يتحدث إيف أوبان دولاميسوزيير، وهو دبلوماسي سابق صار مستشرقا متخصصا في قضايا الشرق الأوسط، في هذا الحوار عن الوضعية الجديدة في غزة بعد عملية «الرصاص المصبوب». ويؤكد أن تركيا أكبر رابح، فيما يبقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس أكبر خاسر، قبل أن يوضح أن مصر لم تعد مؤهلة للعب دور الوساطة بين حماس وإسرائيل من جديد، ويعترف بأن الأوروبيين أخلوا بالتزاماتهم تجاه الفلسطينيين تحت الضغط الأمريكي. لماذا لم تجدد الهدنة التي أعلنتها كل من إسرائيل وحركة حماس في 19 يوليوز الماضي بفضل الوساطة المصرية؟ < كل طرف يلقي بالمسؤولية على الطرف الآخر. لكن تطور الأحداث يجعلنا نقول إنه بعد 5 أشهر من احترام الهدنة على العموم، فإن العملية الإسرائيلية التي استهدفت الأنفاق التي تربط بين قطاع غزة ومصر في 4 نونبر هي التي كانت نقطة نهاية الهدنة المعلنة بين الطرفين. وبعد ذلك استأنف قياديو حماس والجهاد الإسلامي إطلاق الصواريخ في اتجاه البلديات الإسرائيلية المجاورة لغزة، وهو ما اتخذته إسرائيل ذريعة للشروع في عملية الرصاص المصبوب ضد قطاع غزة. - هل كانت العودة إلى طاولة المفاوضات والاتفاق على هدنة جديدة أمرا مستحيلا؟ < لم تكن المفاوضات التي أفضت إلى هدنة يونيو الماضي سهلة. وقد أكد لي ذلك قياديو حماس أنفسهم، وفي مقدمتهم الوزير الأول، إسماعيل هنية، وكذا محمود الزهار خلال زيارتي للمنطقة في ماي، ونصحتهم حينئذ بتليين موقفهم إزاء المطالب الإسرائيلية. كما كانت هناك خلافات مع الجانب المصري بخصوص إعادة فتح معبر رفح الحدودي. ورغم أنه لم يتم توقيع أي وثيقة عقب الاتفاق على الهدنة، فإن هذه الخيرة صمدت خلال خمسة أشهر. لم تعد صواريخ القسام تقصف البلدات الإسرائيلية، لكن فلسطينييغزة لم يلمسوا أي تغير في الحصار المفروض عليهم ولم يتم فتح الممرات كما سبق لهم أن طالبوا بذلك. وهكذا، أحسوا، حينما شرعت إسرائيل في تنفيذ عملية 4 نونبر، بأن الساكنة التي لم تتغير أوضاعها المعيشية لن تدعهم أبدا. ولذلك سمحوا بوجود مراقبين أجانب، أوروبيين ومسلمين، في المفاوضات المجهضة التي سبقت الهجوم الإسرائيلي على غزة. من الواضح أنهم لم يحسنوا تقييم الوضعية السياسية في إسرائيل التي كانت على أبواب حملة انتخابية، وهو ما يرجح كفة الخيار العسكري في الرد الإسرائيلي على صواريخ القسام. أولا لأن إيهود باراك كان بحاجة إلى تحسين حظوظه في الحملة الانتخابية، زيادة على أن الجيش كان من جهته يسعى إلى استعادة مصداقيته منذ حرب يوليوز ضد حزب الله في جنوب لبنان. كما أن فترة انتقال السلطة في الولاياتالمتحدةالأمريكية كان يقوي فرضية التدخل العسكري في انتظار تسلم مفاتيح البيت الأبيض من لدن رئيس جديد. - هل تقصد أن قياديي حماس وقعوا تبعا لذلك في شرك إسرائيلي غاية في المكر؟ < لم يتوقعوا على كل حال رد فعل عسكري من الحجم الذي شاهدناه منذ 27 دجنبر الجاري. إنه خطأ كبير من جانبهم في تقدير الحسابات وتقييم الأوضاع. - ما هي انعكاسات هذه الحرب على حركة حماس؟ < هناك احتمال كبير في أن يزيد من راديكالية الحركة من خلال صعود نجم العناصر الأكثر قوة. سبق أن لاحظنا ذلك خلال انتخابات الصيف الأخير المتعلقة بمجلس الشورى والجُمُوعِ الاستشارية لحماس التي توجد في غزة والضفة الغربية بين صفوف السجناء بكل من إسرائيل ودمشق. ويلاحظ في غزة وجود شباب يحتمل أن يكونوا أتوا من نهر البارد في شمال لبنان عبر مصر والذين يبدو أنهم متأثرون بشكل مباشر بأشخاص تكونوا في أفغانستان أو باكستان. وستستمر حماس، التي تتميز قيادتها السياسية ببراغماتيتِها، في الانغماس في صراع وطني صرف. غير أن حماس تتحكم، إلى حدود الساعة، في جميع مناصريها والمتعاطفين معها، بمن فيهم الأكثر راديكالية. أما في ما يخص تأثير خطاب القاعدة على حركة حماس، فإن هذه الأخيرة لا تشكل أي تهديد بالنظر إلى كونها على خلاف، بل على صراع مع منظمة بن لادن بعد مشاركتها في الانتخابات سنتي 2005 و2006. تدبير الوقت هو الميزة الأساسية التي تتمتع بها حماس. لا يتوقف قياديوها عن القول إنهم يتوفرون على ما يكفي من الوقت وإنه عندما يصل، ذات يوم، الإخوان المسلمون إلى سدة الحكم بطريقة ديمقراطية في مصر والأردن وربما في سوريا، فإنه سيكون بإمكانهم كذلك تحقيق الشيء نفسه في فلسطين بعد الاحتكام إلى صناديق الاقتراع. - ماذا يمكن أن يقع الآن؟ < هناك سيناريوهان في هذا الباب؛ أسوأ الفرضيات هو أن يتم إقصاء جزء كبير من الأطر التي تقود حركة حماس اليوم، وهو ما يعني خطر عودة الفوضى، وهو ما يمكن أن يشكل للحركة الضربة القاضية، من خلال العودة إلى حرب العصابات والميليشيات التي كانت لها الكلمة الفصل في قطاع غزة قبل أن تحكم حركة حماس سيطرتها عليه. أما أحسن السيناريوهات، فيتمثل في تدشين مفاوضات جديدة بين إسرائيل وحماس دون أن تكون بالضرورة تحت مظلة الوساطة المصرية، لأن مصر غير مؤهلة لذلك من وجهة نظر الإسلاميين بعد التصريحات العنيفة التي أدلى بها الرئيس المصري، حسني مبارك، في حق الحركة في الأيام الأولى من الحرب على غزة. حرب يبقى الرئيس محمود عباس أكبر خاسر فيها. لم يسبق لأبي مازن أن كان ضعيفا إلى هذا الحد. - ما هي الدول التي يمكن أن تلعب دور الوساطة بين حماس وإسرائيل؟ مصر غير مؤهلة إلى حدود الساعة. ويبدو لي أن تركيا تبقى في الواقع الشريك الأكثر مصداقية في أعين قياديي حماس. حيث تربط الحركة علاقات جيدة بهذا البلد منذ زمن طويل. علاقات مماثلة تربطها تركيا مع الجانب الإسرائيلي، إلى درجة أنها لعبت دور الوساطة في إحدى جولات المفاوضات بين تل أبيب ودمشق. معلوم كذلك أن تركيا تسعى إلى لعب دور دبلوماسي كبير في المنطقة قد تستفيد منه في حالِ تكلل بالنجاح في مساعيها الرامية إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي... قياديو حماس يدرسون أيضا إمكانية نشر مراقبين أتْرَاك في المعابر والممرات الرئيسية بين الضفة وإسرائيل. قطر كذلك فاعل أساسي في هذا المجال بالنظر إلى العلاقات الجيدة التي تربطها مع حركة حماس، لكنها تواجه في هذا الإطار عائقا كبيرا يتمثل في كونها ليست عضوا في جامعة الدول العربية مثل مصر مثلا، وبالتالي لا يمكنها في ظل هذه الظروف أن تلعب الدور الأساسي في ملف يريد المصريون الاستمرار في السيطرة عليه عربيا. - ألم تضعف حظوظ الاتحاد الأوروبي في لعب دور ريادي في المفاوضات بعد مقاطعة الأوروبيين لحركة حماس وقبولهم إدراجها ضمن قائمة المنظمات الإرهابية؟ < أخطأ الأوروبيون حين استسلموا دون تفكير لضغوطات إدارة جورج بوش وساروا في ذلك الاتجاه. كنت ضمن أولئك الذين أشاروا حينئذ إلى التزاماتنا المالية في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، وإلى أن إدراج حركة حماس في لائحة المنظمات الإرهابية يعزلنا، نحن الأوروبيين، عن ممثلي الفلسطينيين ويضعنا في وضعية عبثية. كانت أوروبا في هذه القضية غائبة وخائرة القوى. مبادرة الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، كانت شجاعة، لكنها كانت كذلك محفوفة بالمخاطر نظرا للتأخر الذي وسم الإعلان عنها وترويجها، مما جعلها مهددة بتجاوزها، حيث الأحداث تتعاقب وتتطور بوتيرة جد سريعة. كان بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يستغل الهدنة ووقف إطلاق النار من أجل التدخل لدى مصر وحماس وإسرائيل اعتمادا على دبلوماسية الوقاية من الأزمات لتفادي المأساة التي وقعت. عن «لونوفيل أوبسيرفاتور» الفرنسية