من المواد التي تقبل على نشرها منابر صحافية كثيرة عبر العالم أخبار الفنانين والفنانات، من ممثلين وممثلات، ومغنين ومغنيات، بحكم أنها تحظى بفضول القراء الذين يريدون معرفة كل شيء عن فنانيهم المحبوبين. وقد وصل الأمر ببعض المنابر الغربية، كما هو معروف، إلى حد الاستعانة بمصورين (يطلق عليهم اسم إيطالي هو «الباباراتزي») يختلسون صورا لهؤلاء في حياتهم الحميمية، تغامر تلك المنابر بنشرها على الملأ، حتى ولو عرّضها ذلك لمتابعات قضائية وغرامات مالية، فكل شيء يهون أمام الأرباح التي يمكن جنيها من نشر تلك الصور. وبطبيعة الحال، فإن صحفنا المحلية «الملتزمة» لا تشذّ عن هذه القاعدة، حيث تنشر بدورها أخبارا من هذا النوع، مع فرق أنها لا تبعث بصحافيين لجلب أخبار الفنانات والفنانين وإنما تأتيها هذه إلى عقر دارها؛ حيث دأب فنانونا (وفناناتنا بالخصوص) على إرسال أخبارهم الخاصة (مرفوقة بالصور المناسبة) إلى صحفنا التي تنشرها بغبطة وسرور، خاصة أنها تأتيها جاهزة، توفر على المحرر الفني عناء البحث والتحرير، وتملأ فراغا في صفحته، بل ويحتمل أن تسعده إذا جاءت مصحوبة ب»إكراميات»، آنية أو لاحقة. وهو عمل جبار يكشف عن تطور الفنانين المحليين والفنانات المحليات وإدراكهم أن استمرارهم في حياتهم المهنية رهين بحضورهم اليومي في الجرائد، وأنهم، بخلاف المطربين القدماء، يكفي أن تغيب أخبارهم عن الناس يوما أو يومين حتى يطويهم النسيان. وقد أوضحت إحدى المطربات المحليات مؤخرا لجريدة خليجية أن «مكتبها الإعلامي» هو الذي يتولى إرسال أخبارها إلى الصحف، ثم أضافت في فقرة لاحقة أن «مدير أعمالها» هو من يقوم بذلك؛ دون أن تدرك أنها سوف تخلق بهذا الكلام حيرة كبرى لدى معجبيها المحليين الذين فرحوا، دون شك، لأن واحدة «مكَردة»، منهم وإليهم، استطاعت الإفلات من القطيع، إلا أن فرحتهم لم تكتمل، للأسف، لأنهم لا يعرفون هل مصدر أخبارها هو «مكتبها الإعلامي» أم هو «مدير أعمالها» (ولد الدرب، الذي مازال ينتظر «الكونطرا» التي وعدته بها)؛ لكن هذا لا يهم، في نهاية المطاف، مادامت أخبارها تصلهم بانتظام ويعرفون عبرها، مثلا، أن كليبها اللطيف الظريف (نعم، فقد صار لها كليب) قد شفي من الزكام الذي أصابه وأبكاها حزنا عليه، مما أثرّ على حبالها الصوتية وجعلها تتوقف لفترة عن الغناء؛ كما يعرفون أنها إذا كانت «تناتفت» مع مغنية لبنانية فليس بسبب الملحن الشاب، كما تناقلت ذلك صحف معادية، وإنما لأن تلك المغنية «حسدتها» على جمالها وقوة صوتها وعلى «تكشيطتها» المغربية الأصيلة. إن مثل هذه الأخبار لتبعث السعادة في النفوس، ويرجع الفضل في إشاعتها بين الناس إلى صحافتنا الغراء، طبعا، بقدر ما يرجع إلى برامج «اكتشاف المواهب الغنائية» التي صارت تحاصرنا من جميع الجهات، وآخرها برنامج «آراب آيدول» الذي صار يصنع لنا، من حين إلى آخر، «محبوبين» و«معبودين» و«أوثانا» (أليست هذه هي معاني «آيدول» بالعربية؟) يطربوننا بأصواتهم ونتابع أخبارهم العامة والخاصة، ويشكلون، بالنسبة إلينا، نماذج يقتدى ويحتذى بها؛ بما يعني أن «آراب آيدول» صار مؤسسة تربوية حقيقية تنافس جامعاتنا في التكوين ونقل القيم عبر التلفزيون، مع ملاحظة أن خريجي البرنامج (وما يماثله) ليسوا مزعجين مثل خريجي الجامعات الذين صاروا يتظاهرون كل يوم أمام البرلمان مطالبين بحقهم في الشغل، وإنما هم «خريجون» في منتهى اللطف، لا يحتجون أبدا، ويرضون ب«المكتاب» وبما «قسّم الله»، ويقنعون بالغناء في أي مكان، حتى ولو كان تحت الأرض (باسم الله الرحمن الرحيم) في «علبة ليلية» يخنقها غيم السجائر وتملؤها عربدات مواطنين «صالحين» لم يعودوا يطلبون سوى العيش في سلام. فهنيئا لنا بمطربينا، وبأخبارهم، وبصحافتنا المحلية «الملتزمة».