ما معنى أن تكون قاصا مغربيا؟ إنه سؤال مركب يروم اختبار الهوية المزدوجة للكائن القصصي، بما هو قاص أولا، ومغربي ثانيا. ولأنه سؤال معقد، فإن هناك أكثر من طريقة للالتفاف عليه وعلى أي سؤال قد يتقصد «المعنى»، سيما أن سؤال المعنى- إن كان هناك معنى أصلا- قد يكون بلا معنى أحيانا..وما دام القاص(وأي كاتب آخر أو فنان) قد لا يطرح على نفسه- باعتباره محسوبا على الجسد الأدبي والفني المغربي طوعا أو كرها- كذا سؤال فإن إجابته عنه حين السؤال قد لا تستقر على حال. هي إذن أقرب إلى المزاجية مادام سيخضعها للسياق الذي يشرط حالته الخاصة في الزمان والمكان. وهكذا، فإنه في كل مرة يصوغ أجوبته وفقا لتقديرات تمليها «الهنيهة الفقيرة». ومع ذلك فإن كينونته القصصية والفنية- إذا ما تحققتْ جزئيا أو كليا- قد لا تعني له شيئا على الإطلاق، أو على الأقل لا تعنيه كثيرا، فبالأحرى أن تتخذ لديه معنى مخصوصا يتم الإعلان عنه صراحة. فكتابة القصة (أو باقي الإبداعات والفنون اللغوية وغير اللغوية) لا تختلف من حيث المبدإ عن أية ممارسة أخرى ننخرط فيها- بوعي أو بدونه- دونما إخضاعها إلى التفكير الواعي..لا لشيء إلا أننا لا نعرف بالضبط لمَا نقومُ بذلك. ثم لأن العين، برأي سيجموند فرويد، لا ترى العالم وترى ذاتها في آن. لربما- وهذا هو المضمر في المسألة- هو تعويض عن فشل ما أو توق إلى غايات غير معلومة ولا مفهومة، تمليهما هشاشة الكينونة وغريزة البحث عن انتماء جغرافي ورمزي للتحصن ضمن شريحة اجتماعية بعينها كسلالة القصاصين، مثلا، إلا أن هذه الغواية وحدها قد لا تكفي لتفسير واقع الحال. إذ المرجّح أن الميل إلى الحكي عموما- وكتابة القصة على التخصيص- قد يجد له ربما مبررات سيكولوجية غامضة كالنزوع النرجسي البائس واليائس لمقاومة العدم، أو الرغبة في التمسك ببدائل وهمية لم يسعف الواقع في تحقيق بعض منها بالملموس، وبدل أن نعيش نلجأ إلى الحكي التخييلي، هذا إذا ما حوّرنا قليلا عنوان السيرة الذاتية للروائي غابرييل غارسيا ماركيز، خاصة حينما يكون المعيش قاسيا وحيلتنا في مواجهته سلبية ولا تتعدى الكلام والسرود. وحتى لا يذهب التأويل بعيدا، فإن «التسامي» حين يتخذ شكل «لوثة الكتابة» والتسريد، ليس عَرَضا باتولوجيا بالضرورة، وإنما هو توق إيجابي بشكل من الأشكال -لتحقيق الذات والعيش في اللحظة الواحدة حيوات شتى متجاورة ومتداخلة (حسب تعبير الأستاذ محمد برادة)، وبالتالي البرهنة على أنه بالوسع محاكاة فعل الخليقة بابتكار أشياء جميلة- نثرا وشعرا، ولو بالكلمات! لكن هل تكفي الكلمات؟