يقول الله عز وجل: «ولاتبخسوا الناس أشياءهم» سورة هود بعض آية 84. انطلاقا من هذه الآية أقول للأستاذ عبد الباري الزمزمي لقد أحسنت في بعض ما صرحت به لهذه الجريدة (المساء) وأخطأت في البعض الآخر. فقد أحسنت وأصبت في مسألتين اثنتين هما: مسألة تحريم وضع النصب التذكارية لبعض الرموز المغربية في الشوارع العامة، والمسألة الأخرى تحريم أكل الحلزون. فبالنسبة للمسألة الأولى لقد وافقت فيها العلامة المحقق محمد الحجوي الثعالبي المغربي الفاسي المالكي رحمه الله حيث ذكرها في كتابه (الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي). كما تحدث عن هذه الفتوى بإسهاب طويل الشيخ عبد الفتاح ابو غدة رحمه الله في كتابه (تراجم ستة من فقهاء العالم الإسلامي في القرن الرابع عشر الهجري) انظر المرجع السابق من صفحة110-215. وأما بالنسبة للمسألة الثانية فقد وافقت فيها الشيخ الدكتور محمد تقي الدين الهلالي حيث ذكر في كتابه (الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة) بعد كلام سابق ما يلي:..فجرى ذكر اللحوم وما يستحسن أكله منها واختلاف أذواق الناس في ذلك فقال الأمير(حاكم مدينة القصر الكبير أيام الاستعمار الإسباني ) ياعجبا لأهل سجلماسة (يقصد الدكتور محمد تقي الدين الهلالي لأنه من أهلها) يأكلون الجراد وهو ضرب من الخنافس، ويشمئزون من أكل الحلزون ثم قال: ولي أصدقاء من شرفاء سجلماسة إذا زاروني وأردت إغضابهم على سبيل المداعبة أقول لهم : غذاؤنا اليوم ببوش فيتقززون ويغضبون فقلت له: أيها الأمير كيف تعيب أكل الجراد على أهل بلادنا وقد أكله النبي صلى الله عليه وسلم وتمدح أكل الحلزون وهو دود مائع ولم يأكله النبي صلى الله عليه وسلم. فالنبي معنا وبه ننتصر عليكم، فقال الملالي :إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم معكم وجب علينا أن نكون نحن أيضا معكم .المرجع السابق ص92. وأما المسألتان اللتان لم توفق فيهما فهما تصريحك بأنك ضد قتل المرتد عن الإسلام، وتصريحك بإباحة العادة السرية للصحابة رضي الله عنهم أجمعين. أولا الرد على المسألة الأولى:أقول: لقد خالفت في هذه المسألة إجماع المسلمين حيث إن حد الردة حكم شرعي مجمع عليه ومتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث بلغت في نظر أحد الباحثين حد التواتر المعنوي بل قاربت التواتر اللفظي إن لم تكن قد بلغته. قال ابن عبد البر رحمه الله: روي ذلك عن عثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وعائشة وجماعة من الصحابة رضوان الله عليهم...إذن فالقتل بالردة لا خلاف فيه بين المسلمين، وإنما وقع الاختلاف في الاستتابة. انظر التمهيد لابن عبد البر ج5ص318 . وقال الصنعاني في سبل السلام: يجب قتل المرتد وهو إجماع، وإنما وقع الخلاف هل تجب استتابته قبل قتله أو لا؟ ذهب الجمهور إلى وجوب الاستتابة .المرجع السابق ج4ص94. اذن ما الذي دعاك لأن تخالف إجماع المسلمين وتقول بهذا الرأي الشاذ، الذي تقول به بعض التنظيمات المعجبة بثقافة حقوق الإنسان من المنظور الأوروبي طبعا ؟! مع أن الذي أعلمه عنك أنك كنت تقول بخلاف ذلك سنة1991استمع إلى قولك بالحرف الواحد (ان الارتداد عن الإسلام ورفضه بعد الدخول فيه ليس من قبيل حرية التدين ولكنه إساءة إلى الإسلام وفتنة لأهله وتشويه لسمعته وطعن في صلاحيته وسلامته وسعي في تفكيك نظام الأمة وتفريق جماعتها وإحداث البلبلة والاضطراب في صفوفها فالارتداد عن الإسلام يقابل الخيانة العظمى في عرف القوانين الدولية الحالية) .انظر الإنسان بين التكريم الإلهي والإعلان الدولي لحقوق الإنسان لمؤلفه الأستاذ الشيخ عبد الباري الزمزمي. ثانيا الرد على المسألة الثانية التي قال فيها: إن الصحابة رضوان الله عليهم قد قالوا بإباحة العادة السرية ومارسوها. أقول إن المثل العربي يقول :(اثبت العرش ثم انقشه) كان من حقك أن تتأكد من هذه المقولة وتذكر لنا المصدر الذي أخذتها منه وقيمته العلمية ثم تذيعه بين الناس، ثم إنني وجدته في بعض الكتب ترويه بصيغة التمريض وعلى فرض صحة هذه المقالة فهي مردودة عليك من عدة أوجه: 1) إن فعل الصحابة رضي الله عنهم ليس بحجة وإنما الحجة فيما يروونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو مقرر في علم أصول الفقه. 2) إن هذا الفعل محكي عن بعض التابعين ولم يذكروا أن الصحابة رضي الله عنهم فعلوا ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء ذلك مصرح به في حديث العزل ( كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل فلم ينهنا عن ذلك) أخرجه الإمام البخاري في كتاب (النكاح باب العزل)ج6ص153. 3)عن جابر رضي الله عنه قال: جاء شاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله (ائذن لي في الخصاء قال صم واسأل الله من فضله) وجه الدلالة من هذا الحديث هو أن هذا الصحابي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له في الاختصاء ليرفع به مشقة العزوبة عن نفسه، فلم يرخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم وارشده الى الصوم، فلو كان الاستمناء جائزا لأرشده إليه، لأنه أسهل من الاختصاء ومن الصوم فلما لم يرشد إليه دل على أنه حرام لأن القاعدة الأصولية تقول:(السكوت في مقام البيان يفيد الحصر) هذه القاعدة ذكرها الشيخ شهاب الدين الزنجاني في كتابه القيم (تخريج الفروع على الأصول) ص324 ثم إن الصحابة رضي الله عنهم قيل في حقهم ما يلي: (من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما ،وأقلها تكلفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم ،واتبعوهم في آثارهم، فإنهم على الهدي المستقيم) من جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج2ص119 من أجل ذلك قال أبو بكر ابن العربي المعافري في كتابه أحكام القرآن (وعامة العلماء على تحريمه وهو الحق الذي لا ينبغي أن يدان الله إلا به، ثم أضاف وهذه معصية أحدثها الشيطان وأجراها بين الناس حتى صارت قيلة، وياليتها لم تقل ولو قام الدليل على جوازها لكان ذو المروءة يعرض عنها لدناءتها ) المرجع السابق ج3ص1310 وأختم ردي هذا بطريفة لها علاقة بالموضوع ذكرها الشيخ عبد الله التليدي في كتابه (ذكريات من حياتي) حيث قال :كان ايام الطلب كثيرا ما يسرد الصيام خوفا على نفسه من ثوران الجنس ورأى مرة في كتاب أن من شرب حبة من الكافور خفت شهوته، فشرب حبة من الكافور فحصل له نزيف دم مع ألم عظيم كاد يهلكه، ولولا أن شخصا دله على شرب زيت الزيتون لقضي عليه. المرجع السابق ص44. خريج دار الحديث الحسنية، وعضو رابطة علماء المغرب بالرباط سابقا