بقلم:ذ.احماد أولكدو شاءت الأقدار لقلعة المقاومة الأولى في وجه المستعمر الفرنسي بالمغرب، أن تطوى في سجلات النسيان، من ذاكرة المقاومة المغربية. بوذنيب تلك البلدة المتاخمة للحدود المغربية الجزائرية بالجنوب الشرقي كانت بمثابة مركز اقتصادي و تجاري مهم بمنطقة حوض كير حتى قبل دخول الإستعمار إلى شمال إفريقيا، بحيث تعتبر منطقة عبور استراتيجية للقوافل التجارية القادمة من الجزائر إلى سجلماسة ومنها إلى فاس قلب المغرب آنذاك. هذا الدور الإقتصادي لبوذنيب سيتعزز مع دخول المستعمر الفرنسي إليها سنة 1908، تاريخ معركة"أورير" ببني وزيم، التي شهدت مقاومة شرسة ضد الجيش الفرنسي من طرف رجال المقاومة من مختلف قبائل المنطقة، سالت فيها دماء و سقط فيها شهداء و خسر فيها المستعمر خيرة ضباطه وقياداته العسكرية. فأصبحت المدينة بعد إخضاعها في عهد الحماية الفرنسية مركزا إداريا و عسكريا مهما يتحكم في منطقة حوض كير بأكملها و كذا منطقة قصر السوق،نظرا لموقها الإستراتيجي الذي يتوسط "حوض كير" بين منطقة كير العلوي(كرامة و النواحي) من جهة،و منطقة كير السفلي (بوعنان ،عين الشواطر..) من جهة ثانية ،ومنطقة بني تدجيت و تالسينت من جهة ثالثة و الواقعة على واد بوعنان كأحد أهم روافد كير الأساسية. هذا الدور الإستراتيجي و التاريخي البارز"لعاصمة حوض كير" لم يأت عبثا و إنما فرضته إمكانيات إقتصادية و جغرافية مهمة مقارنة بمختلف مناطق التجمعات السكانية الأخرى بالحوض و التي يمكن إجمالها فيما يلي: * مخزون مائي كبير،فبوذنيب بحكم تواجده على سفوح سلسلة جبال الأطلس الكبير يحتوي على أكبر فرشة مائية بالمنطقة. * أراضي فلاحية شاسعة و منبسطة،غنية و صالحة للزراعة و خاصة زراعة أشجار النخيل والزيتون ذات الجودة العالية. * تموقع بوذنيب على أهم مضيق طبيعي لوادي كير و المناسب لإنشاء سد مائي ضخم بالمنطقة وبالضبط بقصر قدوسة، هذا المشروع الذي سيمكن من سقي آلاف الهكتارات من الأراضي الصالحة للزراعة والممتدة من "فم الخنك" بتازكارت إلى بوعنان،كما انه الحل الناجع لحماية المنطقة من فيضانات الوادي المدمرة،كان اخرها فيضان 10_10_2008 الذي جرف الأراضي الزراعية التي تشكل المورد الوحيد لأغلب الساكنة،هذا السد الذي أجريت له أول دراسة تقنية متكاملة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني من طرف المهندس الفرنسي والد السوسيولوجي المغربي"paul pascon "، لكن المشروع لم يخرج إلى الوجود وبقيت الدراسة طي الكتمان؟؟؟ * مؤهلات سياحية كبيرة بحكم الطبيعة الواحية للمنطقة و خاصة مضيق وادي كير عبر "فم الخنك" وما يوفره من مناظر طبيعية خلابة وماثر تاريخية مهمة على رأسها"مغارة عزيزة"التي تؤرخ لحقبة زمنية ضاربة في القدم ،قصور قديمة و تاريخية، بنايات وبروج مراقبة و مواقع عسكرية وسجون تؤرخ لبشاعة المستعمر الفرنسي،هذا إذا أضفنا الطريق المختصرة جدا في اتجاه موقع مرزوكة السياحي عبر "حسان"نقطة التنقيب البترولي سابقا؟؟؟؟ إلا ان هذه المدينة المنسية من ذاكرة المقاومة يبدو انها سقطت كذلك من المشاريع الكبرى للتنمية المجالية بالمغرب لعقود من الإصلاح،ولو تلك المتعلقة بجبر الضرر الجماعي ،بعد ان اتى التقسيم الإداري لسنة 1992 ليدق آخر مسمار في نعش التنمية المحلية بتقسيم جماعة بوذنيب إلى جماعتين محليتين لأقل من 8000 نسمة انذاك:الجماعة القروية وادي النعام و هي من أفقر الجماعات بالمغرب بمزانية إجمالية لا تتعدى 300 مليون سنتيم ،وجماعة (حضرية) هي بلدية بوذنيب بميزانية إجمالية لاتتعدى700 مليون سنتيم سنويا، لينضاف العوز المادي للجماعتين إلى (عوز) تدبيري كرس منطق المناسباتية و الإرتجالية وغياب الرؤية الإستراتيجية للتنمية مع حضور الهواجس الإنتخابية الضيقة لعقدين من الزمن. مدينة بدون شبكة للصرف الصحي ،بدون مرافق عمومية مؤهلة،بدون...بدون...،تهميش و إقصاء خيم على هذه المدينة المكلومة لعقود من الزمن و لم يتم نفض الغبار عنها إلا مع الزيارة الملكية الميمونة بتاريخ 30/10/2009 و التي مكنت بوذنيب من مشروع التأهيل الحضري لأول مرة في تاريخ المنطقة بغلاف مالي يقدر ب 33 مليون درهم و مشروع ترميم قصر بوذنيب بغلاف مالي يقدر ب7مليون درهم،صحيح أن الإلتفاتة المولوية شكلت فرحة لم تسبقها فرحة عند جميع البوذنيبيين بكل شرائحهم،إلا أنه ما إن أشرفت أشغال التهيئة الحضرية على نهايتها حتى تبين لجميع المتتبعين المحليين مدى بعد المدينة عن وصفها بالمؤهلة حضريا،فشبكة الصرف الصحي مثلا لم تغطي سوى ثلث أحياء المدينة،غياب مراكز سوسيوثقافية،تدني خدمات بعض المرافق العمومية (الصحة،البريد والمواصلات،...)،غياب الأمن...إلخ.و بالتالي فمشروع تأهيل المدينة لم يستطع تغيير وجه بوذنيب البئيس في ظل غياب مشاريع استثمارية كافية تمكن المنطقة من الإقلاع التنموي الحقيقي و اللحاق بركب مثيلاتها من المدن الصغيرة بالمغرب،مما دفع فعاليات و هيئات المجتمع المدني المحلي انطلاقا من تاريخ 29 يناير 2012 و في سياق التحولات الوطنية و الإقليمية الجديدة، إلى المطالبة بتحقيق عدالة مجالية لإنقاذ المدينة ورد الإعتبار لقلعة المقاومة الأولى في وجه المستعمر الفرنسي بالمغرب،و ذلك بواسطة أشكال ترافعية حضارية و راقية بدءا بإصدار بيان استعجالي و انتهاء بصياغة مذكرة مطلبية شاملة مبنية على تشخيص واقعي تشاركي يلامس الحاجيات الأساسية والإستراتيجية لسكان بوذنيب حيث سيخرجون للتعبير عنها بشكل سلمي يوم الأحد 25 مارس 2012،بعد الندوة الصحفية بتاريخ 11 مارس التي تم فيها شرح المذكرة،حيث عبرممثلوا هيئات المجتمع المدني عن أسفهم لعدم التجاوب مع صرختهم المدوية، بإستثناء لقاء سابق مع ممثل السلطة المحلية و رد كتابي للوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان و المجتمع المدني و الذي أحال فيه المذكرة المطلبية على مختلف الوزارات المعنية. فهل من منصف لهذا "الثغر"من الشريط الحدودي مع الجزائر و الذي يعاني من شتى أنواع التهميش و الإقصاء في ظل الحديث عن تقسيم جهوي جديد يحقق العدالة المجالية و كذا دستور و حكومة جديدتين،و بالتالي القطع مع الماضي و محو صورة "بوذنيب" المستعمر الفرنسي و "بوذنيب" الخائن أوفقير المنسوب إليها ظلما و عدوانا؟