نساء يتوارَين خلف السواد، حياتهنّ ووجوهن تقبع وراء الستار ويغلفها الصمت المطبق والحذر الشديد، يعتبر البعض الواحدة منهن «خيمة متنقلة» تحمل الكثيرَ من الغموض والأسرار، و يعتبرهنّ آخرون وريثاتٍ للحور العين في الأرض.. نساء من نوع خاص منهنّ من قبلت بقطع صلة الرحم مع ذويها وطاعة زوجها طاعة عمياء، وتتحملن مطاردة الأجهزة الأمنية وتعقب آثارهن، وأخريات طوّعن رجال المخابرات لتصبح لهم حكايات طريفة معهنّ.. «المساء» تكشف النقاب عن زوجات سلفيين لا يعترفن بالقوانين المغربية «الوضعية».. كيف يعشن حياتهن الخاصة؟ ولماذا تطاردهنّ الأجهزة الأمنية وتترصد التقارير حركاتهن وسكناتهن؟ جلال رفيق غيرَ بعيد عن برجَي «توينْ سنترْ» في قلب الدارالبيضاء، يقبع منزل فتيحة حسني، أو فتيحة المجاطي، نسبة إلى زوجها الأول كريم المجاطي الذي قتل في أبريل 2005 في السعودية رفقة ابنهما آدم، والذي وصف (في حياته) ب»خليفة أسامة بن لادن».. امرأة بأفكار حديديّة وجسد نحيل يتوارى وراء خمار أسود لا يتبدّى منه غير نظارات طبية. تقدّم نفسها باسم «أم الشهيد آدم المجاطي»، وتُصرّ على أن مشكلتها الأولى والأخيرة هي «مع دولة تحصي أنفاس من لا يتفقون معها». امرأة تُقرّ: لا أعترف بالقوانين الوضعية.. تعيد فتيحة المجاطي شريط ذكريات حزينة من يوم سلمتها السلطات السعودية إلى المغرب عبر طائرة أمريكية خاصة، إلى أن تم نقلها إلى «معتقل تمارة»، الذي قلب حياتها رأسا على عقب، وتسبب لابنها إلياس، الذي اعتقل معها وهو لم يتجاوز بعدُ ال10 سنوات، في اضطراب هرمونيّ جعله يعاني من عزلة دامت زهاء 8 سنوات. تتساءل فتيحة بانفعال متزن: «لماذا لا تغادر عناصر الأجهزة الاستخباراتية بوابة منزلي؟ لماذا تُمعن الدولة في تعذيبي؟ كيف يُرفض زواجي من زوجي الحالي مولاي عمر العمراني هادي، ابن الممثلين عبد الله العمراني وزهور المعمري، والذي يقضي عقوبة 10 سنوات بتهمة «الإرهاب»، رغم أنني حصلت لثلاث مرات على إذن من وكلاء للملك في محاكم مختلفة؟».. الحياة الخاصة لأرملة كريم المجاطي، عضو تنظيم القاعدة الذي سقط صريعا في «معركة الرس» في السعودية في أبريل سنة 2005، غير عادية. قالت ل»المساء»: «معاناتي خاصة بحكم الحياة التي أعيشها وعداء الدولة لي، فأنا دوما أحسّ بالحرب التي تشنها الدولة المغربية ودول أخرى ضدي، فأنا مُطارَدة وملاحقة من المخابرات بطرق مكشوفة، فما يحدث لي لا يحدث لأيّ مواطن في المغرب، أخرج من باب المنزل أتصادف مع رجال أمن بزيّ مدني «الحناشْ».. منذ 9 سنوات وأنا على الحال نفسه، 24 ساعة في اليوم، يقبع ثلاثة أفراد دائما أمام باب منزلي، لا شغل لهم غير مراقبة فتيحة المجاطي».. كلام امرأة مثيرة للجدل، مثل فتيحة الحسني، يصدر عن ذاكرة ملتحفة بالسواد، «حياتي غير طبيعة لأنني قضيتُ فترة مهمة من عمري رفقة ابني آدم في معتقلات سرية، وهو أمر غير عادي»، تقول المجاطي، وتضيف: «أثناء خروجي من السجن فوجئت بالمطاردة اللصيّقة لي، وحبذا لو كانت مراقبة مهنية لا يشعر بها الإنسان المراقَب، فأنا أراقَب بطريقة فجّة، أذهب لزيارة أقاربَ لي فأفاجأ بعد الزيارة بأنه قد تمّ استنطاق الجيران.. استعادت فتيحة المجاطي، التي وصلت صلابتها حد رفض تقبل العزاء في وفاة زوجها كريم وفلذة كبدها آدم والتصريح علنا بعدم اعترافها بقوانين الدولة المغربية، شريط الماضي، الذي ما زال جاثما على حاضرها: «قتل زوجي وابني في 2005، وإلى حدود الساعة لا أعرف أين جثمانياهما»، تقول فتيحة ل»المساء»، وتتابع: «توجّهتُ للمحكمة الإدارية عدة مرات رغم أنني لا أعترف بالقانون الوضعيّ، ومع ذلك فالدولة لا تريد أن تسلمني جثماني زوجي وابني». حاولت فتيحة أن تطويَّ صفة في كتاب المآسي الذي يتضمّن قصة مبتورة عن وفاة أقرب الناس إليها، وتفتح أخرى لكن عبثا: «حاولتُ أن أتزوج من جديد، لكنّ الدولة رأت أن يكون زواجا مع وقف التنفيذ، فقد باشرت كل الإجراءات القانونية، وأتوفر على ملفات وشواهد ومحامين (تبسطها أمام صحافي «المساء») لكن الدولة تريد أن تتركني في وضع المعلقة». تعلو نبرة فتيحة المجاطي، فتتفجّر الكلمات خارج نقابها الأسود كحمم بركانيّة: «حتى الوكيل العام للملك في الرباط، والذي يُفترَض فيه أن يتحلى بحياد القاضي، قال لمحامي: «لن تحلم فتيحة المجاطي يوما بالزواج»!.. هل هناك قانون أو شرع أو عرف يمنع امرأة من الزواج أو تسلم جثمان زوجها وابنها أو حتى الحياة كباقي الناس؟».. تتسائل أم آدم المجاطي. من الصعب الإحاطة بتفاصيل حياة فتيحة المجاطي وكشف النقاب عن أسرارها، فلكل مرحلة من مراحل حياتها تفاصيلُ مثيرة ومدهشة، فالمرأة العابرة للقارات، والتي اختارت الهجرة من دار السلام في المغرب إلى دار الحرب في أفغانستان، حيث الموت تفصيل عاديّ من تفاصيل الحياة اليومية.. انتقلت لاحقا من أفغانستان إلى باكستان، ومنها إلى بنغلاديش فالرياض.. اشتغلتْ في الخياطة وبيع الأعشاب والتجارة، ليستقرّ بها الحال الآن ممثلة لإحدى الجمعيات الحقوقية المعروفة في سويسرا.. تعلق أم آدم وإلياس على ما اكتسبته من تجربة في مجال الدفاع عن «المعتقلين السلفيين» قائلة: «ليس لدينا نظام يوميّ ننتظم وفقه ونخضع له.. حياتنا متقلبة، نعيش نمط حياة لا رأس له ولا قاع». وتتساءل بصيغة استنكارية»: «يجعلني ما مررتُ به من أزمات دوما أتساءل هل هناك سياسة مُمنهَجة تعمّدتها الدولة ضد شريحة من المجتمع المغربي؟ لأنني أحس بأنّ هناك تعذيبا مُمنهَجاً لا نعرف الهدف منه، وأحيانا أتساءل ألم يكن حريّا بالدولة أن تقتلني أو تحكم عليّ بالإعدام حتى تخلصني من المعاناة وأخلصها من «تعبي»؟ لماذا تمعن الدولة في تعذيبي بطريقة سادية؟».. طرائف فتيحة مع مراقبيها لم تعد المراقبة الأمنية لفتيحة المجاطي أمرا مثيرا، فبعض «الحجاج» (هكذا تنادي فتيحة وابنها إلياس مراقبيها، الذين يبادلونها نفس الاسم: الحاجة) أصبحت تعرفهم حق المعرفة، تبادلهم التحية ويساعدونها أحيانا في حمل القفّة إلى الطابق الأول للعمارة حيث تسكن. تتذكر أم آدم، في أحد أيام شهر رمضان، حين توصلت بإعانة من محسنين من خارج أرض الوطن قصد توزيعها على فقراء ومُعدَمين في حي «السكويلة» الذي يضمّ بين جدرانه الصفيحية عددا من عائلات المعتقلين الإسلاميين. فطنت فتيحة إلى ملاحقتها من طرف شابَّيْن على متن دراجة نارية متهالكة، ويبدو من شكلهما الخارجيّ أنهما حديثا التخرج من معهد الشرطة.. قالت أم آدم إن المطاردة كانت مباشِرة وفجّة، ما اضطرها إلى التوجه نحوهما لتخاطبهما قائلة: «سيرو دْبّرو على روسكومْ، أنا را ليوما غاديا نْباتْ هنا»، قبل أن تضيف: «ديرو مْعانا إيدّيكومْ في سبيل اللهْ وهْزّو مْعانا شي زكاة ديال الفطرْ، باش تاخدو تاتوما الأجرْ».. فما كان من الاثنين إلا أن ساعداها في توزيع الزكاة العينية، رغم أن أحدهما صرّح لها بأنه ضابط وليس «حنشْ»، كما نعتته أم آدم.. أمّا إلياس المجاطي، ابن فتيحة، فقد حوّل، بشغب الأطفال، علاقته وعلاقة أمه بالمُراقَبين إلى ما يشبه لعبة الغميضة: «مرارا أتوه عن مطرِدي وسط الزحام، فيعودون إلى باب منزلي خائبين، وعندما يجدهم إلياس يمازحهم: «هرباتْ ليكومْ مّي، آشْ هاذ الشّي ما حْضيتو والو».. تقطع فتيحة المجاطي الهزل بالجد، وتقول: «مطاردتي من طرف مختلف الأجهزة الأمنية، كالاستعلامات العامة أو الديستي، قضاءٌ وقدَر يلاحقني منذ أزيد من 7 سنوات». سلفية.. خادمة بيوت رغم نظرة الآخرين إليهنّ يعشن حياة أوسع مما تسمح به فتحات الرؤية في نقابهن، فيهن من تتّشح حياتهنّ بالسواد من أعلى رؤوسهن إلى أخمص أقدامهن، وفيهن من يعشن حياة وردية رغم السواد الذي يُغطّي تضاريس أجسادهن.. يتذكر عبد الرحيم مهتاد، رئيس لجنة النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين، حالة امرأة كانت متحررة، تتوفر من الجمال على نصيب وافر، اختارت دخول قفص الزوجية والارتباط بمتديّن لم تكن تعرف عنه الشيء الكثير.. بعد مرور سنتين على زواجهما، بدأت تكشف أسرار زوجها السلفيّ، الذي كان يستضيف أصدقاءه، من مجموعة يوسف عداد، أحد عناصر جماعة الهجرة والتكفير والمحكوم بالإعدام.. تورّطت الزوجة في متاهة لا قِبل لها بها، وحكت لعبد الرحيم مهتاد، بعظْمة لسانها، كيف كانت تعيش حياة استثنائية بعد أن تحوَّلَ بيتها إلى مأوى لمتطرفين وعناصر خلايا يطاردهم الأمن المغربي، بعد اعتقال زوجها عقب الأحداث الإرهابية 16 ماي، لارتباطه بملف عبد الوهاب الرباع ويوسف الحنوشي.. لم تقو الزوجة على تحمّل الصدمة، خصوصا بعد علمها بإصابة زوجها بخلل عقليّ داخل السجن ومحاولة أفراد عائلته الحجر عليه والاستيلاء على بعض أراضيه، ما اضطرها إلى رفع دعوى طلاق ضد زوجها، الذي «دوّخ» الأمن المغربيّ قبل اعتقاله. لم تجد الزوجة حضنا تشكي إليه همومها غير لجنة النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين، أعادت شريط ذكريات حزينة مرت بها، وكيف كانت بدايتها بارتداء النقاب إيمانا بزوجها وتطبيقا لشريعة الله، وكيف انتهى بها الحال الآن خادمة في البيوت، ترتدي حجابا عاديا يسهّل عليها مجاراة مجتمع مازال ينظر إلى المنقبة نظرة ارتياب. سلفية «حْرّاكة» بشرى الجديدي، زوجة أحد أبرز «نجوم سيدي مومن»، بتعبير الروائي ماحي بينبين في روايته التي تحمل نفس الاسم.. يوجد زوجها خالد النقيري حاليا في سجن القنيطرة، ارتدت النقاب لسنوات، وبعد اعتقال زوجها، تحوّلت حياتها إلى جحيم، وأصبحت مُعرَّضة للعمى، بعد أن أصيبت في قرنيتيها، ما اضطرها إلى طرق أبواب لجنة النصير لمساعدة المعتقلين الإسلاميين، التي أطلقت حملة اكتتاب لمساعدتها على السفر إما لتونس أو إلى إحدى دول أوربا، وتمكنت المنقبة من السفر إلى فرنسا لإجراء عمليتين جراحيتين مكلفتين ماديا، غير أنه بعد انتهاء مدة الإقامة، التي حُدِّدت في ثلاثة أشهر، تفاجأت لجنة النصير لمساعدة المعتقلين الإسلاميين بعدم عودة المنقبة، التي دخلت في خانة «الحْرّاكة»، بل تبيَّنَ بعد مرور وقت وجيز أنها رفعت دعوى طلاق ضد زوجها السلفيّ المحكوم بمقتضى قانون الإرهاب ب20 سنة سجنا نافذا.. والغريب أن المحكمة أصدرت حكما بضرورة تحمّل الزوج صائر النفقة، رغم وجوده وراء أسوار سجن الزاكي. الآن، بعد أن كانت تطرق زوجة السلفيّ المنقبة أبواب لجنة النصير للعلاج -وربما الهجرة غير الشرعية- بعد أن تركت لباسها الأسود جانبا ونشرت صورا على الموقع الاجتماعي «فايسبوك» تكشف تضاريس جسدها وقوامها الممشوق.. جاءت أم المعتقل السلفيّ لتطرق -بدورها- أبواب لجنة النصير قصد التدخل ومساندة فلذة كبدها، الذي يعاني أزمة نفسية حادة بعد الحكم عليه بالنفقة لصالح زوجة أعلنت استسلامها بعد سنة من اعتقال زوجها. «فقيهة» بدون شهادة.. في حي السلامة الشعبي التقينا منقبة من أصول أمازيغية، تسهر على تنظيم دروس «الوعظ والإرشاد» في بيتها، تحضرها نساء أغلبهنّ أميات، ينصتن بإمعان إلى خطبة «الفقيهة عائشة»، التي تعتلي أريكة، في حين تجلس أغلب النساء القرفصاء أمامها. الفقيهة «عائشة» أم لأربعة أبناء، منهم سعيد، ذو ال9 سنوات، والذي طُرِد من المدرسة بعدما ضُبِط متلبسا باحتساء الخمر.. بصعوبة سمحت «الفقيهة» عائشة لصحافي «المساء» بمتابعة «الدرس» من خلف ستار.. كان «الدرس»، الذي حضرته 12 منقبة منهنّ من اصطحبت أطفالها معها، في موضوع «لباس المرأة المسلمة»، ولضيق المكان فقد تمّ حشد الأطفال في مطبخ البيت، فكان «درس» بكاء الأطفال وصراخهم وعبثهم بالأواني يعلو أحيانا على صوت «الفقيهة».. تحدثت «الفقيهة عائشة»، التي أكدت ل»المساء» أنها لا تتوفر على شهادة متابعة الدروس الابتدائية.. عن النقاب و»الحايْك» الذي قالت إن المرأة المغربية ارتدته منذ أربعة عشر قرنا، مضيفة أن «النقاب و»الحايكْ» هو اللباس الوحيد الذي كانت تعرفه المرأة في المغرب، قبل أن تجتاح موجة الميوعة النساء المغربيات، اللواتي أصبحن يكشفن تضاريس أجسادهنّ بلباس يكشف أكثرَ ما يستر».. «أفتت» الفقيهة عائشة بأنْ «يكون النقاب واسعا، فضفاضا، طويلا، غيرَ شفاف، لا يشبه ملابس الرجال ولا «لباس الكافرات»، ولا يكون لباسَ شهرة، ويكون ساترا لسائر جسد المرأة، ولا تكون فيه زينة أو ألوان برّاقة لافتة للنظر.. اللّي دارتْ النقاب را تْحافظ على زمانها ووْليداتْها».. هكذا أنهت «الفقيهة عائشة» درسها، قبل أن تناديّ على ابنها سعيد، الذي سبق أن طرد من المدرسة بسبب السُّكر، ليحضر الشاي و»الفقّاسْ».. تسأل «المساء» «الفقيهة»عائشة كيف تفتي وهي لا تتوفر حتى على الشهادة الابتدائية، فتجيب ببساطة، أن حرصها على نشر الموعظة في صفوف النساء المنقبات جاء من إعجابها بالشيخين عمرو خالد والعريفي، اللذين لا تفوّت فرصة متابعتهما على الفضائيات،» بل إنني أضطر أحيانا إلى حفظ كل ما يقولان حتى يتسنى لي إلقاء موعظة في المستوى في صفوف نساء طلّقت أغلبهن طاولة المدرسة في سن مبكرة»، تضيف «الفقيهة». وقالت إحدى تلميذاتها «الفقيهة عائشة» التي حضرت الدرس ل»المساء» إنّ «عائشة معروفة بأخلاقها الحميدة وبطيبوبتها، وقد عرض عليها حزب العدالة والتنمية الترشح للانتخابات كوكيلة للائحة غير أنها رفضت».. قاطعتها «الفقيهة عائشة» قائلة: «أنا لا أعرف أسرار السياسة وأرفض الانتماء إلى أيّ حزب أو جماعة دينية». «الغريب في كل جلسات الموعظة التي تقدمها «الفقيهة عائشة» هو أنه بمجرد انتهائها من «الدرس»، يفتح نقاش ليس في موضوع اليوم بل هو «درس» آخر تتداول فيه أخبار «متبرّجات» الحي الشعبي، وأخبار أولادهن وفضائح بناتهن وأشياء من هذا القبيل.. تدخل في إطار «النميمة النسائية»، كما قالت إحدى الفتيات، مضيفة أنها كانت تحضر هذه الدروس قبل أن تقرر الانقطاع عنها. سلفية «السكويلة» داخل بيت قصديريّ في دوار «السكويلة» الصفيحيّ، المتاخم للمجمع السكني «أناسي»، تقطن أم عمر، التي التقتها «المساء». حياة أم عمر مختلفة عن حياة الأخريات، فقد انقلبت رأسا على عقب مباشرة بعد اعتقال زوجها سنة 2005 وإدانته ب25 سنة سجنا نافذا، بتهمة التخطيط لأعمال إرهابية.. فقد صارت حياتها الآن تقوم على التجارة، إذ تعمل بائعة للأعشاب الطبيعية ومساحيق هي عبارة عن زيوت لتجميل البشرة، ما جعلها أشهرَ من نار على علم في الحي الصفيحيّ «السكويلة». تلخّص أم عمر معاناتها اليومية في مسلسل عذاب «القفة» والانتقال مرة كل أسبوع إلى سجن الزاكي في سلا لزيارة زوجها، الذي تقول إنه ضحية أفكاره وحرصه على تطبيق الشريعة والإسلام فقط، دون أن تذكر التفاصيل.. أم عمر مسؤولة عن ابنين، رفض والدهما حسب تصريح الزوجة، إدخالهما إلى المدرسة، وأصرّ على متابعتهما الدراسة في الكتّاب رغم تجاوزهما عقديهما الأول.. تنحصر المعاناة التي تقتسمها أم عمر مع فتيحة المجاطي، في المراقبة الأمنية المضروبة على «البرّاكة». قالت أم عمر ل»المساء» «نظرا إلى عملي في التجارة وعدد النساء المنقبات اللواتي لا يتردّدن في طرق بابي القصديري، خصصت الأجهزة مُخبرَيْن يداومان على مراقبتي ليل نهار، ونظرا إلى طول السنين التي قضيتها في التجارة لتدبير تكلفة «القفة» لزوجي القابع وراء القضبان، فأنا مُصرّة على مساندته ومقاسمته محنته حتى لو كان محكوما بالإعدام.. لأنه لا رادّ لقضاء الله وقدَره، وحتى إن حُرم من الحياة فلي وله جزاء الآخرة».. حولت أم عمر، التي رفضت كشف اسم زوجها، بيتها القصديريَّ إلى محل للتجارة شبيه بعيادة طبية تقليدية.. قالت إنها تقضي بياض نهارها في التجارة وسواد ليلها في الذكر وقيام الليل.. تختزلها أم عمر معاناتها في تعامل الإدارات العمومية معها، «يصرّون على أن أكشف لهم وجهي»، قالت أم عمر. أما معاناة ابنيها فتكمن في نعتهم من طرف أبناء دوار «السكويلة ب»ولاد الإرهابيّ».. تحدثت أم عمر بلغة شحذتها المعاناة فتصلبت و»ترجلت»عن مقاومتها للمعاناة التي عاشتها وكيف قضت أسبوعا كاملا في ضيافة الأجهزة الأمنية مباشرة بعد اعتقال زوجها، حيث قالت «كنتُ في البداية أفضل الموت على الحياة وسط حي قصديريّ ينظر سكانه إلى المنقبة ككائن فضائيّ ويعتبرون زوجها إرهابيّا خطيرا»، وتتابع: غير أنه بفضل الله استمرّ صمودي، ومن نعتْنَنِي أمس ب»الإرهابية» هم أول زبوناتي اليوم».. زواج مع وقف التنفيذ تختلف حالة «أ» التي طلبت عدم كشف اسمها واسم زوجها، عن حالات زوجات السلفيين، فهي من جهة محظوظة لأنها توفقت في عقد قرانها مع معتقل إسلاميّ محكوم بعشر سنوات سجنا نافذا، وتحسّ بغبن كبير لأنه زواج مع وقف التنفيذ.. لأنها مُجبَرة على الانتظار 8 سنوات ليلتحق بها شريك حياتها في بيت الزوجية.. قالت «أ» ل»المساء»: «حياتي ليست كالنساء العاديات، فقط لأنني فكرتُ في توثيق زواجي مع معتقل متابَع بقانون الإرهاب، الأمر الذي كلّفني ثلاثة أشهر من الانتقال بين المحاكم والإدارات، وبعد انتهائي بدأت معاناة جديدة لتحضير الوثائق اللازمة لزوجي من داخل السجن، ما جعلني أقضي أياما من عمري بين السجن والمحكمة، إلى أن تمكّنتُ من توثيق الزواج بصفة قانونية». تتذكر «أ» خلال حديثها ل»المساء» كيف تعرضت للكثير من المضايقات حين كانت تعمل رفقة أم آدم داخل تنسيقية الدفاع عن المعتقلين الإسلامين، وكيف عنّفوها ذات يوم، قبل استنطاقها لساعات طويلة. قالت «أ»: «استمع إليّ رجال الاستعلامات العامة وسألوني عن تفاصيل حياتي منذ ولادتي، وكيف فكرت في الزواج من معتقل مُدان بعشر سنوات سجنا نافذا، إضافة إلى حرصهم على معرفة مصدر الأموال التي كنا نتوصل بها من دول أجنبية، إذ اتُّهِمنا بقبول مساعدات من تنظيم القاعدة، رغم أنها مساعدات من جمعيات معروفة لا تتجاوز 10 آلاف درهم في الشهر يجب أن نوزعها على عشر عائلات.. وأحيانا تكون المساعدات عينيّة عبارة عن ملابس أو مواد غذائية، فالأجانب يعلمون أكثر من المغاربة أن زوجات المعتقلين وأبناءهم يعانون في صمت، وأغلبهم لا يجدون ما يسدّون به رمقهم».. تكتري زوجة السلفي الذي قالت إنه بريء، بيتا ب2300 درهم وتعيل طفلا عمره 3 سنوات، صرّحت بأن تكاليف الحياة تكاد تهزمها، بعد أن هزمتها نظرة الآخرين إليها. لا يعرف المقربون من المنقبة «أ» خبر زواجها من معتقل إسلاميّ محكوم بعشر سنوات سجنا نافذا، والقليل ممن يعلمون أنها متزوجة تقول لهم إن زوجها يعمل خارج الوطن..