سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الكمندان الزكاي: السلاح القليل وانعدام التجربة وحرب العصابات أنهكت الجيش في الصحراء قال ل«المساء» حالفنا النصر لأن الجندي المغربي قوي وشجاع ويحب وطنه وملكه
في هذا الحوار، يؤكد ميمون الزكاي، الكمندان العسكري في وحدة المُدرَّعات المغربية وأقدم أسير حرب في تندوف، أنّ المغرب دخل حرب الصحراء بسلاح قليل وتجربة شبهِ منعدمة على الأرض، مما أنهك القوات الملكية المسلحة، مضيفا أنّ الجنود المغاربة «خطفوا» النصر من مُقاتلي البوليساريو بسبب صلابتهم وروحهم القتالية النادرة.. في الحوار، كذلك، حديثٌ عن أخطاء بعض المسؤولين الأمنيين الكبار في الجيش، وعن طريقة اعتقاله وخيانة بعض الجنود للوطن.. - لماذا هذا الكتاب في هذا الوقت بالضبط؟ لقد كتبتُ هذا الكتاب؟.. لكي أبيّن فظاعة التعذيب والمعاملة الوحشية وغير الإنسانية التي كنا ضحاياها في معتقلات الجزائر والبوليساريو.. وقد ألّفتُ الكتاب كذلك حتى أترك مرجعا عن حرب الصّحراء، وكذلك لأنني عاصرتُ ثلاثة ملوك، وعاصرت المقاومة الجزائرية لمّا كنت صغيرا في بلدة أحفير، الواقعة في الحدود المغربية –الجزائرية.. لهذا فإن الذي حزّ في قلبي خلال عمليات التعذيب الذي تعرّضتُ له من طرف المخابرات الجزائرية هو أن كل المساعدة والتضحيات التي قدّمناها من أجل تحرير الجزائر ردّتها لنا الأخيرة بكثير من نُكران الجميل والجفاء، فقد أصبحتْ، منذ استقلالها، حجرا مزعجا في الحذاء المغربيّ، وعذّبت أبناءَ المغرب في مخيمات تندوف ولا تزال تعرقل تنمية المغرب بسياستها تجاه قضية الصحراء المغربية. - ما الذي تؤاخذه على الجيش المغربي وطريقة تعاطيه مع الحرب ضد البوليساريو في 1976؟ مع الأسف، هناك فرق كبير بين الحرب النظرية والحرب على أرض الواقع.. نحن كنا نتعلم النظريات، ولمّا خرجنا إلى الحرب على الأرض وجدنا الأمورَ مختلفة. لم يكن المغرب آنذاك يتوفر على التجربة التي تؤهله لخوض الحرب، لكنْ عندما تأتي ساعة الحقيقة يجب الاستجابة لها.. كما أن هناك غيابا للتنسيق بين الوحدات المختلفة (سلاح البر والجو) وهي نتيجة طبيعية لقلة التجربة، إضافة إلى قلة الامكانيات، فالسلاح الذي توفرنا عليه لم يكن ليضاهيَّ ما تحصلت عليه البوليساريو من أسلحة ليبيا -القذافي.. كان سلاحهم متطورا جدا ولا يحسبون أي حساب لتكاليفه، أما نحن فكل رصاصة محسوبة بعناية.. كخلاصة: السلاح هو عصب الحرب.. إضافة طبعا إلى غياب التجربة في التعامل مع حرب العصابات، فعناصر البوليساريو كانت تتحرّك بسرعة في رمال الصحراء ليلا وبواسطة سيارات رباعية الدفع وبطريقة لا توفر للأسلحة الثقيلة التي نتوفر عليها فرصا كثيرة لمجاراتهم.. - في الكتاب ركزتَ كثيرا على حرب العصابات ولمّحت إلى كونها مُنهكة للجيش المغربي.. كيف استطاع مجموعة من المُتمرّدين إنهاك جيش نظامي؟ كانت لدينا، نحن، أسلحة ثقيلة، وهم يتوفرون على سيارات الدفع الرباعي السريعة، ويعتمدون على عنصر المفاجأة والضرب ثم الاختفاء مجددا.. كانوا كالذئاب يتحرّكون مثل الزئبق في الليل، وأحيانا يمرون أمام الدبابات المغربية بالسيارات ونعتقد أنها آليات «صديقة» تابعة لجيشنا.. يختارون الوقت والمكان ويختبرون العدو هل قوي أم ضعيف. كانت الأمور تتم على هذا النحو، وحينما اعتقلوني مروا بي أمام الجيش المغربي وبين آلياته العسكرية دون أي رد فعل، لاعتقاد أفراد الجيش أنها سيارة تابعة لهم.. وحتى عندما تتنبه إحدى الآليات إلى الأمر، فإن سرعة سياراتهم في رمال الصحراء كانت كبيرة، ومعرفتهم دقيقة بتضاريس المنطقة.. إضافة إلى هذا، حينما تتعرّض إحدى الآليات للضرب نقوم برد الفعل بسرعة، وعندما تتم مُطارَتهم تجدهم قد زرعوا كمائنَ لاصطيادنا. ولهذا أقول إنّ يوما واحد من الحرب الحقيقة أحسنُ من عشر سنوات من الكلام النظري في المدارس العسكرية.. - تحدّثتَ في الكتاب، كذلك، عن صدمة بعض الجنود وخوفهم من المواجهةظ؟ نعم، فالأمر يتعلق بمواجهات حقيقية. فالجندي يسمع القنبلة الحقيقة ويواجه الرصاص الحيّ، مما يجعل البعض يصابون بالرّعب لهول ما يقع أمامهم، فالأمر ليس بالسهل.. صحيحٌ أننا في الأكاديمية العسكرية تدرّبنا على مثل هذه الوضعيات، لكنّ من لم يسمعوا في حياتهم رصاصا حيا وقنابلَ «تتساقط» أمامهم ولم يروا مشاهدَ الدم أمامهم قَط يُصابون بالهلع.. يأخذ الأمر بعض الوقت، وحينما يستقبل الجنديّ ضربة في مؤخرته «يستيقظ» ويبدأ في التأقلم مع الوضع.. - من يقرأ كتابك يحسّ بأنك لم «تهضمْ» بعدُ كيف أنّ الجميع تركوك لمدة ساعة ونصف «مرميا» على الأرض تنتظر من ينقذك، حتى مرت إحدى سيارات البوليساريو فاعتقلتك.. هل كان هناك تقصير من الجيش؟ لقد رفضتُ، في البداية، التقدم في الليل دون أن يكون هناك مسحٌ دقيق للمنطقة من طرف الجنود المشاة، لأنّ عناصر البوليساريو كانت تضع الألغام في كل المناطق التي تمر منها. كما أنّ من يعرف قليلا فنونَ الحرب يعلم أنّ الآليات الثقيلة لا تتحرّك إلا إذا أفسح لها المشاة الطريق، لأنّ العدو قد يرسل صاروخا واحدا مضادا للدّبابات ويُسبب في خسارة فادحة قد تكلف 200 مليون سنتيم في رمشة عين.. غير أنّ الكومندان قجي كان له رأي آخر، حيث طلب مني التقدّم وتنفيذَ الأوامر وإلا اعتبر ذلك عصيانا وطبّق عليّ قوانينَ الحرب، وعقب هذا الجدال بيني وبينه نفذتُ الأوامر مضطرا، وكان ذلك خطئا، لكنْ لم يكن لي خيار آخر.. على كل حال، تعرّضنا لكمين، حيث قام عناصر البوليساريو بضرب عجلات السيارة ومحرّكها، فتوقفتْ وخرج السائق رافعا يديه إلى السماء دلالة على الاستسلام.. أما أنا فقد قمتُ بسرعة بتعديل الذبذبات حتى لا يشوشوا على القيادة العليا، وغادرت السيارة محاولا الهرب واللحاق بالدبابة، ولم أكد أقطع 80 مترا جريا حتى أطلقوا عليّ الرصاص فسقطت أرضا وتعرّضت لكسور وجروح في مناطق مختلفة من جسمي. وظللتُ «مرميا» على الرمال لمدة ساعة ونصف، ولم أفهم بالضبط هل كان الخوف أو الجبن هما ما منع الجنود من إنقاذي أو الخوف من كمين آخر.. جاءت عناصر البوليساريو فألقوا عليّ نظرة ثم وجدوني مرميا على الأرض فأخرج أحدهم سكينا لذبحي، كما يفعلون مع الجنود الذين لا يستطيعون حملهم ولا أسرهم، وما إنْ رفع سكينه حتى صرخ فيه أحدهم قائلا إنني «صيد ثمين»، لأنني كمندان كبير في الجيش المغربي.. وكانت معجزة حقيقة، لأنني في الغالب لا أحمل النياشين على كتفيّ، فقد نسيتُها يومها.. بعد ذلك، سأحظى برعاية أحسن ليس لسواد عينيّ، ولكنْ لكي يُقدّموني على أنني كمندان ومكلف بالمدرّعات المغربية من أجل أن يَظهروا أمام المجتمع الدولي على أنهم «على الساحة»، وحتى يؤثروا نفسيا على باقي الجنود المغاربة.. - الكمندان قجي هو الذي أعطاك الأوامر بالتقدّم وكان أستاذك في الأكاديمية الملكية العسكرية في مكناس.. هل تعرَّضَ للمحاسبة على هذا الخطأ؟ هو قبطان له كفاءات كبيرة، لكنه يومها لم يكن في مستواه.. يقع هذا للإنسان أحيانا، مَهْما كانت إمكانياته.. لا تنسَ أنه، هو الآخر، يُنفذ الأوامر.. طلب مني أن أتقدّم في اتجاه «الانتحار» وقاومتُ، لكنْ في الأخير تكون الأوامر في الحرب نافذة. -كان خطأه؟ لم تكن له دراية كبيرة بالواقع على الأرض.. - هل تمّت محاسبة بعض الأشخاص ممّن ارتكبوا أخطاء واضحة في الحرب؟ بطبيعة الحال.. فأحد الضباط في أمغالا 2 هرب من أرض المعركة إلى السمارة، وتمّت محاكمته. بالنسبة إلى الكمندان قجي أعتقد أنه دفع ثمن تلك الأخطاء لأنه لم يكن له مشوار في المؤسسة العسكرية، والدليل أنه لم يصبح أبدا «كولونيل» و«كولونيل ماجور»، وكان من المتوقع قبل ذلك أن يصير «جنرالا».. - خلال اعتقالك نجوتَ من الذبح، لكنك تعرّضت للضرب رغم الكسور والجراح.. مقاطعا) في الليل، جاءت سيارة الدفع الرباعي التابعة للبوليساريو فأخذوني، وكنتُ «ضخمَ الجثة»، وهو ما عبّر عنه أحدهم بقوله: «مْن ثْقلو» (يضحك).. وقد أشبعوني ركلا ورفسا وعذبني أحدهم عذابا شديدا.. وقد مرّوا أمام الآليات العسكرية للمغرب.. وألقوا بي في كوخ صغير على بُعد أربعة كيلومترات. وكمعجزة أخرى هنا فقد أدخلوا عليّ ممرضة إسبانية في الثامنة عشرة من عمرها.. كانت شقراء وجميلة جدا ومتزوجة بأحد قياديي البوليساريو.. هي التي قامت بتطبيبي، وإلا كنتُ سأموت حتما، لأنهم في البداية كانوا جماعات من المُقاتلين ليس بينهم طبيب ولا ممرض واحد.. في الصباح، أخذوني إلى «غار» بعيدا عن الكوخ والتقيتُ لأول مرة بسائقي. وكنت حينذاك أتلو الشهادتين وأوصيه بأنْ يُبلغ سلامي إلى زوجتي وأن يأمرها مني بالعناية بالأبناء وتدريسهم.. كنت «أموت» عطشا، وقد أمرتهم تلك الممرضة الاسبانية بألا يمدوني بالماء في تلك الحالة بسبب فقداني كميات كبيرة من الدم.. وحينما قرّروا إنقاذي من الموت بسبب العطش كانوا يأخذون الماء من بحيرة صغيرة آسِنة تشتمّ فيها رائحة بُول الجمال.. وكنت أشرب في آنية متهالكة مليئة بالصدأ.. - انتقدتَ في كتابك قلة تجربة الجيش في التعامل مع الحرب، لأنّ الطائرات قصفت المكان الذي احتجِزت فيه دون أن يكون هناك مسح للمنطقة.. أليس كذلك؟ هذا ما أسميه غياب التنسيق بين مختلف الوحدات الجوية والبرّية، فمن المعروف أن قصف مكان مُعيَّن بالطائرات يعني أنه مباشرة بعد ذلك سيأتي دور المشاة لمعرفة النتيجة ومسح المنطقة جيدا. كنت مسرورا حينما بدأ القصف، لكنْ مع الأسف تبدّد ذلك مع توالي الساعات، لأنه لم يأتِ أحد لاستكشاف المنطقة. كان الحراس يخرجون إلى أماكن إلقاء القنابل ويأتون بشظايا الحديد، ثم يسألونني عن مصدره وعن مكوناته.. كنت أجيب بأي شيء، لأنني أعرف أنهم سيُعرّضونني لمزيد من الضرب إذا قلت غيرَ ذلك، ثم إنهم يعتقدون أنّ القبطان هو «نصف إله»!.. يعرف كل شيء.. وعليّ هنا أن أعترف بأفضال الأكاديمية الملكية العسكرية في مكناس، لأنها تُكوّن ضباطا أقوياء، وأغلب ما تعرّضنا له عند البوليساريو كان موضوعَ تدريب في الأكاديمية.. وإذا استطعنا أن نبقى على قيد الحياة إلى اليوم فبفضل التكوين الصّلب والخشن في هذه المؤسسة الكبيرة التي تكون الرّجال.. صحيحٌ أن هناك غيابا للأسلحة، لكنّ العنصر البشريَّ موجود، حيث نتوفر على جنود شجعان ويُحبّون وطنهم وملكهم. هناك بعض الجنود لم يكونوا في المستوى بسبب خوفهم أو خيانتهم، لكنّ هذا استثناء نادر جدا، والدليل على ما أقول هو انتصارنا في الحرب، رغم قلة الأسلحة.. فالقذافي كان يقول للبوليساريو لا تحسبوا أيّ حساب للسلاح، وكانوا خلال تبادل إطلاق النار يطلقون الرصاص بدون توقف، بينما نحن نعدّ كل رصاصة نُطلقُها.. - هل كان لتضاريس الصحراء أيُّ دور في صعوبة هزم مُقاتلي البوليساريو؟ بالفعل، تضاريس الصّحراء والبيئة الصحراوية مختلفة تماما.. الاتجاهات تتغير والتضاريس كذلك، فأنت تترك الهضاب والكثبان الرّملية في مكان ما وتستيقظ في الصباح فتجدها قد تغيرت بفعل الرياح.. وعناصر البوليساريو «يفهمون» طبيعة هذه التضاريس جيدا، فهم رُحّل ويتحرّكون فوق الرمال وكأنها منازلهم، وهذا كان يُسهّل عليهم الكرّ والفرّ والاختباء.. - في الكتاب معاناة لأكثرَ من 4 سنوات من الجروح البالغة التي تعرّضت لها خلال الحرب.. هل كنت تتلقى العلاج في الجزائر أم في تندوف؟ نعم، نُقلت إلى الجزائر، ولأنهم اعتبروني «صيدا ثمينا» سيساومون بي المغرب في المفاوضات، فقد كنتُ أحظى بعناية أكبر في المستشفيات، رغم الصعوبات في البداية. وسجلوني -لأسباب أمنية- باسم «محمد بن محمد»، ولم أرَ طيلة مكوثي في الجزائر إلا البروفسور ومساعدَه، وكأنه لا يستفيد من العُطل، فقد كان دائم الحضور.. والحقيقة أنه كان يعرف المغرب، وكان يمازحني بين الفينة والأخرى قائلا: «يوما ما سنشرب الشاي معا في مراكش».. وقد كان يقضي حوالي أربع ساعات في تغيير الضّمادات لكل أنحاء جسمي، وكان يأتي بحزمة كبيرة جدا من الضمادات ولا تكفيه.. كنت طيلة هذه المدة عاريَّ الجسم، وكنت أقضي حاجتي بمساعدة الممرضين.. - تعاطف بعض الجنود المغاربة في مخيمات تندوف مع البوليساريو.. ما السبب في انسياق البعض وراء إيديولوجيا الجزائر آنذاك؟ صحيح أنّ بعض «العسكرْ دْيالنا تْلفُو»، بسبب دعاية البوليساريو المروجة للثورة ورجوع الحكم إلى الشعب وغير ذلك الخطابات الجوفاء، وكان هذا بفعل قلة التكوين والوعي لدى الجنود المغاربة البسطاء وتوالي الخطابات المُندّدة بما يسمونه الإمبريالية الأمريكية وحلفائها.. إضافة إلى عروض ومسرحيات تسخر من الملك الحسن الثاني وصور مُنمَّطة من قبيل أنّ المغاربة يأكلون الكلاب.. لكنْ انتظر، فالآية ستنقلب بعد ذلك، حينما سنؤثر في الناس في المخيمات ويصبحون يُردّدون «عاش المغرب، عاش الملك الحسن الثاني».. - قلُ لنا، بصراحة، من يتحمّل المسؤولية في الأخطاء الكثيرة التي وقعت خلال حرب الصحراء؟ الأسباب واضحة.. كنا نغرق في التنظير ولم نجرّب يوما الحربَ على الأرض، إضافة إلى «الاحتياط» الكبير تجاه السلاح الممنوح للعسكر بعد المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين على الملك الحسن الثاني.. إضافة إلى غياب الأسلحة بسبب الإمكانيات المادية المتواضعة للمغرب بالمقارنة مع أسلحة القذافي التي كان البوليساريو يحارب بها. وكان هناك غياب للتنسيق بين مختلف الوحدات وغياب التكوين للجنود.. يمكن أن أقول إننا لم نبدأ الحرب باكرا، ولم نستعدَّ لها. - لكنْ، ألا تعتقد أن مُقاتلي البوليساريو كانوا هواة كذلك وأسوأ من الجيش المغربي؟ لا.. الأمور مختلفة، فحرب العصابات لا تتطلب أيَّ تكوين.. هم فقط مُوزَّعون على الأرض يُراقبون، مدعومين بعناصر من المخابرات ومن الصّحراويين المدنيين، الذين كانوا يمُدّونهم بالمعلومات. - لم تجبني عن السؤال: من يتحمّل مسؤولية الأخطاء المرتكبة في الحرب؟ أقول فقط إننا لم نكن في مستوى تسلّح العدو. - عندما تسقط أرضا لمدة ساعة ونصف ولا يأتي أحد لإنقاذك.. من يتحمل المسؤولية هنا؟ قلة التجربة.. أحيانا، عندما يسمع الانسان لعلعة الرّصاص فيصاب بالدوار من الخوف، خاصة بالنسبة إلى من لم يتلقوا التكوين، إضافة إلى أن سلاحنا آنذاك كان ثقيلا وليس صالحا للحرب فوق الرمال.. كنا في حاجة إلى مُعدّات عسكرية تصلح لبيئة الصحراء. - قضيت مدة 28 سنة في الأسر.. ألا تحس أنّ المغرب تخلى عنك في وقت من الأوقات؟ بطبيعة الحال، ماذا ستقول؟ ما وقع ما وقع، ونحن سقطنا وتعرّضنا لما تعرّضنا له.. ما فعله السياسيون يهُمّهُم، والتاريخ سيُنصف الجميع. - ألم تنتقد بشدة تبادل الأسرى واتفاقية وقف النار التي «نسيت» تماما قضية الأسرى؟ لقد دبّروا بالفعل تبادل الأسرى بطريقة سيئة.. كان لدينا في الحي الجامعي مولاي إسماعيل في الرباط حوالي 150 أسيرا جزائريا وكنا في تندوف حوالي 2050 أسيرا.. كنا نريد أن يتم إطلاق كل جزائري مقابل 30 مغربيا، حتى يتحرر الجميع، لكنْ لم يتم هذا، مع الأسف.. ديما كانتّشْمتو مع الجزائريين في كل الاتفاقيات.. في المفاوضات من أجل وقف إطلاق النار أدار المغرب ظهرَه للأسرى فعلا.. ففي كل حروب العالم يكون «بُند الأسرى» هو الأول، بمعنى أنّ إطلاق سراح الأسرى يكون في البداية. هذا يعني أنني سجنت من 1991 إلى 2003 فقط بسبب أخطاء الدبلوماسية المغربية. وفي هذه الفترة التي كان من اللازم أن يتم فيها طلاق سراحي، رفقة زملائي، توفيّ والدي، ثم والدتي بعد ذلك.. هذه من الأخطاء الكبيرة التي ارتكبت. - حينما أطلق سراحكم بعد أكثرَ من 20 سنة من الأسر، كيف وجدتم المغرب؟ بعد وقف إطلاق النار سنصبح نحن من «نُسيّر» المُخيَّمات، لأنّ عناصر البوليساريو لا يعرفون أي شيء. كنا كل شيء بالنسبة إليهم، وربطنا علاقات كبيرة في المخيمات، وأصبح الحراس الذين يعتدُون علينا «أصدقاء».. وكانوا يُرَدّدون «عاش الملك، عاش المغرب».. وهذا الوضع هو الذي دفع إلى عودة عمر الحضري، الرجل الثاني في الجبهة، إلى المغرب. - هل عوضكم المغرب على سنوات الأسر؟ لا.. أخذت عوائلنا مستحقاتنا، ومَن لم يكونوا متزوجين لم يكونوا يأخذون أيّ درهم.. لم تتم ترقيتنا، مع الأسف.. لقد قدّمنا تضحيات كبيرة ولم نأخذ أي مقابل، وهذا «عار» على المغرب. هناك قلة قليلة جدا ممن استفادوا من مأذونيات. مع الأسف، هذا غير مشجع للأجيال الجديدة من الجنود، لأنّ التضحيات لا تكافَأ. لا أقول هذا لأستفيد من أي شيء، لكنْ في كل حروب العالم معروفٌ أنّ الذي يرجع من أرض الأسر تتم ترقيته.. - هل كان هذا بسبب خيانة بعض الأسرى؟ مع الأسف، لم يقوموا بالغربلة، وقد طلبنا منهم أن تتم محاكمتنا إذا قمنا بتسليم أنفسنا للعدو ورفضنا الدفاع عن بلادنا.. لكنهم «رموا الجميع في سلة واحدة»، رغم أنّ «ضعاف النفوس» كانوا قلة قليلة جدا، لأنّ الجندي المغربيَّ مُحبّ للوطن ويحارب بصلابة.
الكمندان ميمون الزكاي في سطور:
• ولد في مدينة أحفير سنة 1940، في بلدة قريبا من الحدود المغربية -الجزائرية تبلغ ساكنتها حوالي 15 ألف نسمة؛ • 1960: عمل مراقبا في وزارة التجارة والصناعة؛ • 1962-1965: طالب ضابط في الأكاديمية الملكية العسكرية في مكناس؛ • 1967-1968: استفاد من تكوين في المدرسة العسكرية للمدرعات في فرنسا. • منذ 1969: كمندان في وحدة المدّرعات، فيلق الرباط -مكناس -خريبكة. • 1975-1976: المسيرة الخضراء ورحيل الإسبان عن الصحراء والاصطدام بالبوليساريو في الجنوب، ثم اعتقاله في معركة «كلتاتْ زمّور» في 13 أبريل 1976.