لو لم يطالب التقرير الأمريكي بتوسيع صلاحيات مهام المينورسو لما انتبه المواطن العادي إلى وجود أشخاص من جنسيات مختلفة يحملون قبّعات زرقا تُميّزهم عن أصحاب القبّعات الحُمر، يتجولون منذ 1991 في المدن الصحراوية على متن «لودرفيرات»، كأنهم كوكبة رالي باريس -داكار.. المغرب يتعامل مع هيئة المينورسو كما يتعامل التلميذ الكسول مع مراقب الامتحانات، يحاول أن يستغفله ويبادله بين الفينة والأخرى ابتسامة بلهاء.. لذا انفتحت شهية المراقب الدولي وطالب بتوسع هامش اختصاصاته ليشمل حقوق الإنسان في المنطقة، وقد يطالب غدا بتقمص دور شرطة المرور، فينظم السير في العيون والسمارة وبوجدور والداخلة، ويعين حُكاما لمباريات الكرة التي تجرى في هذه الربوع.. ويحكم بما أفتاه بان كي مون، الذي «تاه» عن بيته من شدة الطواف حول الأرض. لا يعرف بان كي مون ورجاله أنّ الصحراء المغربية تعيش أكبر تجليات حقوق الإنسان، فأسعار المواد الاستهلاكية مدعمة إلى أقصى الدّرجات، والبطالة لا تجوب شوارع الساقية الحمراء ووادي الذهب، وحتى العاطلون لهم امتيازات في التشغيل والتعويضات، والنقل مجانيٌّ للطلبة الصحراويين، والدولة توزع القطع الأرضية كلما نبت مخيم خارج المدينة.. وجامعة كرة القدم تنقل فرق المنطقة بالمجان.. هل هناك حقوق إنسان أكثر من هذا السّخاء الحكومي؟ لماذا نخاف من تقرير ينادي بمراقبة حقوق الإنسان في الصّحراء المغربية ومخيمات تيندوف؟.. الغريب في هذا السجال الجيوسياسي هو تصريح يوسف العمراني، الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون، الذي قال فيه أمام لجنة الخارجية والدفاع الوطني في مجلس النواب، إن القرار غير قابل للتطبيق لأنه يساوي بين منظمة إرهابية -في إشارة منه لجبهة البوليساريو- التي ليست لها التزامات دولية، والمغرب كعضو في الأممالمتحدة وفي المنظمات الدولية.. طيب، إذا كانت البوليساريو منظمة إرهابية فلماذا تجالسها، السي العمراني، حول طاولة المفاوضات وتصافح رموزها، «ما دامت أيديها ملطخة بالدم»؟.. إن ما نخشاه هو أن يأمرنا صناع القرار بالخروج للتظاهر في مسيرة مليونية، كما فعلنا ذات يوم، ضد الحزب الشعبي الإسباني، حيث شتمنا رئيسه وكل الساسة الإسبان، رغم حبنا الكبير للبارصا والريال.. وبعد أيام، استُقبِل الرجل الذي شتمناه في الرباط بالأحضان.. وقيل له لا تُعر اهتماما للمتظاهرين إنهم أهالي «الحراكة»، الذين ابتلعهم البحر. نحن مع تكريس مبادئ حقوق الإنسان ليس فقط في الصحراء، بل في كل مناطق المغرب، ولتكن البداية بهيئة المينورسو ذاتها، التي تنصّب نفسها «وصية» على الإنسان الصحراوي دون سواه، علما أنها «ابتلعت» حقوق مجموعة من المُستخدَمين المغاربة العاملين لديها!.. فاختار بعض الغاضبين الاحتجاج داخل مقر البعثة في العيون نتيجة طرد عشرة عاملين مغاربة بشكل تعسّفي، بل إنه لأول مرة في تاريخ هيئات حفظ السلام يلتئم عمال وعاملات المينورسو في تنظيم نقابيّ، مما يحتم على بان كي مون إيفاد بعثة أممية لتهدئة الوضع داخل هيئته قبل أن يتظاهر مستخدَموها في فاتح ماي القريب.. بل إنّ البعثة الأممية، التي تطالب بتوسع هامش اختصاصاتها لتشمل حقوق الإنسان، سبق أن تعرّضت لتحذيرات من رئيس بلدية العيون، الذي نبّه رئيسَها إلى اعتداء سيارات رجاله على المجال الحضري، باحتلالها الرصيف المخصص للمارة، وهدّد باللجوء إلى «الصّابو».. ولأن رجال المينورسو يتطلعون لصيانة حقوق الإنسان، فإنّ أعضاءها يتذكرون تظلم المواطن المغربي وحارس الأمن إحسان الحيلة، الذي لا «حيلة» له أمام رئيس البعثة الأممية سوى شكاية وجّهها إلى كريستوفر روس، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، أملا في إنصافه منذ أن تعرّض لطرد تعسّفي ما زالت آثاره بادية على وجهه وجيبه.. وفي عهد المصري هاني عبد العزيز، الذي عيّنه بان كي مون قائدا للمينورسو في الصحراء، اشتكت صحراوية من تحرّش أحد أفراد قوات حفظ السلام بها جنسيا، قبل أن تلقي بنفسها من شقة عضو أزرق القبعة، أسود القلب.. ماتت الفتاة وسُجّلت القضية ضد مجهول، رغم أنّ السلطات تعلم علم اليقين أنه معلوم، بل إنّ الألماني وولفغانغ، الذي ترأس المينورسو، اكتشف أن زميله المصري هاني «ما كانشْ هاني» على امتداد فترة مقامه في الصحراء المغربية، بسبب «هيجان» قواته، التي تقضي يومها في مطاردة الفتيات في شوارع المدن، وبدل أن تحفظ السلام وتساعد على تبادل الزيارات العائلية بين مخيمات تيندوف والأقاليم الجنوبية المغربية، يفضّل كثير منهم تبادل الحب والعشق، بنظرة فابتسامة فموعد ثم زواج مختلط.. ينتهي بانتهاء المهمّة الأممية.