الحي في الشجاعة والإقدام والبطولة والإيمان والوطنية الصادقة، فداء لوطنهم وملكهم الشرعي. وكانت هذه الانطلاقة امتدادا طبيعيا لحركة المقاومة المسلحة التي خاضها المغاربة، حينما انتهكت سلطات الحماية حرمة الأمة المغربية، ومست مقدساتها بنفي أب الأمة ورمز الوطنية جلالة المغفور له محمد الخامس قدس الله روحه، ورفيقه في الكفاح جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه، والأسرة الملكية الشريفة إلى كورسيكا، ثم مدغشقر، بهدف طمس الروابط التي تربط بين العرش والشعب، والحد من تأجج الحركة الوطنية وإخماد شعلتها. وعم آنذاك السخط كل شرائح المجتمع المغربي، وتفجرت المظاهرات العارمة بجميع أنحاء المملكة، لتأكيد مدى تعلق المغاربة بملكهم وبأهداب العرش العلوي المجيد، وتمسكهم بمقدساتهم ومقوماتهم الوطنية، فكانت ثورة الملك والشعب المباركة، يوم 20 غشت 1953، أروع صورة للتلاحم السرمدي بين العرش العلوي المنيف والشعب المغربي الأبي، انخرط في غمارها أبناء مرموشة وتازة، مبادرين إلى تنظيم الخلايا الفدائية لضرب مصالح ومنشآت المستعمر، ومتطوعين لخوض معركتهم المقدسة بشجاعة ونكران للذات، بهدف وضع حد لسيطرة المحتل الأجنبي وهيمنته، والتعجيل باسترجاع حرية البلاد، وإعادة إقرار سيادتها. ففي أواخر سنة 1954، عمد المجاهدون إلى البحث عن السلاح خارج الوطن، وتأسيس خلايا وتشكيلات وفرق لجيش التحرير، وجرى فتح مراكز للتدريب على استعمال السلاح وحرب العصابات، والتخطيط لتنظيم الهجومات على ثكنات المستعمر الفرنسي، متخذين من المنطقة الخليفية بالشمال الخاضعة للنفوذ الإسباني ميدانا لهذه التداريب ولوضع المخططات، ولجأت العناصر القيادية لحركة المقاومة آنذاك إلى هذه المنطقة للإشراف على تأطير جيش التحرير، الذي سيكون له الدور الكبير في التعجيل بعودة جلالة المغفور له محمد الخامس إلى أرض الوطن. وفي مطلع سنة 1955، توجهت الباخرة "دينا" إلى رصيف رأس الماء شرق مدينة الناظور قادمة من المشرق العربي محملة بالأسلحة، وتعتبر هذه العملية محطة حاسمة في تعزيز انطلاقة جيش التحرير وصفحة بطولية شاهدة على التضامن المغاربي والعربي عامة، حيث تكاثفت الجهود لاقتنائها وشحنها بالسلاح لدعم حركة التحرير ضد الوجود الاستعماري. ورست هذه الباخرة ليلة 30 و31 مارس 1955 برأس كبدانة بعيدة عن اليابسة بحوالي 20 مترا، حيث جرى إفراغ حمولتها من طرف رجال جيش التحرير ليلا تحت ستار الظلام قبل طلوع الفجر وفي حذر تام، مستعملين قطيع الأغنام لإخفاء آثار أقدام المجاهدين حتى لا تكشف السلطات الفرنسية أمر عملية تنزيل السلاح، ومدت الحبال من الباخرة إلى الشاطئ، وأخذ المجاهدون المغاربة والجزائريون من رموز الحركة التحريرية في الصعود إليها لنقل الأسلحة، حيث جرت العملية قبل الشروق. واستمر الإعداد والتدريب والتخطيط وتمرير السلاح عبر ملوية إلى جبال الأطلس بإيموزار مرموشة ببولمان، وإلى مراكز جيش التحرير بتازة. واستمر التربص والترصد إلى حين موعد اليوم المشهود، يوم فاتح أكتوبر 1955، حيث انطلقت عمليات جيش التحرير مستهدفة مراكز الفرنسيين وثكناتهم بإيموزار مرموشة وفي اليوم الموالي، ثاني أكتوبر، على مراكز بورد واكنول وتيزي وسلي وبوزينب وبلوطة وغيرها. وكانت رقعة المعارك التي عرفتها منطقة الريف عموما، وإقليم تازة بوجه خاص، واسعة شملت عدة مناطق ودواوير، اقترن اسمها بالاشتباكات والهجومات، كما هو الشأن بالنسبة لبين الصفوف، وجبل القرع، وبوسكور، وتيزي ودارن، وكلها معارك تكبد فيها المستعمر الفرنسي خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد على أيدي المجاهدين، الذين كانت انتصاراتهم تتوالى، وانضمت إليهم جماعات كثيرة من الجنود المغاربة العاملين آنذاك في الجيش الفرنسي فارين بسلاحهم وبنادقهم ورشاشاتهم، معززين صفوف المجاهدين من أعضاء جيش التحرير. وهكذا، شكلت هذه الثورة العارمة ضغطا سياسيا على الفرنسيين، وسندا هائلا لجلالة المغفور له محمد الخامس تجاه الحكومة الفرنسية، التي عجلت بعودته رضوان الله عليه من جزيرة مدغشقر، وبفتح المفاوضات من أجل استقلال البلاد وحريتها. ويسجل التاريخ أنه بعد انصرام 45 يوما على انتفاضة أكتوبر 1955 المجيدة، كانت العودة المظفرة لبطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس ورفيقه في الكفاح جلالة المغفور له الحسن الثاني، والأسرة الملكية الشريفة إلى أرض الوطن، يوم 16 نونبر 1955، ليزف إلى شعبه الوفي وأسرة المقاومة وجيش التحرير بشرى بزوغ فجر الحرية والاستقلال، وتوحيد شمال المملكة وجنوبها.