صرخت من وسط الحشود المتظاهرة.. «كلنا حماس، كلنا غزة»، رددتها بملء حنجرتها وعيناها جاحظتان مركزتان على كاميرا الجزيرة. كانت الشابة العشرينية عارية الرأس، ترتدي سروال جينز، لم تكن من نساء رام الله أو البصرة أو قندهار.. المدن التي دمرها العدوان الأمريكي وخلفت أحقادا ستبقى لأجيال.. الشابة كانت ضمن مظاهرة بمدينة المحمدية المغربية. لا يجب أن تفوتنا تلك العبارة التي رددتها وأخرجتها من فؤادها ولا أن تمر علينا مرور الكرام. لقد بدأت نبوءة بعض المحللين السياسيين تتحقق، والتي مفادها أن حماس ستخرج منتصرة معنويا.. منتصرة بكسر طوق الحصار عنها.. منتصرة بتبني الشعوب العربية لها. بالأمس صاح صحفي فرنسي في وجه سفير إسرائيل بباريس في برنامج حول الحدث بالقناة الثانية الفرنسية متهما المجتمع الدولي ب«التواطؤ مع إسرائيل بإعلان حركة حماس منظمة إرهابية وهي التي شاركت في انتخابات وصفت من طرف أوربا بالنزيهة والشفافة، ولما فازت بطريقة ديمقراطية صنفها الغرب مع الإرهابيين إرضاء لتل أبيب»، وأضاف: «نحن الغربيين مسؤولون عما يجري حاليا لأن نفاقنا السياسي منح ضوءا أخضر لإسرائيل...». كانت ليلى شهيد، سفيرة فلسطين بباريس، بجانبه، لم تجد ما تضيفه، فالصحفي الفرنسي قال إن هذه الحرب فتحت عينيه على حقيقة الصراع، وأوضح ذلك بقوله: «الآن أدركت لماذا أوقفت إسرائيل كل مفاوضاتها مع السلطة الفلسطينية لمجرد أن حماس شاركت في حكومة وطنية، وأدركت أن ذلك كان مجرد غطاء لما يقع اليوم من مجازر». لا أعتقد أنه قبل هذه الحرب القذرة كان باستطاعة صحفي فرنسي أن يتحدث بهذه النبرة من قناة عمومية فرنسية. وإذا كان لهذه الحرب من أفضال فهي أنها فتحت أعين بعض الإعلاميين الغربيين النزهاء على المحرقة الفلسطينية وعلى بشاعة حرب الكيان الصهيوني، كما أنها حركت الشارع الغربي كما لم تفعل من قبل. فلأول مرة تتحرك أمواج الآلاف من المتظاهرين بباريس وبرلين ونيويورك وبوسطن وكانبيرا... إلخ. لم نشاهد هذا التعاطف مع قضية عربية منذ العدوان على العراق. حتى الحرب على لبنان لم تعرف هذا المد الكبير من التعاطف، لم نر حاخاما يهوديا يحرق جواز سفره الإسرائيلي ويقول إنه يخجل من انتمائه إلى إسرائيل.. فما الذي كسبه العدو الصهيوني.. أن يدمر غزة بالكامل، لقد فعلها عدة مرات ببيت لاهيا وجباليا وعدة بلدات فلسطينية. احترف الصهاينة التقتيل ولم يعودوا يحسنون سوى الدمار. لكن العالم اكتشف اليوم الوجه البشع لإسرائيل التي كانت تقدم نفسها إلى الغرب على أنها الحمل الوديع الذي تحوم حوله الذئاب، فهل رأيتم حملا يلتهم قطيع ذئاب؟ هناك يقظة للضمير في بعض النخب الغربية والشارع الأوربي والأمريكي، هناك أصوات ترتفع اليوم لتنادي بضرورة التحاور مع حماس.. فما الذي كسبه الصهاينة.. إنهم منحوا الشرعية لحماس دون أن يدروا.. إنهم خسروا دور الضحية الذي أتقنوه لستة عقود.. إنهم وصلوا المنحدر الحاسم..