بعد كل حدث إرهابيّ يهزّ المغرب، تسلط الأضواء على الضحايا والمنفذين، على حد سواء، يتعاطف الرأي العامّ ويتضامن مع الضحايا وعائلاتهم، الذين لا ذنبَ لهم سوى تواجُدهم في الأماكن التي استهدفتها الأيادي الآثمة. يحجّ المسؤولون، على المستوى المحلي والوطني، إلى بيوت الضحايا لتقديم التعازي ولمواساتهم، وتنشط الآلة الإعلامية لنقل آخر التطورات والأخبار والتصريحات، الرّسمية وغير الرسمية، قد تكون مُعبّرة عن آراء في ما حدث، وأحيانا تقدَّم من خلالها وعود للضحايا، منها ما تحقق ومنها ما لا زال ينتظر.. بدون أجرة بعد تفجيرات الدّار البيضاء لسنة 2003 انتقل عامل عمالة الفداء إلى منزل الضحية أحمد عاطف، الذي اغتالته أيادي الإرهاب في «فندق فرح»، من أجل تقديم التعازي ومنح الدّعم المعنويّ للأسرة، ومما اقترحه العامل، حسب قول ابنة الضحية فتيحة عاطف، أن تلتحق بالعمل في الدائرة الحضرية بعد أن تنهي والدتها العدّة، وهذا ما فعلت.. أمضت فتيحة (مستوى بكالوريا) سنتين من العمل في الدائرة الحضرية دون مقابل مادّي.. فطالبت بتسوية وضعيتها، فكانت النتيجة هي تمكينها من أجرة شهرية قيمتها 1000 درهم تُمنَح لها من «الصندوق الأسود»، حسب قولها، فواصلت العمل وكلها أمل أن يأتي يوم تحصل فيه على وظيفة بشكل رسميّ، فطرحت ملفها على المسؤولين المتعاقبين على العمالة، فظلت في عملها وأصبحت تتقاضى منذ سنة 2006 أجرتها من الإنعاش الوطني، والمحددة في 1200 درهم، وهو مبلغ تعتبره فتيحة «هزيلا» مقارنة مع العمل الذي تؤديهه في مكتب الضبط داخل الدائرة الحضرية في «بوشنتوف.» بعد مرور عشر سنوات تخشى عاطف أن يظلَّ وضعها كما هو، خصوصا أنها تتقدّم في السن (38 سنة) وتقول في هذا الصدد «إن عامل الفداء السابق هو من اقترح عليّ العمل، وكنت أظن أنني سأعمل كموظفة رسمية، لكنني فوجئت بعد كل هذه المدة التي ضاعت من عمري بأنّ الوضعَ بقي كما هو، وسعيت إلى أن أسوي وضعيتي لكنْ دون نتيجة». ورغبة منها في حلّ مشكلتها حاولت رئيسة جمعية ضحايا 16 ماي، رشيدة لكدالي، المعروفة ببنعدي -نسبة إلى زوجها الذي توفي خلال الأحداث- لقاء عامل عمالة الفداء الحالي لطرح ملف عاطف عليه، لكن لم تتمكن من لقائه، رغم إلحاحها الشّديد. وعد وزير المالية إذا كانت فتيحة عاطف قد تلقت وعدا من عامل عمالة الفداء، فإن السيدة الفاسي، التي قضى زوجها في تفجيرات 16 ماي في “دار إسبانيا”، تلقت وعدا من وزير الاقتصاد والمالية وقتها، فتح الله ولعلو، بالحصول على سكن ومساعدات مالية، بعد زيارة لها بمقر سكناها لتقديم التعازي وقتها، بحكم أن زوجها كان موظفا تابعا لوزارة المالية، غير أنّ ذلك لم يتحقق منه شيء، ما جعل هذه المرأة تعاني مع مالكة الشقة التي تكتريها، حيث رفعت الأخيرة دعوى قضائية ضدّها من أجل الإفراغ. تحكي السيدة الفاسي، أم لثلاثة أبناء، عن معاناتها مع السكن قائلة «منذ 38 سنة ونحن نكتري شقة بجانب دار إسبانيا، ونؤدّي واجبات الكراء بانتظام، غير أنّ مالكة العمارة تسعى بكل الوسائل إلى إفراغي بدعوى حاجتها إلى الشقة رغم أنها تملك عشر شقق غيرها».. مازالت دعوى الإفراغ رائجةفي المحكمة الابتدائية للدار البيضاء، والتي حُدّدت يوم 16 ماي المقبل، أي يوم تخليد الذكرى العاشرة لوفاة زوج السيدة الفاسي، التي تقول إنها أصبحت بعد الأحداث الإرهابية تعاني من مرض السّكري ومن فقدان التركيز والاستقرار النفسي. تواصل مع الدّيوان الملكي ما زال ضحايا أحداث 16 ماي يتواصلون مع الديوان الملكي، حسب ما أكدته رشيدة بنعدي، رئيسة جمعية ضحايا 16 ماي، التي قالت «إنّ الديوان الملكي يتدخل لحلّ الملفات، ومنها حالة مرض لإحدى نساء الضحايا والتي حظيت بالرعاية الملكية، فنحن ممتنّون لجلالة الملك، الذي نعيش تحت رعايته». إلى جانب الرعاية الملكية التي تحظى بها هذه الفئة، يعتبر ضحايا أحداث 16 ماي أنفسَهم مَدينين لعائلة «الحفيري»، التي تملك مجموعة مدارس «الإقامة» في الدارالبيضاء، والذين يدرّسون أبناءهم الذين يتوفرون على مستوى تعليمي متقدّم مجانا منذ سنة 2003.. تقول رشيدة بنعدي، رئيسة جمعية صضحايا أحداث 16 ماي : «بعد جلالة الملك، الذي دعم الضحايا ماديا ومعنويا، فإن الرجل الوحيد الذي خدم يتامى ضحايا 16 ماي خدمة حقيقية هو السيد المهدي الحفيري، رحمه الله، الذي وافته المنية منذ حوالي ثلاث سنوات، فواصل أبناؤه بعدَه ما بدأه، من تدريس مجانيّ لأبناء الضحايا، الذين يتوفرون على مستوى دراسي يواكب شروط ولوج المدرسة، التي تعتبر من أرقى مدارس الدارالبيضاء». كان عدد من أبناء ضحايا 16 ماي يتابعون دراستهم في المدارس الخاصة، لكنها مدارس لا ترقى إلى مستوى مدرسة الإقامة، توضح بنعدي، التي تؤكد أنّ أبناء الحفيري لم يكتفوا بتدريس أبناء الضحايا، بل يقدمون الدعم اللوجيستيكي للجمعية، وهناك من أبناء الضحايا مَن تخرّجوا وأتمّوا دراستهم وينتظرون الحصول على عمل يناسب مؤهّلاتهم الدراسية. وتسعى جمعية ضحايا أحداث 16 ماي إلى توسيع نشاطها عبر الانخراط في تنمية المجتمع عبر طلب دعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وإقامة مشروع للحلويات، لتستفيد منه النساء الأرامل المعوزات، غير أنّ العائق الذي يعترض الجمعية حاليا هو عدم توفرها على مقرّ للجمعية, وعن الأهداف التي ترغب الجمعية في تحقيقها تقول بنعدي : «رغم ما وقع فإنّ الحياة تستمر، ونريد ألا نظل مرتهنين إلى الماضي، لذلك فإننا نرغب في أن نساعد النساء الأرامل لأننا نحسّ بمعاناة الأرملة التي يتوفى زوجها ويترك لها أبناء». في انتظار التعويضات ما زال محمد محبوب، المسيّر السابق ل«دار إسبانيا»، يعاني من آثار صدمة أحداث 16 ماي، إلى جانب أزيدَ من 60 شخصا أصيبوا خلال الأحداث, أجرى حوالي سبع عمليات جراحية وتابع علاجه النفسي، بعد استفادته من مجانية الاستشفاء، الذي كان تحت الرعاية الملكية. ينتظر المسير السابق ل”دار إسبانيا” -بدوره- التعويض المادي من الدولة، والذي تشرف عليه الوكالة القضائية للمملكة، المكلفة بالملف, لم يرغب في الخوض في تفاصيل الملف، مكتفيا بالقول «إنه سيتم تعويضنا خلال الأشهر المقبلة»، في الوقت الذي علمت «المساء» أنّ الضحايا راسلوا عدّة جهات للتعويض فلم يكن هناك أي رد فعل خلال السنوات التي مضت، إلى أن أخبِروا أن الوكالة القضائية التي تنوب عن الدولة ستبتّ في ملف تعويضات المصابين من ضحايا 16 ماي بعد أن تنتهيّ من تقييم ملفاتهم التي لم يكتمل بعضها إلى حد الآن، بسبب نقص مجموعة من الوثائق. سياسة الوعود دفع تزامُن حادث مقهى «أركانة»، الذي ضرب مدينة مراكش سنة 2011، مع الانتخابات، بعضَ السياسيين إلى تقديم وعود للضحايا، ومنهم الأمين العامّ لحزب سياسي، يوجد حاليا في المعارضة، قام بزيارة إلى أسرة الضحية «البوزيدي» في مراكش، وقدّم أمينه العام تصريحا صحافيا مفادها أنه سيقوم بالمبادرة نفسها تجاه عائلة منير في مدينة الدارالبيضاء، لكنه لم يفِ بوعده، حسب ما قاله ابن الضحية سمير منير، ل«المساء»، هذا الشاب، الذي «سئم» من الوعود التي قُدّمت له ولأسرته عبر تصريحات إعلامية، لكن لا شيء تحقق منها، وكمثال على ذلك، قال سمير : «طيلة أربعة أشهر وأنا أسافر غإلى مراكش من أجل العمل على تنفيذ وعد وزير السياحة السابق ومدير المركزي الجهوي في مراكش ونائبه، واللذين أكدا أنهما سيعملان على تشغيل أخي في قطاع السياحة، لكنْ دون نتيجة تذكر». ويتابع هذا الشاب بانفعال: «لم نطلب منهم شيئا، هم من اقترحوا وقدّموا وعودا شفوية، لكنْ بعد مرور الوقت يتنكرون لوعودهم، المساعدة الوحيدة التي تلقيناها هي تكفل جلالة الملك بمصاريف الدفن والعزاء ومساعدات من مداخيل مباراة في كرة القدم وسهرة موازين».. ويتساءل منير عن معنى «مكفولي الأمة»، الذين يُصنَّف ضحايا الأحداث الإرهابية ضمنهم، خصوصا أنه لا وثيقة يملكونها تدلّ على ذلك، تمكنهم من الاستفادة من مناصب الشّغل والمنح الدراسية وامتيازات التنقل,. ما زال سمير منير يتذكر حديث وزير الداخلية السابق، الطيب الشرقاوي، الذي التقى عائلات الضحايا الأجانب والمغاربة، وأخبرهم أنّ هناك طريقتين لتسوية ملف التعويضات، الأولى هي رفع دعوى قضائية ومقاضاة الدولة وانتظار الحكم، أما الطريقة الثانية فهي الحصول على التعويض بشكل حِبّي.. اختارت عائلة منير الحلّ الأخير لأنها لا تستسيغ رفع دعوى قضائية ضد بلدها، وتنتظر أن تتوصل بتعويضها الذي وعد المسؤولون بأن يكون مثل التعويض الذي ستتلقاه عائلات الضحايا الأجانب، ومنهم الفرنسيون، الذين يتوفرون على صندوق للدعم في بلدانهم. وفي هذا الصدد تقول سعاد البكدوري (الخمال) رئيسة الجمعية المغربية لضحايا الإرهاب: «لقد حزّ في نفسي أن تقترح عائلات الضحايا الأجانب على المغاربة تقديم مساعدات مادية بعد علمهم بعدم توفرهم على صندوق للدعم في المغرب، وهو ما رفضه المغاربة، لأنّ «كرامتهم» لا تسمح لهم بذلك»..