في 16 ماي المقبل، تكون قد مرت عشر سنوات كاملة على اليوم الذي اكتشفنا فيه أن «الإرهاب» صار يحمل جواز سفر مغربيا، حين استيقظنا ذلك الصباح وبدأنا ننظر من النوافذ كي نتأكد أننا لسنا في الشيشان أو أفغانستان: مواطنون مثلنا تحولوا إلى قنابل من لحم ودم وفجروا أنفسهم على «الكفار»، بعد أن غرر بهم أشخاص حولوا الإسلام إلى شريط رعب بالأحمر والأسود، وإلى شبّاك ملطخ بالدم تسحب منه تذاكر «الجنة»... من يستعرض أحداث المغرب المعاصر، يكتشف أن 16 ماي لا يمكن أن يكون يوما عاديا في تاريخ هذا البلد الأمين، وعلينا أن نتأمله من جديد كي نستخلص الدروس والعبر، وكي لا يتكرر السيناريو الأسود مرة أخرى، خصوصا أن هناك مؤشرات مقلقة تدل على أننا رجعنا إلى الوراء، ومناخا عاما يشبه الأجواء التي هيأت الظروف لشباب سيدي مومن كي يرتكبوا جريمتهم النكراء في حق البلاد والعباد وأنفسهم، بل إن السياق أخطر من 2003، دون أي مبالغة، يكفي تأمل التغيرات الجذرية التي عرفتها الخريطة الإقليمية بعد سقوط أنظمة الجيران في تونس وليبيا ومصر، وصعود التيارات المتشددة هناك، والتي لا تتوقف عن زرع الحقد والكراهية والتحريض ضد «الكفار». الثلاثاء أول أمس فقط، فجرت السفارة الفرنسية في طرابلس، وقبلها اغتيل المناضل التونسي شكري بلعيد بعد أن حرض ضده السلفيون وجعلوا من قتله «سببا وجيها» للدخول إلى الجنة، دون الحديث عن أعمال العنف الطائفية التي يقف وراءها متطرفون إسلاميون في مصر، ناهيك عن البؤرة الإستراتيجية التي فتحتها «القاعدة» شمال مالي وأصبحت تعج ب«الجهاديين» من كل الجنسيات... وكلها شروط تتطلب قدرا عاليا من الحذر والحكمة، كي لا نصل إلى ما لا تحمد عقباه، خصوصا أن ثمة جهات خارجية تمد المتطرفين بالفتاوى والأموال. في 17 أكتوبر الماضي، كتبت جريدة «لوكانار أونشيني» الفرنسية أن قطر تمول «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» و«أنصار الدين» في شمال مالي، مستندة إلى تصريحات مسؤول كبير في جهاز الاستخبارات الفرنسية، أكد لها أيضا أن «السلفيين في ليبيا وتونس والمغرب يحظون بالكرم القطري»، قبل أن يضيف حرفيا: «المغرب مهدد بأن يكون الحلقة الأضعف في الأيام المقبلة»... هناك أكثر من سبب يدعو لأخذ تحذيرات «لوكانار أونشيني» على محمل الجد، على رأسها تنامي عدد المغاربة الذين يذهبون للقتال في سوريا مع «جبهة النصرة» و«لواء التوحيد»، وغيرها من التنظيمات المتطرفة التي قلبت «الربيع السوري» إلى حرب بين فسطاط الكفر وفسطاط الإسلام، وحولت مسار الانتفاضة الشعبية إلى «طريق سيار» نحو الجنة، يقصده الحالمون ب«حور عين» من كل جهات العالم، ومن لم يستطع الدخول إلى «الأوطوروت» السورية ينزل إلى شمال مالي حيث فتح «أنصار الدين» وأتباع مختار بلمختار «طريقا صحراويا» يقود إلى الفردوس، وكل يوم تصلنا أسماء مغاربة يقتلون أو يعتقلون على هذه الجبهة الجهادية الجديدة. لكن أخطر المؤشرات بلا منازع -والتي تعيدنا عشر سنوات إلى الوراء- هي رسائل التحريض التي يروجها بعض من يعرفون ب«شيوخ التيار السلفي»، الذين سبق أن اعتقلوا إثر أحداث 16 ماي، وآخرها الدعوة المسمومة التي صدرت عن الشيخ حسن الكتاني ضد الأستاذ أحمد عصيد، حيث وصفه ب«الحقير» و«المجرم» الذي «لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر»... ما يفتح الباب لأي مجنون أن يمسك سكينا ويتبعه في الشارع كي يتخلص من «الكافر». «ذنب» عصيد أنه «تجرأ» على انتقاد مقرر «التربية الإسلامية» وعلى الدفاع عن «حرية المعتقد»، من أجل إغناء النقاش العمومي حول موضوع حقوق الإنسان ودولة المؤسسات. كأن الكتاني، برسالته الحاقدة، يريد أن «يندّم» كل الشرفاء الذين دافعوا عنه أيام كان معتقلا بسبب تهمة المسؤولية المعنوية عن أحداث 16 ماي، خصوصا أن عصيد كان يتحدث في افتتاح المؤتمر العاشر ل«الجمعية المغربية لحقوق الإنسان»، التي لعبت دورا كبيرا في الدفاع عن الكتاني وبقية الشيوخ السلفيين أيام كانوا وراء القضبان. قبل أن تغمس قلمك في محبرة الحقد وتلطخ جدران الفيسبوك، كان يجدر بك أن تتريث قليلا أيها الشيخ: الشرفاء الذين دافعوا عنك يستحقون أفضل من «جزاء سنمّار» !