شدت قرية عين الشعير، التي تبعد عن مدينة بوعرفة بأزيد من ستين كيلومترا، انتباه الرأي العام الوطني والدولي سنة 2007 بعد حادث نزوح 35 شابا نحو البلد الجار، ومنعت القوات المساعدة وقتها آخرين كانوا يرغبون في الالتحاق بهم. بعد ذلك تواصلت الاحتجاجات والاعتصامات. عين الشعير قرية ارتبط اسمها بالجنرال محمد أوفقير لأنه رأى النور بها ومازال منزل عائلته شاهدا على مرحلة تاريخية مثله مثل باقي المساكن التي تعود إلى عهود خلت. «حكرة لعقود» قرية بسيطة هادئة، ضوؤها الخافت ليلا يغري الزائر بالمكوث بها بعيدا عن ضوضاء المدينة. بناياتها تشهد على قدم التاريخ وأزمنته الغابرة. غير أن هذا السكون يخفي مشاكل وآلام اجترتها المنطقة على مدى عقود من الزمن. قرية كانت بؤرة للاحتجاج المتواصل بكل أشكاله: مسيرات واعتصامات لم تتوقف، تنادي وتطالب برفع الحيف والتهميش، بلغت أقصاها التهديد بالنزوح الجماعي نحو الجزائر. واحة جميلة تشد أنظار الزائرين تقع بالقرب من الحدود المغربية الجزائرية، مياه تتدفق لري الزرع وسقي البهائم. امبارك ايرنيج، رجل تجاوز الستين من عمره، يحرس قطيعه، يضع قبعة تقيه أشعة الشمس الحارقة، يلخص مشكلته في عدم وجود فرص الشغل لبناته الحاصلات على الإجازة، وعند سؤاله عن مورده رزقه يجيب «أعتمد على الكسيبة»، أي تربية المواشي. يعتبر ايرنيج أن ظروف عين الشعير القاسية لم تتغير في حياة الجنرال أوفقير وبعد مماته، ليختم كلامه بسؤال «لا ندري سبب هذه «الحكرة» التي نعيشها منذ سنين؟» تهميش جماعي مشاريع أنجزت وأخرى في طور الإنجاز، الأشغال لا تتوقف، أماكن شهدت عددا من الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات شيدت عليها مشاريع بعدما أصبحت قرية عين الشعير جماعة قروية سنة2009، وهو المطالب الذي كان السكان يدافعون لأجله. لم يكن السكان وحدهم من يعاني التهميش، بل حتى المقرات الإدارية، ولا أدل على ذلك مقر الدرك الملكي السابق، الذي يغني مظهره الخارجي عن كل وصف، ويبدو الفرق شاسعا بينه وبين المقر الجديد الذي شيد حديثا. مقر الجماعة القروية متواضع جدا، علقت على بابه بعض الإعلانات عن امتحانات تهم الشأن الديني واجتياز مباراة للقوات المساعدة، لعلها بذلك تساهم في نشر المعلومة وسط أبناء عين الشعير لانتشالهم من البطالة. حفيظة بوعبدلاوي، حاصلة على الإجازة، تعتبر أن النساء في عين الشعير تتضاعف معاناتهن مقارنة بالرجال، إذ بعد إتمام دراستهن لا يجدن حلا سوى المكوث بالمنزل ويجدن صعوبة في تمويل مشاريع خاصة بهن. كما أن فتيات يحرمن من متابعة الدراسة لعدم توفر إعدادية، فبعدما ينهي التلاميذ مرحلتهم الابتدائية يلتحقوا عادة بمدينة بوعرفة حيث توجد داخلية هناك، بيد أن أسرا ترفض السماح لبناتها بمواكبة الدراسة بعيدا عن القرية، فيكون مصيرهن المنزل. تلخص حنان كربو المعاناة في عدم وجود إعدادية للتعلم، وقد ذاقت مرارة البعد في سن صغيرة عن أهلها بعدما توجهت إلى مدينة بوعرفة بالداخلية، لكنها لم تتمم دراستها وعادت إلى عين الشعير. تقول حنان: «نعاني كثيرا من الانقطاع المدرسي، خصوصا في صفوف الفتيات لعدم وجود إعدادية، إضافة إلى مشكل النقل، خصوصا في أيام العطل». مشاريع بعد النزوح مصطفى التيفوري، رئيس جمعية الألفية الثالثة لدعم التنمية القروية لعين الشعير، كان من الذين أوصلوا معاناة المنطقة، خصوصا حادث نزوح شباب من المنطقة نحو الجزائر إلى مختلف وسائل الإعلام إبان الاحتجاجات التي كانت تشهدها المنطقة خلال سنة 2007، من خلال تواصله المتواصل، وهو يقر الآن بأن الوضع تغير ولم يعد كما كان في السابق، وأن هناك مشاريع تتابعها السلطات المحلية عن كثب. هذه المشاريع خلقت بعض فرص شغل للشباب، على حد قول التيفوري. 35 شابا الذين نزحوا إلى البلد الجار اعتقلوا من قبل السلطات الجزائرية بمدينة بوكايوس ليرحلوا إلى مدينة موغل التابعة لولاية بشار حيث أمضوا حوالي عشرين يوما بالمعتقل ليتم ترحيلهم إلى المغرب بعد الحكم عليهم بشهرين حبسا موقوف التنفيذ، وتم تسليمهم إلى السلطات المغربية عن طريق المعبر الحدودي الخناق الموجود بمدينة فكيك. كان النزوح بمثابة ورقة ضغط من أجل إثارة الانتباه إلى عدد من المشاكل التي كانت تتخبط فيها القرية، وأبرزها البطالة وبعد الإدارة عنهم، حيث كانوا تابعين إلى قيادة بوعنان، وعدم تنفيذ حكم قضائي صدر منذ الثمانينيات لصالح قبيلة عين الشعر بخصوص أراض متنازع عليها مع أشخاص من جماعة بني كيل، إلى جانب المطالبة بجماعة قروية لتوفرها على معايير ذلك، وهو المطلب الذي تمت الاستجابة له خلال سنة 2009. جريرة الغير ليس من العدل أخذ البعض بجريرة الغير، هكذا كان ينادي السكان، لأن عددا منهم يعتقد أن سبب التهميش هو أن الجنرال أوفقير يتحدر من القرية، لذلك عانوا من عقاب جماعي، وطلبوا إعادة الاعتبار لهم عبر إعادة تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة من جديد لتدخل مدينتهم ضمن المستفيدين. يقول التيفوري إن «كلا من قرية عين الشعير ومركز بوذنيب يشتركان في المشاكل نفسها بسبب الحمولة التاريخية لهاتين المنطقتين، فمن عين الشعير يتحدر الجنرال أوفقير، وبمدينة بوذنيب يوجد قبره حيث كان والده باشا بالمدينة، وهو ما جعل هاتين المنطقتين تعيشان في الهامش»، ليستطرد قائلا:»على الأقل الجنرال أوفقير ابننا فما ذنب سكان بوذنيب؟» ويعتبر حسن كربوب، عضو حزب الاستقلال بعين الشعير، أن القرية عانت من تسلط عائلة أوفقير، ففي الزمن الماضي كانت الأولوية لأفرادها في كل شيء في الفلاحة والأراضي وحتى الزواج، فالمرأة الجميلة من نصيبهم أولا قبل الآخرين، على حد قوله، وبعد وفاته سلط على القرية عقاب جماعي بسبب تحدره منها. مقاومون حرموا من صفتهم 14 قبرا لمقاومين قضوا حتفهم في معركة عين الشعير، بني عليهم بزليج أبيض لتمييزهم عن باقي القبور، غير أن الذين قضوا نحبهم لم يستفيدوا من صفة مقاوم.تقول حنان كربوب: «جدي كان مقاوما. أعددنا ملفا متكاملا عن ذلك، لكن مع الأسف لم نستطع أن يتمتع بصفة مقاوم». ويوضح التيفوري أن «لعين الشعير تاريخ في المقاومة، إذ شهدت معارك ضد الفرنسيين، واحدة سنة 1887، وأخرى سنة 1956، ورغم ذلك لم يستفد المقاومون الذين قضوا نحبهم من صفة مقاوم. إنها مدينة لها تاريخها العتيق، لكن لم ينعكس ذلك على واقعها، إذ ظلت ترزح تحت وطأة الفقر والتهميش، وبدأت تعود لها الحياة منذ سنة 2009». من المشاكل التي ما زالت تعرفها المنطقة غياب الاستثمارات، رغم أنها تتوفر على موارد مائية، زد على ذلك، يضيف الفاعل الجمعوي والمستشار الجماعي بعين الشعير، تعقيد المساطر الإدارية بالنسبة للاستثمار، وهو ما يجعل بعض الراغبين في الاستثمار، خصوصا المهاجرين، يعدلون على الإقدام على أي خطوة تمكنهم من النهوض بأوضاع قريتهم. «سيروم المنطقة» موازاة مع الاحتجاجات التي كانت تعرفها المنطقة، سعى أبناء المدينة إلى تأسيس عدد من جمعيات من المجتمع المدني من أجل فك العزلة عن منطقتهم. وتعتبر جمعية الألفية الثالثة من أنشط الجمعيات هناك. بمقرها الشاسع توجد عدد من القاعات التي تنظم بها أنشطة مختلفة ومتنوعة، تستهدف النساء والرجال والأطفال والشباب، حيث عقدت شراكات مع منظمات دولية ومؤسسات حكومية من أجل تنمية المدينة، وأصبح عدد من أعضائها يؤطرون فاعلين بالمجتمع المدني بمدن أخرى لنقل تجربتهم الرائدة، لذلك يعتبر رئيس جمعية الألفية الثالثة أن العمل الجمعوي يعتبر «سيروم المنطقة».
أول قرية دخلها المستعمر الفرنسي جماعة عين الشعير واحة تقع في الجنوب الشرقي من البلاد، بين واحة فكيك شرقا وواحة بوعنان غربا، على الطريق الوطنية رقم 10 الرابطة بين بوعرفة وأكادير، مرورا بالراشدية وورززات . يقطن الواحة حاليا ساكنة تتراجع أعدادها باستمرار، نتيجة الهجرة الكثيفة للمدن المجاورة أو نحو الخارج، وبلغ عدد سكان مركز عين الشعير 1330 نسمة سنة 1971، بمجموع 232 أسرة، بينما تقلص إلى 1233 نسمة سنة 1982، بمجموع 200 أسرة، ليستقر في 1485 نسمة و282 أسرة سنة 1994 وسنة 2004، أغلب الساكنة من الشيوخ والأطفال، وتمثل نسبة الإناث بينهم 57 في المائة، بينما نسبة الذكور 43 في المائة، ويبلغ سكان ضواحيها 300 نسمة، بينما تصل مشيخات أولاد الناصر، المحيطة، التابعة إداريا لمركز الدرك الملكي في عين الشعير، إلى 4000 نسمة، وفق معطيات حصلت عليها «المساء» من مركز التوثيق لجمعية الألفية الثالثة لدعم التنمية القروية في عين الشعير.. وتعتبر عين الشعير أول بلدة دخلها الاستعمار وآخر بلد خرجها الاستعمار، ولا غرابة في ذلك أن أول هجوم شهدته الواحة من قبل المستعمر وقتل فيه عدد مهم من الضباط والجنود الفرنسيين سنة 1870، فقد كانت القوات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر قد اقتربت، لأول مرة، من عين الشعير مسالمة في سنة 1857 أثناء أدائها مهمة تأديبية ضد بعض الجماعات المغربية المنضوية تحت لواء قبيلة زكدو، حسب زعمها، إلا أنها لم تعد لمهاجمتها إلا سنة 1870، كما ذكر من قبل، رغبة منها في استكمال فوز حققته ضد قبائل بني كيل، إثر لجوء بعض فلولها إلى الواحة التي كانت قد دعمت عملها ضد الغزاة. وأمام الفشل في اقتحام القصر المنيع وشدة مقاومة أهله، أفضى الحصار إلى مفاوضات سلمية مع سلطة الجماعة، التي «تكرمت» على الجنود الفرنسيين بمؤونة ثقيلة لم تثن المقاومة من مناوشة المستعمرين المتعقبين ل»بوعمامة» وأتباعه سنة 1882، على مقربة من الواحة، في حين أن الحماية لم تفرض على المغرب إلا في سنة 1912، وآخر هجوم كان في شهر ماي سنة 1956 من قبل المستعمر، المدعوم بالطائرات والعتاد الحربي المتطور، واستشهد فيه 14 شهيدا من الواحة، إضافة إلى مقتل عدد كبير من الجنود الفرنسيين. وقد قصفت الطائرات مكانا تفجرت فيه عين ما زالت، إلى حد الآن، شاهدة على ضراوة المعركة في «عين الشعير» الطائرات، في حين أن المغرب حصل على الاستقلال في بداية سنة 1956. يتكلم سكان عين الشعير الأمازيغية بلهجة أقربَ إلى فجيج، التي كانت تشكل في القديم أحد مراكز التموين والتسويق والتزود، إضافة إلى مركز دبدو، البعيد، في غياب أسواق أقرب. وتشكل الزراعة الواحية، إلى جانب تربية المواشي، أهم مورد اقتصادي للسكان، وقد بلغ عدد رؤوس المواشي داخل الواحة، على سبيل، المثال حسب إحصاء أعدّته جمعية الألفية الثالثة لدعم التنمية القروية في عين الشعير، بشراكة مع المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لتافلالت سنة 2004: (الأبقار 98 رأسا والأغنام 1600 رأس، معظمها من سلالة «الدمان»، والماعز 3300 رأس). وكان مستكشفو الاستعمار الفرنسي قبل 1894 قد أوردوا أن بإمكان عين الشعير تجنيد 700 من المشاة و100 فارس، وقد لا تكون في ذلك مبالغة مع اعتباره المركز الحقيقيَّ للعمليات في وادي كير وسهل تامللت بسكانه الأمازيغيين. وفي سنة 1911، قدر أحد الجغرافيين سكان هذا المركز بنحو 3500 نسمة، فبالنسبة إلى هذه الإحصائيات فإنها دقيقة لكنها لا تشمل الساكنة المحيطة بالواحة والتابعة لنفوذ المركز. . وعلى غرار «قْصور» الجنوب المغربي، فان قصر عين الشعير يحتفظ لنفسه ولزائريه بخصائص وتقاليد وعادات ومآثر تاريخية متميزة ويشهد تحولات عميقة يفرضها انفتاحه على محيطه الخارجي وفك العزلة التي عانى منها طويلا، ومن أبرز هذا التحول الحضور المتزايد لفعاليات نشيطة في المجال الجمعوي والتعاوني، إلى جانب المصالح الإدارية والمنتخبة.