لم يمر وقت طويل على تناول وسائل إعلام وطنية و دولية خبر تقديم الولاياتالمتحدةالأمريكية لمسودة قرار إلى مجلس الأمن الدولي حول قضية الصحراء يتضمن فقرة خاصة بتكليف البعثة الأممية بالصحراء مينورسو بمهام مراقبة حقوق الانسان و التقرير عنها حتى استدعي إلى القصر الملكي عل عجل زعماء الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان ، أغلبية و معارضة ، و بتعليمات من الملك محمد السادس من أجل التداول في هذا المستجد الخطير و الذي يشكل منعطفا كبيرا في تاريخ النزاع الصحراوي. الاجتماع المفاجئ و مكان انعقاده و طبيعة الداعين إليه تؤكد أن في الأمر خطورة بالغة و أن الوضع العام بالنسبة للمغرب يتجه إلى حيث لا يتمنى المغاربة.ولعل خبراء القصر الملكي واعون أكثر من غيرهم أن مجرد تفكير الولاياتالمتحدة بدعم مطلب البوليساريو يشكل نكسة قوية للموقف المغربي و يحمل في طياته عدم رضى الفاعل الأساسي في المجتمع الدولي حول تدبير ملف الصحراء ، والتخوف الأكبر يكمن في تغيير مماثل لموقف الأمريكيين من مسألة الوضع النهائي للصحراء و مبادرات طرفي النزاع لحلها. إن توسيع صلاحيات المينورسو و تمكينها من مراقبة حقوق الانسان في الصحراء و التقرير عنها لمجلس الأمن يعني ببساطة شديدة وضع الخطر الأحمر المغربي الرئيس وهو السيادة على الصحراء موضع تساؤل كبير.إنها بشكل مباشر سلطة أخرى غير سلطة المملكة المغربية تشتغل وفق أجندتها الخاصة و تتبع ميكانزمات معينة فوق منطقة تعرفها الأممالمتحدة بغير المحكومة ذاتيا و يتنازع شرعية السيادة عليها طرف آخر غير المغرب. إن ما تعنيه خطوة توسيع صلاحيات المينورسو في الصحراء يتجاوز مجرد آلية أممية عادية أو ولاية قطرية أو موضوعاتية مثلما هو عليه الحال في مجموعة من مناطق العالم. إن هذا التوسيع إن هو تم سيرخي بظلاله لا محالة على مستقبل النزاع و أفق التسوية و قد يكون محددا أساسيا لطبيعة الحل القادم في الصحراء.فإذا كان تقرير بان كي مون قد تضمن و لأول مرة اعترافا صريحا بوجود حراك منظم مناوئ للمغرب من داخل مدن الصحراء يطالب بتقرير المصير المقرون حتما بالاستقلال ، وذلك في ظل سيادة كاملة للقوانين و المؤسسات الأمنية و الإدارية المغربية و بدون وجود قوى رصد خارجية ، فكيف سيكون حال تقاريره عندما يكون أًصحاب القبعات السود يرصدون كل صغيرة وكبيرة في شوارع العيون و السمارة و غيرهما من مداشر الصحراء.
إن تكليف المينورسو بمراقبة حقوق الانسان بالصحراء تعني فتح أبواب المنطقة على مصراعيها أمام كل من يرغب في زيارتها سواء وافق المغرب أم لا يوافق على ذلك ، و لا مجال هنا لتبريرات مصطفى الخلفي بكون المغرب يمارس سيادته الوطنية على أرضه عندما يمنع وفدا من دخول المنطقة مثلما فعل مؤخرا مع نواب أوروبيين موالين للبوليساريو و أشار إليها الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره المقدم لمجلس الأمن مطلع الأسبوع الماضي. لن نستغرب في حالة توسيع صلاحيات المينورسو ونحن نرى أمينتو حيدار تتوسط كيري كينيدي رئيسة مركز روبرت كينيدي للعدالة و حقوق الانسان و الممثل الاسباني الحائز على الأوسكار خافيير بارديم و هم يقدمون الفيلم الوثائقي 'أبناء السحاب' الذي أنتجه بارديم من أجل التسويق لمواقف البوليساريو و مطالبها المرتبطة بنزاع الصحراء. لن نستغرب ونحن نرى أعلام البوليساريو تتربع على منازل حي معطى الله بمدينة العيون و رجال القبعات الزرق يحرسونها من باب الحق في حرية التعبير في منطقة لا زالت السيادة عليها معلقة من وجهة نظر المنتظم الدولي . لن نفاجأ ونحن نسمع بشاب أو شابة يطالب بتحية علم الجمهورية الصحراوية بالمؤسسات التعليمية صباح كل يوم بدلا عن العلم المغربي الذي لا يحيا أصلا بمدارس الصحراء على غرار باقي المؤسسات التعليمية في ربوع المغرب. لن نستغرب من قيام البعض ومن باب حرية التعبير بمقاطعة الأمام يوم الجمعة و ثنيه عن الدعاء للملك ، هذا إن لم يطالبه بالترحم على شهداء الثورة الصحراوية المجيدة و الانتفاضة المباركة. لكن ما نستغربه جميعا هو غياب أي حس للتدبير التوقعي لملف الصحراء لدى المسؤولون المغاربة ، حيث لا مبادرات ولا برامج تواصلية و لا حملات مدروسة من أجل مواجهة هذا المد المتنامي من الانتكاسات و الصفعات التي يتلقاها المغرب ، بل لا زال الاصرار على اجترار نفس خيبات الأمس و استعمال نفس الكرتات المحروقة و بنفس الطريقة البدائية و الهاوية المتبعة منذ بداية النزاع و التي كانت أخر محطاتها المنتدى الاجتماعي العالمي بتونس حيث ذهب المغرب بأكبر وفد و عاد بأكبر خيبة. هل سمع أحدكم باجتماع تقييمي لحصيلة تلك المشاركة؟ هل قدم أعضاء الوفد موجزا عن أهم ما قاموا به أثناء تواجدهم بتونس ؟ هل سأل أحدكم كم كلفت المشاركة و ماذا جني منها ؟ هذا في وقت تحتفي البوليساريو بوفدها و تستعرض يوميا في نشرات تلفزيونها أهم تحركات أنصارها ، بل أصرت على قيام المشاركين الموالين لها و القادمين من داخل مدن الصحراء بتنظيم قافلة يزورن عبرها كل مداشر الصحراء من آسا شمالا إلى الداخلة جنوبا حيث يقيمون مهرجانات خطابية ليستعرضوا حصيلة مشاركتهم فأين الوفد المغربي مما يقومون به و من دون أن تكون مراقبة حقوق الانسان في عهدة الأممالمتحدة.