المسألة هنا» خطيرة» جدا، فيما نظن، إلى الحد الذي يستلزم من القراء التماسك قليلا قبل مطالعة المقال كاملا. إذ لا يتعلق الأمر بتحذير من «قومة» أو«رؤيا» نتوقع حدوثها كتلك النبوءات التي حلم بها نوسترادموس- بحرص يليق بالغموض الدال- ومن دون دخول في التفاصيل التي يحتمي بها الشيطان ولد الحرام على الدوام. وهي ليست «ثورة»-قادمة بلا جدال- تعشش في الخيال فيما لا ثور في الحقول يخور ولا بقرة عدا سلام سلام. لكن ما معنى أن يكون الأمر خطيرا؟ لا شيء في أغلب الظن. فليس من اللازم أن يسيل الدم و يلعلع «القرطاس»- بكسر القاف- فتسقط الأرواح حتى تتسم الأوضاع بالخطورة، لأن هذا النعت (الخطير) -التابع لمنعوته في التأنيث والتذكير والإفراد والتثنية والجمع- لا ينطبق دوما على الوعيد والفاجعة كما قد نتوهم بحكم التجارب المؤلمة والاستعمال المفرط للغة، وإنما قد يكون أحيانا عنوانا للأهمية والقدْر النبيل. لهذا لا خوف عليكم من شيء إذا ما نحن جازفنا بالحديث عن «خطورته»، أي أهميته، وعن الربيع (ليس الربيع بن هيثم ناسك الكوفة الشهير)، وعن الربيع المغربي على التخصيص. وإذا انضممنا، بلا لف ولا دوران إلى كوكبة المطالبين بربيع دائم، إمعانا في النزق و«التورية» بتاء مهملة، وهل هناك تاء مهملة؟ المهم لقد سئمنا من اليباس ونريد ربيعا كاملا، حيث يكون أو لا يكون، ما لم نقل إننا نبغي ما سماه لوكليزيو «الربيع والفصول الأخرى». حسنا فليكن مادمنا لسنا أول الداعين إلى هذا ولن نكون الآخرين. وبصريح العبارة نريد ربيعا أيها السادة.أجل نريد «ربيعا مغربيا» في المستوى. ها قد صار الربيع- أخيرا -كناية سياسية عربية بعدما ظل لأزمنة رمزا لاخضرار الطبيعة، وها قد غدا الياسمين أيضا كناية كما القرنقل، حتى أن الحديث عن الربيع أضحى تدخلا في الشأن العام، وجالبا للمحاكّة (والكلمة عربية) مع «أهل الوقت»، ولو كان الأمر مجرد فضفضة حول الربيع. أقصد الربيع الحقيقي الذي كدنا ننساه في حميا الهبّات المتلاحقة في العالم العربي. ولعل المجازات اللغوية فوتت علينا في المغرب التمتع هذا العام بالربيع. ربيع الطبيعة التي حنّت بعدما قست القلوب والعواطف وكاد اليأس يصيب منها الشغاف. حل الربيع إذن بعد فترة من القحط طويلة. أزهرت الأرض وكان على الشعراء أن يعيدوا اكتشاف المعاجم من جديد، ليرتبوا أسامي الزهور في قصائدهم ويشحذوا مناقير الطيور الشادية، بل أن يتذكروا النصوص التي قرأوها للمرحوم بوكماخ خلال الصفوف الابتدائية. والجميل حقا أن» الربيع المغربي» هذا العام كان مائزا، إذ لأول مرة نرى الزهور تصطف في تناغم ما تعودنا عليه، كل لون وكل صنف، على حدة، بنظام وانتظام، كأن الحقول» ميادين تحرير»..هل أرادت الطبيعة، بهذه الإشارة البليغة، أن تحتفي بربيع له نكهة تساير ما يقع من أحداث؟...ثم من قال إننا نتكلم عن السياسة...والحال أن كلامنا عن الربيع لا غير. * كاتب