قبل بضعة أيام، كان رجل يسير في أحد شوارع مدينة مايوركا الإسبانية، فتوقف الناس على الرصيف وبدؤوا يصفقون له. مرّ الرجل سريعا بعد أن أومأ إليهم بتحية تقدير عابرة، ثم دلف سريعا إلى مقر عمله، وانصرف الناس سعداء برؤية ذلك الرجل الشجاع. الرجل العابر هو القاضي خوسي كاسترو الذي دشن سابقة حقيقية في مجال القضاء في العالم، وذلك حينما قرر استدعاء الأميرة كريستينا، ابنة العاهل الإسباني خوان كارلوس، للتحقيق معها في قضية فساد مخجلة، تورط فيها زوجها الذي كان مجرد لاعب كرة يد مغمور قبل أن يغمس يده في ملايين الأوروهات بطريقة غير مشروعة. كان من الممكن للقاضي كاسترو أن يفعل ما فعله قضاة آخرون قبله، أي أن يستدعي الأميرة كشاهدة ويجنبها فضيحة الإحراج، لكن الرجل عرف أن حبل النفاق قصير وأن هذه الحياة الفانية لا تترك لصاحبها غير الذكر الحسن بعد الممات، فاستدعى الأميرة كمتهمة.. وانتهى الأمر. اليوم، وبسبب اتهام الأميرة كريستينا بالضلوع في ملف فساد، توجد العائلة الملكية الإسبانية في قلب قضية غير مسبوقة، ليس في إسبانيا فقط، بل في أوربا والعالم، لأن ما هو معمول به هو أن القانون فوق الجميع، والأمراء فوق القانون، لكن القضاء الإسباني قرر أن يقلب الآية حتى لا تدخل البلاد في متاهة حقيقية لا أحد يعلم منتهاها. حكاية الأميرة كريستينا مع زوجها بدأت قبل سنوات، حينما كانت تتابع يوما مباراة لفريق برشلونة لكرة اليد، فاسترعى انتباهها لاعب وسيم ونشيط يبدو في الملعب كطاووس زاهي الألوان، فسألت عنه أحد أصدقائها قائلة: من يكون ذلك الأشقر؟ ومنذ تلك اللحظة، تحوّل لون حياتها بشكل لم تكن تتوقعه بالمرة. كانت قصة الحب التي جمعت الأميرة كريستينا باللاعب إينياكي أوردانغارين تشبه قصص الغرام كما تحكيها القصص المصورة للأطفال، وثمّن الإسبان كثيرا مبادرة أميرة تزوجت بشاب من عامة الشعب... ثم عاشا في حب وثبات وأنجبا بنينَ وبنات. مرت السنون والأيام ونسي الإسبان قصة الغرام التي جمعت الأميرة باللاعب، قبل أن تنفجر قبل بضعة أسابيع فضيحة وجد كثير من الإسبان صعوبة في تصديقها، حين سمعوا أن زوج الأميرة ضالع حتى أنفه في قضية فساد خطيرة، حيث جمع ملايين الدولارات من خلال جمعية للنفع العام أسسها مع صديق له، وأشرك فيها زوجته الأميرة، غير أن هذه الجمعية تحولت من النفع العام إلى النفع الخاص، وفي النهاية حدث ما يحدث في كل بلاد تحترم نفسها وقوانينها، أي أن زوج الأميرة وجد نفسه واقفا في قفص الاتهام. الإسبان، الذين لم يتعودوا على رؤية أمرائهم يقفون في المحاكم، ربما قنعوا بذلك، وقالوا إن مثول زوج أميرة أمام المحكمة يكفي حتى وإن كانت ابنة الملك مورَّطة بدورها في قضية الفساد، وربما تكون هذه القضية عبرة لها ولغيرها حتى لا تكون فتنة ويكون الوطن حكرا على حفنة من المحظيين، لكن حدث ما لم يكن يتوقعه أحد، والإسبان على اختلاف مشاربهم وقناعاتهم السياسية أجمعوا على أن ما قام به القاضي كاسترو هو عين الصواب وهو التطبيق الحقيقي لنظرية «الناس متساوون أمام القانون كأسنان المشط». ملك إسبانيا، خوان كارلوس، الذي اعتلى العرش قبل حوالي أربعين عاما، لم يجد نفسه يوما محرجا مثلما هو حاله الآن؛ فقبل بضعة أشهر، اكتشف الإسبان أن ملكهم تركهم غارقين في الأزمة وذهب في رحلة سياحية لصيد الفيلة في بوتسوانا، مقابل 40 ألف أورو للفيل، بينما هناك إسبان ينتحرون لأنهم لا يجدون ما يؤدون به الأقساط المالية الشهرية مقابل القروض البنكية التي مكنتهم من اقتناء منازلهم. ثم بعد ذلك، سمع الإسبان عن علاقة ما لملكهم بدوقة ألمانية شابة لا أحد يعرف أين تبدأ ولا أين تنتهي؛ والآن هو أمام فوهة المدفع بسبب النهاية غير السعيدة لقصة الحب الرومانسية بين ابنته و»ذلك الأشقر». عندما اكتشف الإسبان أن ملكهم كان يصطاد الفيلة في بوتسوانا بأربعين ألف أورو للرأس، اضطر الملك، لأول مرة في التاريخ، إلى الاعتذار إلى الشعب مباشرة على شاشات التلفزيون. اليوم، تبدو القضية أخطر، وعلى الملك أن يبحث عما هو أكثر من اعتذار. الأميرة كريستينا أحبت ذلك الأشقر، والإسبان أحبوا أكثر القاضي الشجاع الذي أحضر الأشقر والأميرة إلى قفص الاتهام.